الراي- تزداد مؤشراتُ الثقةِ الخليجية بلبنان الذي وجّه، بانتخابِ الرئيس جوزف عون وتشكيلِ حكومة الرئيس نواف سلام، ومنذ انطلاقِ ورشة إعادته إلى الحضن العربي، إشاراتٍ ثابتةً ومن قلْب دخانِ الحرب الذي لم يبدّدْه بالكامل اتفاقُ وَقْفِ النار إلى أنه دَخَلَ مرحلةً جديدةً بالكامل عنوانها المزدوج، «محو الخسائر» الهائلة التي أصابت الدولة في بنيانها الهيكليّ وعلاقاتها مع الخارج، وتعويض نحو عقدٍ من انحرافٍ شديد في التموْضع الاقليمي عبر مراكمةِ نقاطٍ في «سجلٍّ» يُراد أن يعود «ناصعاً» ويستردّ معه الوطن الصغير أيامه... الذهبية.
«رحلات سبّاقة»
ولم يكن ممكناً التعاطي مع الانفراجةِ في علاقات لبنان الخليجية والتي تُرجمت أمس، بـ «رحلات سبّاقة» من الإمارات العربية المتحدة، حملتْ أول الرعايا الذين يزورون بيروت، مدشّنين سريان قرار إلغاء حظر السفر إليها إلا على أنها تعبيرٌ عن رغبةٍ يُرجَّح أن تشمل تباعاً دول مجلس التعاون الأخرى في تزويد «بلاد الأرز» بما يشبه «الدفعة على الحساب» سياسياً في ملاقاةِ محاولةِ عون وسلام إزالة «الأحمال الثقيلة» التي كادت أن تطيح بـ «صمام الأمان» الذي لطالما شكّلَ مظلةّ أمانٍ للبنان المأزوم.
وفي الوقت الذي «احتفى» لبنان بـ 7 مايو 2025 على أنه «يوم حميد في تاريخ العلاقات اللبنانية - الخليجية»، كما وصفه وزير الإعلام بول مرقص خلال تمثيله رئيس الجمهورية في استقبال طائرة (من 3 رحلات إماراتية) حملتْ مواطنين إماراتيين، فإنّ هذا المَسار الذي يُرتقب أن يتمدّد تباعاً وربما بحلول الأضحى المبارك يعني أمرين في رأي أوساط متابعة:
الأول رضى خليجي على ما يقوم به العهد الجديد على صعيد إنهاء، «ولمرة واحدة وأخيرة»، انجراف لبنان خارج نظام المصلحة العربي، وترسيخ مَسارَيْ الإصلاحِ المالي وضبْط الأمن الداخلي وطريق المطار ومحيطه ووضْع ملف سلاح «حزب الله» وأخواته على الطاولة تحت عنوان بَسْطِ الدولة سيطرتها بقواها الشرعية حصراً على كل أراضيها.
والثاني أن المَخاطر المرتبطة بإمكان توسُّع الحرب التي تَمْضي بها اسرائيل «موْضعياً» منذ 27 نوفمبر وعبر غاراتٍ مستهدفة كالتي طاولت فجر أمس في مدينة صيدا خالد الأحمد الذي ذكرت تل ابيب انه «شغل منصب مسؤول عمليات حماس في القطاع الغربي في جنوب لبنان»، تبقى رَهْنَ دينامياتٍ متعدّدة البُعد وأن أي عودةٍ لوتيرةِ المواجهة الشاملة تعني أنه سينطبق على الرعايا الخليجيين ما يَسْري على مواطني دول العالم الآخَرين، وهو ما يُفسَّر عملياً بأنه سحبٌ للمكوّنات السياسية التي شكّلت العنصر الرئيسي في حال «البرودة» وأكثر التي طبعتْ العلاقة مع بيروت، خصوصاً منذ مطلع 2016 وإعطاء دفْعٍ لمحاولات لبنان الرسمي إعادة الدفء إليها.
وقد خطف مطار رفيق الحريري الدولي الأنظارَ منذ ساعات الصباح الأولى حيث جُهِّز بالورود والحلوى التي وُزعت على الاماراتيين الوافدين، فيما عمل جهاز أمن المطار بالتعاون مع الأجهزة الأخرى على الإشراف على أدق التفاصيل وتسهيل تغطية الحدث للإعلاميين اللبنانيين والعرب والاجانب الذين غصت بهم صالة الوصول.
وطنهم الثاني
وعبّر المواطنون الإماراتيون لوزير الإعلام الذي استقبلهم ورحّب بوصولهم عن فرحهم بالعودة الى لبنان «الذي نحبه وكنا ننتظر هذا القرار منذ فترة طويلة، لأننا نعتبر لبنان من البلدان الأجمل في العالم»، مشيرين الى أنهم يشعرون، أنهم في وطنهم الثاني، ومعربين عن إمتنانهم وفرحهم بحفاوة الاستقبال.
وكانت لمرقص كلمةٌ أمام الاعلاميين، قال فيها «هذا هو الموقع الطبيعي للبنان، الذي يرحب بالاخوة الاماراتيين، والخليجيين عموماً، وهو في انتظار قدوم الرعايا والاخوة من الخليج العربي وكل أصقاع العالم (...) وهذه المحطة سبقها رفع الحظر مبدئياً عن سفر رعايا آخرين، منهم البريطانيون، ولم يعلن عنه بعد».
