عدنان القصار: الأسطورة التي غابت

عدنان القصار: الأسطورة التي غابت

image

لم يعرف التقاعد عن العمل يوماً الى ان كتب آخر سطر في صفحة الحياة ورحل

نعى نائب رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد لمع الرئيس السابق للهيئات الوزير الاسبق المرحوم عدنان القصار وقال: غابت الأسطورة... اسطورة الرجل الذي لم يعرف التقاعد عن العمل يوماً الى ان كتب آخر سطر في صفحة الحياة ورحل...

ما ذكر الاقتصاد اللبناني إلا وكان ذكر اسم عدنان القصار مرادفا له... وما ذكر الإقتصاد العربي الا وكان اسم عدنان القصار في طليعة قادته وحتى يبقى الترابط قائماً بين الاقتصادي العربي واللبناني تبرع القصار على نفقته بإقامة مبنى في بيروت يكون مقراً للإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية...

ماذا اقول فيك ايها الأخ الكبير اليوم بعدما رافقتك اكثر من ستين عاماً كنت خلالها لك الاخ والصديق وكاتم الأسرار والرفيق في معظم الزيارات الى الخارج فعشت معك عن كثب عصاميتك وعرفت كيف كانت الرحلة الى الصين تستغرق خمسة وستة ايام فكنت اول من ارسى العلاقات الاقتصادية بين الصين ولبنان وانت لم تتجاوز العشرين من عمرك..

ماذا أقول فيك يا رفيق العمر ويا رفيق الدرب وقد باعد المرض بيني وبينك فخانتك صحتك وعانيت انت ما عانيت وما زلت انا اعاني من عدم قدرتي على الوقوف أًو المشي مما اصبح يحول دون رؤيتي لك ومما زاد في ألمي عدم قدرتي على المشاركة في وداعك ولا في تقديم التعازي ...

لقد جاء غيابك ايها الاخ الرئيس كسقوط نسر من عليائه او زلزال أصاب جبلاً فصدّعه ... كلمة " البرزيدان" لن نسمعها بعد اليوم وهي الكلمة التي كانت محببة اليك وكلمة: "عوافي" من سيقولها من بعدك حفظ الله اخاك عادل في اكمال المسيرة مع العائلة الكريمة.

من سأنتظر مساء كل يوم ان اسمع منه كلمة: "عوافي " ها انا قد غادرت المكتب الى البيت وككل يوم شو الأخبار؟ شو عنا اليوم؟ كيف وكيف وهذه الحالة تتكرر عبر الهاتف مساء كل يوم...

مرة كنت اجلس معه في منزله فجاءته مكالمة هاتفية من رئيس احدى غرف التجارة العربية يقول له: بارك لي فقد تقاعدت واخترت راحة نفسي فهل تشاركني في التقاعد بعدما قدمنا زهرة شبابنا في العمل... سمعته يقول له: انا ليس في قاموسي ان اتقاعد وسأبقي اعطي ما دمت قادراً على العطاء عملاً بالقول الكريم: إعملوا فإن في العمل عبادة فالعمل هو حياة ثانية لي... نجاحاتك ايها الكبير لم تقتصر على ناحية دون اخرى فقد كانت في كل الميادين من مصرفية واقتصادية واجتماعية وانسانية ليس هنا مجال تعدادها ...

عدنان القصار لم يكن رجلاً عادياً كان مجموعة رجال في رجل واحد... كان وطناً في رجل... كان رمزاً للمحبة والتواضع... عصبي المزاج احيانا ولكنه يحمل في صدره قلب طفل فيه البراءة والحنان... كان هاجسه الدائم هو وحدة لبنان والحفاظ على وحدة الصف الاقتصادي ففي احلك الظروف واصعبها وتقطع اوصال الوطن وانقسام بيروت الى شرقية وغربية بقيت الهيئات واحدة موحدة بفض حكمته وانفتاحه على الجميع وكان عابراً للطوائف والمذاهب همّه ان يبقى لبنان واحداً موحداً.. مسيرة الستين عاماً توّجها عدنان القصار في كتاب لا يقل عن الف صفحة زاخر بالمعلومات والصور التي تؤرخ لتلك المرحلة التي تقلب " البريزيدان" فيها بين رئيس لغرفة بيروت ولإتحاد الغرف اللبنانية ونائبا ً اول لرئيس الغرف العربية ثم رئيسا للاتحاد لدورتين ورئيساً لغرفة التجارة الدولية كأول عربي يتولى هذا المركز مروراً بصداقته للصين وهنغاريا على ما يزيد عن سبعين عاماً وصولاً الى تولي الوزارة مرتين وقد اهدى هذا الكتاب الى: "وطني لبنان الذي حملته معي في قلبي وفي عقلي أينما اتجهت ليبقى اسمه عالياً دائماً وأبداً كما يستحق فلا رصعت جبيني الا بسمائه ولا هيأت قلبي يوماً إلا لمحبته"...

عدنان القصار ظاهرة لا تتكرر فقد ظل على مرّ السنين رجل الريادة في القطاع الخاص لبنانياً وعربياً ودولياً وهو الذي انضوى تحت راية نادي الاقتصاد في سن مبكرة فمضى يوزع سنوات عمره على مشاريع ناجحة يمدها برؤياه الثاقبة فختمت باسمه ووقعت بحبر يده...

كل أمانيه تقريباً حققها وبقيت لديه امنية واحدة اقترب من تحقيقها.