النازحون اللبنانيون من ريف القصير يلوذون بالمجمعات السكنية... ويطالبون بالمساعدات
4135 عائلة... وعشرات العائلات السورية
الشرق الأوسط
حسين درويش
اضطرت عائلة المسن خضر عابدة (70 عاماً) لدفنه في بلدة القصر اللبنانية الحدودية مع سوريا شمال مدينة الهرمل، بعدما تعذر نقله إلى مسقط رأسه في بلدة الصالحية في ريف حمص. فالرجل الذي عاش حياته كلها في الصالحية، غادرها قسراً في فبراير (شباط) الماضي إثر اشتباكات بين أفراد العشائر اللبنانية وقوات الأمن السورية.
وعابدة لم يكن الوحيد الذي انتقل إلى الأراضي اللبنانية بعد الاشتباكات؛ فقد بلغ عدد النازحين اللبنانيين الذين كانوا يقطنون الأراضي السورية 4135 عائلة لبنانية، ولاذوا بمدينة الهرمل وقراها في شمال شرقي لبنان. ويقيم بعضهم اليوم في مجمعات سكنية غير مكتملة، ودور عبادة، فضلاً عن أن بعضهم استأجر منازل في المنطقة بعدما تبين أن إقامتهم ستطول، وربما لن يعودوا إلى منازلهم.
وقبل سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كان آلاف اللبنانيين يعيشون في قرى ريف القصير، ويحمل بعضهم الجنسية السورية، في حين يحمل بعضهم وثائق إقامة سورية. كان هؤلاء يقطنون في بلدات جرماش، والصفصافة، وأبو حوري، والحمام، والمصرية، والجنطلية، والمعيصري، وحاويك، وبلوزة، وزيتا، والفاضلية، منذ عقود، ولهم صلات عشائرية وقرابة مع لبنانيين آخرين يقيمون داخل الأراضي اللبنانية. وباتوا يقيمون داخل الأراضي السورية بعد تقسيم «سايكس - بيكو» في القرن الماضي، وبنوا المنازل، واستصلحوا الأراضي الواقعة غرب نهر العاصي، وبقوا يقيمون فيها
واتُّهم بعض هؤلاء بالمشاركة في الحرب ضد فصائل المعارضة السورية في عام 2013 إلى جانب «حزب الله» اللبناني، مما فرض قطيعة لهم مع المكونات السورية المعارضة للأسد. وبعد سقوط الأسد وسيطرة قوات الأمن السورية على المنطقة، واندلاع اشتباكات بين مهربين ومالكين لمصانع مخدرات في المنطقة مع القوات السورية، أُلزموا على مغادرة قراهم إلى الداخل اللبناني هرباً من القصف، ولم يعودوا حتى الآن.
البحث عن عمل ومنازل
وكان عابدة يقيم في أحد المجمعات السكنية غير المكتملة داخل الأراضي اللبنانية مع أولاده الأربعة في غرفة متواضعة غير مجهزة حيث تُوفي نتيجة ذبحة قلبية. ويقول أحد أقاربه لـ«الشرق الأوسط» إن عابدة «هُجّر مع عائلته وأولاده الأربعة الذين ما زالوا يبحثون عن أي عمل داخل الأراضي اللبنانية».
ولم يكن حظ عابدة العاثر أفضل من رجل ستيني يتحدر من بلدة المزرعة بريف حمص، وتُوفي في بعلبك. واكتفى ابن شقيقه بنعيه على وسائل التواصل الاجتماعي، موجهاً دعوة لأبناء جلدته لحضور دفنه في جبانة مدينة بعلبك.
وضم المجمع الذي يقيم فيه عابدة في الطيبة (جنوب مدينة بعلبك) 90 عائلة نازحة، قبل أن يطلب صاحب المجمع (وهو مشروع سياحي غير مكتمل) من النازحين إخلاءه، وبالفعل تم إخلاؤه يوم الخميس الماضي، ولم يبقَ فيه إلا أربع عائلات. واضطرت العائلات إلى البحث عن منازل، ودفع إيجارات تتراوح بين 300 و400 دولار للشقة الواحدة في قرى المنطقة.
