السياحة تترقّب عودة الخليجيين إلى لبنان أما الاستثمار فـ"مشروط"
السّوق العقاريّة ستكون أول القطاعات استقبالًا لتدفق الطلب الخليجيّ
جاد هاني - المدن
أعاد قرارُ دولة الإمارات العربيّة المتحدة رفع حظر السفر عن مواطنيها إلى لبنان، ابتداءً من يوم غد في السابع من أيّار الجاري، وبعد أربع سنوات من التجميد، إلى الواجهة الدورَ التاريخيّ لرؤوس الأموال الخليجيّة في تنشيط سوق العقار اللبنانيّ. وتعتبر أوساط الاستثمار أنّ السّوق العقاريّة ستكون أول القطاعات استقبالًا لتدفق الطلب الخليجيّ، ولا سيما في المناطق الجبلية التي يفضّلها الإماراتيون والكويتيون والسعوديون للإيجار الموسمي أو التملّك. غير أن هذا التفاؤل يبقى مشروطًا بإقرار الحكومة اللبنانيّة حزمة الإصلاحات المصرفية والنقدية التي بدأتها أخيرًا، لأن أي موجةٍ استثماريّة جديدة تحتاج إلى بيئةٍ قانونيّةٍ وآلية تحويل أموال شفافة. فهل يتحوّل هذا القرار السياسيّ إلى بادرة أملٍ اقتصاديّة؟ وما العوائق التي قد تكبح مكاسبه؟
زمن الذهب العقاري: ذاكرة الأرقام الخليجية
حتى عام 2010 كان المستثمرون الخليجيون – ولا سيّما السعوديون والكويتيون والإماراتيون – يمثّلون رافعة الاستثمار الأجنبيّ في لبنان. فبحسب قاعدة بيانات الأونكتاد، لامست تدفّقات الاستثمار الأجنبيّ المباشر نحو 2.7 مليار دولار سنة 2006، جاءت 95.9 في المئة منها من بلدانٍ عربيّة وفق إحصاءات IDAL. وبين 2007 و2010 وُجِّه قرابة 60 في المئة من هذه التدفّقات إلى القطاع العقاري تحديدًا، فتركّزت في مشروعاتٍ فندقيّة ومنتجعاتٍ ساحليّة وأبراج "سوليدير"، ونتيجةً لذلك قفز سعر المتر المربّع في وسط بيروت من عتبة 3 آلاف و500 دولار إلى نطاق 5.500 – 7.500 دولار، مقتربًا من متوسّط الأسعار في دبي آنذاك (نحو 6.500 دولار للمتر). وتظهر بيانات Global Property Guide أن أسعار الشقق في بيروت تضاعفت تقريبًا بين 2008 و2012 بفعل الطفرة النفطية والطلب الخليجيّ على الوحدات الفاخرة.
لكنّ الصدمات المتلاحقة من اندلاع الحرب السوريّة في 2011، ثمّ الفراغ الرئاسي بين 2014 و2016، وتوتّر العلاقات اللبنانيّة-الخليجيّة – كبحت الطلب الخارجي؛ فتراجعت الأسعار الحقيقية بنحو 12.3 في المئة في 2014 وحدها. ومع تصاعد التوتّر الإقليميّ شدّدت دول الخليج قيودها: رفعت السعوديّة مستوى التحذير من السفر حتى مطلع 2019، فيما جمّدت الكويت منح التأشيرات للبنانيّين وأعلنت الإمارات حظرًا كاملًا على سفر مواطنيها في 2021، ما فاقم انكماش السيولة العقاريّة. وبانقطاع الزخم الخليجيّ، اتجه كثير من الخليجيين إلى تصفية أصولهم أو تجميدها. فيما تزامن لاحقًا المنع الخليجي مع الانهيار الماليّ في تشرين الأوّل 2019 وانفجار مرفأ بيروت (2020)، فدخلت السوق دورة تصحيح حادّة. ومع انعدام القروض السكنية وانهيار الليرة، أصبح 100 في المئة من المشترين نقدًا.
أول الغيث: ما الذي تغيّر الآن؟
إلّا أنّ انتخاب الرئيس جوزاف عون وتشكيل حكومة نواف سلام مهّدا لمصالحة خليجية متدرجة تُوِّجت بزيارة رئيس الجمهورية إلى أبو ظبي، حيث صدر القرار الإماراتي برفع الحظر، مع تلميحات سعودية وكويتية للحاق بالخطوة عينها قريبًا. وفي موازاة ذلك، سجّلت بيروت أول زيارة لوزير خارجية سعودي منذ عقد، مؤكدة انفتاحًا سياسيًا ينعكس اقتصاديًا.
