بريد لبنان: مورد مربح تحوّل صفقة خاسرة فهل تتدخل الحكومة الإصلاحية؟

بريد لبنان: مورد مربح تحوّل صفقة خاسرة فهل تتدخل الحكومة الإصلاحية؟

image

ثلاث محاولات فاشلة للتلزيم فهل تكون الرابعة ثابتة؟
بريد لبنان: مورد مربح تحوّل صفقة خاسرة فهل تتدخل الحكومة الإصلاحية؟


لوسي بارسخيان - "نداء الوطن"
عندما نشأت ليبان بوست في العام 1998 كمشغل بريدي حديث للقطاع في لبنان، لم يكن مقدراً أن تتحول جزءاً من منظومة تأبيد الصفقات الخاسرة بالنسبة لخزينة الدولة اللبنانية. سبع مرات مدد لعقد ليبان بوست حتى أيار العام 2023 ونحن نسير اليوم بتمديد ثامن أقرّ "حكومياً" منذ تشرين الثاني من العام نفسه وسط فراغ في رأس الجمهورية اللبنانية. وكل ذلك وسط معادلة مالية قلبت الأرباح التي كان القطاع يحققها للدولة قبل تلزيمه، فهل آن أوان الإصلاح؟

وفقا لتقديرات الخسائر التي تكبدتها الخزينة، فإنه في عام 1997 وفرت الخدمة البريدية للخزينة العامة مبلغاً صافياً بلغ 5.5 ملايين دولار أميركي، وهذه الأرباح هي لسنة واحدة فقط، سبقت تلزيم الخدمة لقطاع خاص. بينما لم تتخط مجمل أرباح الدولة من هذا القطاع على مدى عشرين سنة متواصلة الـ 3.4 ملايين دولار، أي ما يعادل 170 ألف دولار في السنة.

بقيت ليبان بوست مع ذلك أقوى من الدولة، ومن كل القرارات الصادرة عن ديوان المحاسبة، والتي طالبت بتعديل حصة الخزينة العامة من وارداتها، بما يتناسب مع حجم الأرباح المحققة، لا بل زادت محاباة الدولة معها منذ العام 2001 مع تمديد عقدها لـ 15 سنة إضافية، لقيت خلالها ليبان بوست معاملة استثنائية قضت بتخفيض أجرة مراكز فرز البريد في مطار رفيق الحريري ومركز رياض الصلح من 1.2 مليون دولار أميركي إلى 600 ألف دولار سنوياً، بالإضافة إلى تزويد الشركة من قبل الحكومة بـ 34 مكتب بريد مقابل رسوم رمزية.

ديوان المحاسبة يتحرك مجدداً

كان يفترض بفترة التمديد الثامنة للعقد حالياً، أن تترافق مع تحصين واقع الدولة المالي من عقدها مع بريد لبنان، بالإضافة إلى إطلاق دفتر شروط لمزايدة رابعة تجرى من أجل تلزيم الخدمة لمشغل جديد، بعد ثلاث محاولات فاشلة جرت في عهد وزير الاتصالات السابق جوني القرم. ولكن هذا لم يحصل طيلة عهد الحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي، فغادرت بعد نحو عام ونصف على قرار اتخذته بذلك ولم تتابع تنفيذه.

قبل نحو أسبوع توجه ديوان المحاسبة في غرفته الثانية برئاسة القاضي عبد الرضا ناصر بمذكرة إلى وزير الاتصالات الحالي شارل الحاج طالب فيها بإيضاحات عما إذا كانت وزارة الاتصالات قامت بتعديل جداول أسعار الخدمات البريدية وتحصين وتحسين حصّة الدولة لدى شركة ليبان بوست إلى حين إطلاق المزايدة الرابعة. وما هي الإجراءات التي تمت من أجل البدء بمزايدة تلزيم قطاع البريد وتطويره.
أمهل الديوان وزارة الاتصالات أسبوعين للإجابة على أسئلة أخرى طرحها تطالب بإظهار التوصيات التي تم الالتزام بها في ما يتعلق بهذا القطاع، ولا سيما بالنسبة لتعديل جداول أسعار الخدمات البريدية. إلى جانب تحديد تاريخ بدء تطبيق جداول الأسعار الجديدة. وما هي النتائج الماليّة التي نتجت عن ذلك.