ظروف صعبة
ويعاني هؤلاء النازحون من ظروف صعبة؛ إذ تقتصر المساعدات المقدمة لهم على الوجبات الغذائية وبعض ربطات الخبز، وتصرفها منظمات خيرية يقول السكان إن مصدر تمويلها من جاء من دولة العراق ومؤسسات دينية إيرانية.
ويقول محمد إبراهيم (31 عاماً) المتحدر من بلدة زيتا الحدودية في الداخل السوري، إن سبل العيش ضاقت به، مضيفاً: «أوقفوا عني كل أشكال المساعدات، وأُنذرت في الأسبوع الماضي بإخلاء أحد المجمعات السكنية في بلدة الطيبة (جنوب بعلبك) مع أفراد عائلتي المؤلفة من ستة أطفال».
ويدرس إبراهيم الآن مسألة مغادرة المجمع باللجوء إلى قب إلياس في البقاع الأوسط، بحثاً عن عمل بالزراعة لإعالة أطفاله، وهرباً من استغلال صاحب أرض زراعية يعمل فيها بأجر يومي لا يتخطى 7 دولارات يومياً، مقابل عمل زراعي من السادسة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر. ويشير إبراهيم إلى أن منزله في زيتا السورية «دُمّر وأصبح مرتعاً للقوارض والجرذان».
ويقول مختار بلدة حوش السيد علي، محمد نمر ناصر الدين، لـ«الشرق الأوسط»، إن مدينة الهرمل وقراها في شمال شرقي لبنان «استقبلت 4135 عائلة لبنانية من ريف حمص ومن القرى اللبنانية الواقعة شمال الهرمل»، مشيراً إلى أنه «من أصل تلك العائلات النازحة، هناك 135 عائلة هُجّرت أيضاً من الجهة اللبنانية في بلدة حوش السيد علي» التي اندلعت فيها اشتباكات في الشهر الماضي، وهي قرية تنقسم بين الأراضي السورية والأراضي اللبنانية، وتم إخلاء الجانب اللبناني ودخول الجيش اللبناني إليه. وقال ناصر الدين إن هؤلاء النازحين «لجأوا إلى قرى القصر والكواخ والشواغير، إضافة إلى مدينتَي بعلبك وبيروت»، لافتاً إلى أن بعضهم «لجأ إلى أقارب أو أولاد عمه أو إلى منازل مستأجرة».
وتعاني حوش السيد علي التي شهدت اشتباكات عنيفة في 18 مارس (آذار) الماضي، حتى اليوم من التوترات؛ إذ أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية، الجمعة، بدخول مجهولين بلدة حوش السيد علي، وأضرموا النار في مسجد البلدة، وفرّوا إلى داخل الأراضي السورية، مما أدى إلى إحداث أضرار جسيمة. وعلى الفور قامت قوة من الدفاع المدني وسيطرت على الحريق ومنعت انتشاره.
سوريون نازحون
وإضافة إلى نزوح اللبنانيين المقيمين داخل الأراضي السورية، سجلت المنطقة نزوحاً لسوريين من بلدات ريف حمص الجنوبي إلى الداخل اللبناني. ووفقاً لناصر الدين، فقد «لجأوا إلى لبنان نزوحاً من قرى وبلدات الصالحية، وكفرعبد، والحازمية، والعباسية، وأم العمد، والغور الغربية، وجنينات، والمزرعة، وأم حارتين». وقال إن ضعف إمكانات هؤلاء دفعهم للإقامة في المساجد ودور العبادة ودور الأيتام ومراكز الجمعيات والنوادي والخيم.
وطالب ناصر الدين الهيئة العليا للإغاثة في لبنان بإحصاء العائلات من النازحين، وبإصدار بطاقات مساعدة من وزارة الشؤون الاجتماعية للبنانيين، وبطاقات الأمم المتحدة للسوريين الذين نزحوا من قرى وريف حمص ومن شمال الهرمل؛ «لأن فرص العمل في البقاع غير متوافرة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه اللبنانيون والنازحون على حد سواء