في حديث إلى "المدن" يشرح رئيس مجلس العمل اللبناني في الإمارات شارل جحا ارتدادات القرار برفع الحظر عن الاقتصاد اللبناني: "بلا أدنى شكّ فإن قرار وقف حظر سفر المواطنين الإماراتيين إلى لبنان الذي صدر عن رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بعد الزيارة الناجحة لرئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون، سيفتح آفاقًا جديدة من التعاون بين الدولتين. ونحن من جهتنا سيكون لنا الدور المحفز والمساعد لتسهيل وإيجاد السبل الكفيلة بنجاح أي استثمار في لبنان، لكن الدور الأساسي لا بد أن يكون للحكومة اللبنانية، التي عليها القيام بجميع الإصلاحات المطلوبة لجذب تلك الاستثمارات وخلق الحوافز والقوانين الكفيلة بحمايتها. نحن على ثقة تامة بأن دول الخليج، من خلال سياستها الاقتصادية المنفتحة، مستعدة لزيادة استثماراتها في لبنان، لكن الجدوى الاقتصادية من أي استثمار تبقى هي الأساس؛ ومن هنا نعوّل على حكومة الرئيس نواف سلام للإسراع في الإصلاحات ورسم سياسة شفافة لجذب تلك الاستثمارات، وبالتأكيد يبقى الأمن والقانون العادل أساسًا لتدفق الاستثمارات.
وعن انعكاساتِ القرارِ، يُضيف جحا: "الاستثمار في العقار أحد أهمِّ الاستثماراتِ، بل الأسهل والأسرع، إذا توافر الجوّ المناسب المُرتكِز إلى ما ذكرتُه سابقًا؛ حينها سيشهد السُّوق العقاريّ انتعاشًا وتطوّرًا".
ويُتابع: "القرار سيزيد من فُرَصِ التعاونِ وخلقِ الشراكات التجاريّة بين الشركاتِ وأصحابِ الأعمالِ اللبنانيّينَ والإماراتيّينَ والخليجيّينَ مستقبلًا. وما صدر خلال لقاءِ الرئيسَين من تأسيسِ مجلسِ أعمالٍ إماراتيّ-لبنانيّ لتعزيز التعاونِ الاقتصاديّ والاستثماريّ، والأهمّ توجيه صندوقِ أبو ظبي للتنمية لإرسال وفدٍ إلى لبنان لبحث مشاريعِ التعاونِ التنمويّ – هو أوّلُ الغيث نحو انطلاقةٍ مُثمرةٍ، لكن يَبقى الأساس خلق الأجواء الملائمة لبنانيًّا لوضعِ كلِّ ما بحث قيد التنفيذ".
وختم: "يبقى الاغترابُ اللبناني العمود الفقري للاستثمارِ في لبنان؛ وهو، مثل أي مستثمر خليجي أو أجنبي، ينتظر الإصلاحات الّتي تعمل عليها الحكومة ليتجرّأ على اتخاذ خطوات متقدمة في هذا المجال".
الإصلاح المصرفي شرطٌ مسبق
منذ تعيين الحاكم الجديد لمصرف لبنان ركزت السلطات على إعادة رسملة المصارف أو دمجها تحت طائلة الإقفال، فيما أقرّت الحكومة في نيسان 2025 مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي خطوة أساسية لاستعادة ثقة المودعين والمستثمرين. كذلك يناقش مصرف الإسكان رفع سقف القروض إلى 100 ألف دولار بفائدة مدعومة، ما قد يعيد الطلب المحلي بالتوازي مع الطلب الخليجي. لكن صندوق النقد الدولي ما زال يربط أي تمويل للبنان بتوحيد أسعار الصرف وإقرار قانون ضبط الرساميل، ما يجعل الإصلاح المالي عنصرًا حاسمًا في قرار المستثمر الخليجي بالدخول أو الاكتفاء بالسياحة قصيرة الأجل.
بالمحصّلة، مع رفع حظر السفر يلوح في الأفق احتمال عودة الرساميل الخليجية لتكون رافعة لدورة عقارية جديدة، وربما لقطاعات أوسع كالسياحة الطبية والتكنولوجيا المالية والطاقة المتجددة التي يتطلع إليها مستثمرون إماراتيون وسعوديون. غير أن ربيع الاستثمار هذا يظل مشروطًا بتعافي النظام المصرفيّ وتكريس الشفافية النقديّة، وبقدرة الحكومة على تحويل برامج الإصلاح من نصوص إلى مؤسّسات فاعلة. أما إذا تعطلت الإصلاحات مرة أخرى، فستبقى الطفرة العقارية ومضات موسمية تفتقر إلى استدامة تنموية.