 وأيضاً طلب الديوان تعداد التوصيات التي لم تلتزمها وزارة الاتّصالات، وما إذا كانت الوزارة قد حاولت تطبيقها، مع تبيان العقبات التي حالت دون التطبيق الفعليّ في حال وجوده. علماً أن الديوان كان قد أوصى برفع النسبة المئوية على الإيرادات الإجمالية، وبشمول حصّة الدولة كلّ الخدمات التي تقدّمها الشركة المشغّلة، من بريدية وغير بريدية، وبإعادة النظر في بدلات إيجار العقارات العائدة للدولة والمشغولة من قبل الشركة المشغّلة. بالإضافة إلى تطبيق مبدأ سنويّة التحاسب، وتوصيات أخرى، اعتبرها الديوان "أساسية في الحفاظ على الأموال العمومية وعلى تلزيم المرافق الاقتصادية بالجودة والشفافية والكفاءة والفعالية وبأعلى مردودية ممكنة".

الوزارة تؤكد: المزايدة ستطرح

طرح الديوان السؤال أيضاً عما إذا كانت الوزارة قد أعدت دراسة مالية "دراسة جدوى" تبنى عليها الرؤية المستقبلية للقطاع وما إذا كانت وضعت دفتر شروط لإجراء مزايدة جديدة للتلزيم ومتى تتوقع إطلاق هذه المزايدة.


ووفقاً لإجابات حصلت عليها "نداء الوطن" من مصدر معني في وزارة الاتصالات، فإنها باشرت فعلاً بوضع دراسة جدوى لإطلاق مزايدة جديدة سيعلن عنها من خلال دفتر شروط يراعي مصلحة الخزينة العامة. وأشار المصدر أيضاً إلى تعديل لحصة الدولة من موارد المنتج البريدي من شركة ليبان بوست حالياً، ورفعها من خمسة بالمئة إلى 12 بالمئة، وهو قرار صدر وفقاً للمصدر في عهد الوزير السابق جوني القرم. ولكنه لفت في المقابل إلى أن استعادة حقوق الدولة من مبانيها قد يبقى مقروناً بتنفيذ تلزيم جديد يفترض أن يطلق في فترة قريبة.

تجارب مريرة

ما يمكن التوقف عنده أن مذكرة الديوان الجديدة اقترنت بتجربة مريرة مر بها القطاع مع الهيئات الرقابية التي لم تنجح في حمل الوزير السابق على الالتزام بقراراتها. لا بل بدلاً من أن يسعى الوزير حينها لتحقيق حقوق الدولة، تصرف كصندوق بريد لنقل طلبات ليبان بوست ومحاولاتها لابتزاز الخدمة من خلال ربط أي زيادة لحصص الدولة أو استيفاء حقوقها بتمديد جديد لعقدها. هذا في وقت جاء تدخل الحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي تحت ضغط رأي عام تكوّن نتيجة لكشف محاولات الالتفاف المستمرة على قرارات الهيئات الرقابية، وبعد أن لجأ القرم نفسه إلى طاولة مجلس الوزراء في محاولة لنقض قرارارت الهيئات الرقابية. ومع ذلك لم تتابع الحكومة عملياً تنفيذ قرارها الصادر في تشرين الثاني من العام 2023.

على مدى أشهر ناور وزير الاتصالات السابق في تنفيذ القرارات، مرة عبر إرسال كتب إلى ديوان المحاسبة يطرح تساؤلات من خارج اختصاصه، ومرة عبر اللجوء إلى هيئة التشريع والاستشارات، ليغادر من دون استجابة للتوصيات التي وضعها ديوان المحاسبة في ما يتعلق بإعادة تلزيم القطاع، أو حتى وضع الديوان في صورة ما طلبه منه بشأن تعديل جداول أسعار الخدمات البريدية الواقعية مع ليبان بوست.

شبكة مصالح مستفيدة

لا يعود الأمر مستغرباً عندما يتبين أن تحالف Merit Invest و Colis Privé الذي حاولت وزارة الاتصالات أن ترسي العقد عليه مرتين، تارة بالانقلاب على شروط المزايدة وتارة بتعديل الشروط بما يتناسب مع مؤهلاته، يتشابك مع ليبان بوست في شبكة واسعة من المصالح المالية والسياسية. وهذا ما خلف انطباعاً بأن المنظومة التي سادت في الماضي متآمرة لإبقاء واقع القطاع على حاله، إن لم يكن تحت مسمى ليبان بوست فتحت أي مسمى يؤمن للمستفيدين استدامة الأرباح.


إنطلاقاً من هنا تبدو الفرصة متاحة اليوم لاستعادة هذا القطاع بالزخم الذي يتمتع به عالمياً، وكأحد القطاعات القليلة المربحة المتبقية للخزينة العامة. فهل تجرؤ وزارة الاتصالات في عهد حكومة إصلاحية على هذه الخطوة؟