وعن خطوات الحكومة لتعزيز الثقة عند السياح الخليجيين، أضاف «خطوة اليوم تساهم في إعادة بناء الثقة. وبتوجيهاتٍ من الرئيس عون هناك لجان وزارية ومتابعة حثيثة من قبل رئيس الحكومة، واجتماعات متتالية لتذليل اي صعوبات او معوقات أمام قدومهم، وهذا سيظهر تباعاً»، معلناً رداً على سؤال «إن شاء الله نرحب بالرعايا السعوديين قريبا جداً. نحن في انتظارهم».
وفيما أعلن وزير الأشغال فايز رسامني في تصريح تلفزيوني ان «أمن طريق المطار عُمل عليه جِدياً وهو مُؤمّن بالأجهزة الظاهرة التي يراها المواطن وبالمخابرات وخلال ثلاثة أشهر ستجدون فارقاً جمالياً في هذه الطريق»، يسود ترقُّب للصدى الذي تركه اجتماع سلام، الثلاثاء، مع سفراء وممثلي دول «التعاون الخليجي» وتعهُّده لهم «بالعمل لإزالة أي مخاوف أو محاذير لدى دولهم» لتأمين زيارة مواطني المجلس إلى لبنان، وصولاً إلى كشفه «تفعيل دور الشرطة السياحية اعتباراً من الأسابيع المقبلة، لا سيما من خلال إقامة غرفة عمليات سياحية وخط ساخن يسمح بالاتصال مباشرة بهذه الغرفة لتذليل أي مشاكل يمكن أن تواجه إخواننا السياح».
«العودة المالية الإنمائية»
وفي حين كانت طلائعُ العودة الخليجية السياحية تترك أثراً بالغ الايجابية لبنانياً، لم تقلّ دلالةً بداياتُ «العودة المالية الإنمائية» التي عبّرت عنها زيارة ومواقف رئيس الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي بدر محمد السعد لبيروت ولقائه كبار المسؤولين وإعلانه «رغبنا أن نكون أول مؤسسة تنموية تبدأ بإعادة النشاط الى لبنان. وتحدثنا عن استعداد الصندوق لتقديم القروض الميسّرة (...) ونحن بانتظار ان تحدد الجمهورية اللبنانية أولويات المشاريع التنموية».
وجاء موقف السعد خلال لقائه عون، الذي أكد ان «الظروف الصعبة التي مرّتْ على لبنان والتي تَعَرْقَلَ فيها العملُ الانمائي والاعماري باتت وراءنا ونتطلّع إلى الأيام الآتية بكثير من التفاؤل لأننا مصمّمون على اعاده بناء الدولة وفق أسس جديدة، أبرزها الاصلاحات الاقتصادية والمالية»، متوقفاً عند «الاهتمام المتجدد بلبنان الذي بدأ يستعيد ثقة الاشقاء والأصدقاء»، وموضحاً أن «المرحلة الجديدة المقبلة عليها البلاد تحتاج الى دعم ومساندة الدول العربية الشقيقة التي طالما وقفت الى جانب لبنان وشعبه».
ولفت السعد إلى «اننا بانتظار أن يحدد لبنان أولويات المشاريع التنموية. وتحدّثنا عن استعداد الصندوق العربي لبناء القدرات أيضاً، أي تأهيل الكوادر الفنية في الوزارات والأجهزة الأمنية في لبنان. وتطرقنا الى الكثير من المشاريع، سواء الكهرباء او المياه والتعليم والصحة والطرق».
وحين سئل السعد عما «اذا كانت هناك معايير تطلبها دولة الكويت لتمويل المشاريع في لبنان»، رد «ليست لدى الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي أي معايير، هناك بروتوكول مشترك بيننا وبين مجلس الانماء والاعمار يبدأ كالتالي: يتقدّم المجلس بمشروع ونحن نقوم بدرس الجدوى الأولية، واذا كان مجدياً اقتصادياً نوافق عليه. ما نريده اليوم هو اختصار هذه العملية ونحن سنقوم بالدراسة الفنية ومن ثم التمويل».
وأكد أن «العلاقة بين الكويت ولبنان فوق مستوى الشبهات قديمة ومتجذّرة وستبقى كذلك».
وبعد لقاء رئيس البرلمان نبيه بري، أكد السعد «نفتخر بأن نكون أول مؤسسة تمويلية توجد في لبنان وتبدي استعدادها لإعادة النشاط التنموي في البلاد، وقد أخطرنا دولة الرئيس بأن لدى الصندوق العربي توجهاً جديداً يتمثل في أنه هو مَن سيقوم بدراسات الجدوى وتمويل المشاريع التنموية بمساعدة الصناديق الأخرى، وهذا يهدف إلى تقصير العملية المستندية. وبدل أن يقوم لبنان بإعداد دراسات الجدوى فالصندوق هو من سيقوم بإعدادها وتمويلها».
وخلال لقائه السعد، الذي وصف الاجتماع بأنه «كان إيجابياً جداً وهناك تفاؤل وسقف عال من التوقعات»، رحّب سلام بالوفد في بيروت، مشيداً بالعلاقات التاريخية بين لبنان والصندوق «الذي هو شريك أساسي للتنمية في البلد»، آملاً باستكمال التعاون وتوسيعه ليشمل كل المجالات بحسب الأولويات ومعبّراً «عن تفاؤله بالمستقبل خصوصاً في ظل هذا الاهتمام العربي».