ترامب يلتقي الشرع: بن سلمان ملك الاستقرار في المنطقة
أميركا قبل ترامب كانت تشبه البطة العرجاء بل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال
قاسم يوسف - اساس ميديا
انتهى العالم القديم. انتهى القرن الذي بدأ بهزيمة هتلر وانتصار الحلفاء. نحن الآن على أبواب قرن جديد يتصدره دونالد ترامب ومحمد بن سلمان. كل ما دون ذلك صار ماضياً مضى. والمستقبل الآتي يكمن حصراً في الجسر الممتد من المكتب البيضاوي في واشنطن إلى قصر اليمامة في الرياض.
من يُمسك بنار سوريا؟ من قد يتجرأ على فعلة كهذه؟ سال حبر كثير عن شروط وتعقيدات وحساسيات وتضارب مصالح قد تمنع الاستقرار وتعزز الاحتراب والاقتتال والتذابح، لكن محمد بن سلمان كان له رأي مغاير، فوحدة سوريا وسلامتها فوق كل اعتبار، وزيارة ترامب التاريخية إلى المملكة لن تصير كذلك ما لم يُكللها الأمير الشاب بما يعجز العقل على استيعابه.
وصل دونالد ترامب إلى الرياض مصطحباً معه كل أميركا. إلى يمينه وقف كبار القوم. أصحاب شركات عملاقة. مدراء إمبراطوريات صناعية لا تغيب عنها الشمس. شخصيات سياسية ودبلوماسية واقتصادية ومالية من العيار الثقيل. وصل إلى قصر اليمامة وقد بدا أن ترامب الخشن الذي اختبرناه وعرفناه على مدى الأشهر الماضية، لا يشبه ذاك الناعم الآتي نحو شراكة استراتيجية عز على العالم نظيرها منذ عقود طوال. فيما بدا أن محمد بن سلمان قد ارتقى من مسؤوليته كولي لعهد المملكة، إلى ملك للاستقرار في عموم المنطقة.
خبر اللقاء بين ترامب وأحمد الشرع، ثم قرار رفع العقوبات عن سوريا، هز المنطقة بأسرها، وهو يكاد يكون عصياً على الفهم والتصديق، حيث إن كل المؤشرات السياسية كانت تشي تماماً بخلاف ذلك، لكن المتغيرات الهائلة قلبت الطاولة رأساً على عقب، وأصابت بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي وكل أنصار التخريب والتقسيم والانفصال إصابة قاتلة، وأثبتت أن ما بعد محمد بن سلمان لن يكون أبداً كما قبله.
الرياض حجر الزاوية
خرق دونالد ترامب تقاليد الرؤساء الأميركيين الذين عكفوا تباعًا على شد رحالهم إلى لندن في أول زياراتهم الخارجية. قال إن وجهته الأولى ستكون الرياض. وها قد حط رحاله فيها بكل ثقله. وهو حين يحط في الرياض، فإنما يعلن مركزيتها كحجر زاوية، ليس في إعادة إنتاج المنطقة وحسب، بل في حياكة تفاصيل العالم الجديد، وهو عالم يختلف تماماً عن ذاك الذي عرفناه على مدى القرن الماضي.
خلال العقد الأخير طرأت تغيّرات هائلة على التوازنات الدولية. فروسيا غرقت في وحل أوكرانيا، وتحولت بعد مخاض دموي عسير إلى دولة تكابد بشق الأنفس للدفاع عن أمنها الاستراتيجي. بعد أن حرّكت بتوثبها العسكري ذاك القلق المستدام الذي كان يغفو على وسادة الشيخوخة الأوروبية. فجأة استدركت الدول المنضوية في الاتحاد أن الذعر يدق بابها، وأن ساكن الكرملين لا يُكبح بمُطالعات قانونية أو مُلصقات وردية عن حقوق الإنسان، بل بالحديد والنار.
هوّت روسيا في الحفرة التي وقفت عند حافتها منذ الحرب الباردة. ثم هوّت خلفها أوروبا بركنيها: المانيا التي صارت أقل شهرة وحضوراً من سيارة المرسيدس. وفرنسا التي استحالت برج إيفل ومثقف العائلة. قبلهم تنحت بريطانيا إلى عزلتها مع البحر الذي يطوّقها حد الغرق.
أميركا قبل ترامب كانت تشبه البطة العرجاء. بل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال. غرز باراك أوباما عقيدته السياسية القاتلة في ناصية القارة التي تقود سفينة نوح. ثم وضع كرسيه إلى جانب جورج واشنطن وطلب أن يلتقطوا له صورة يُمكن لصقها لاحقاً على الدولار. لم تعرف البشرية من رصيده إلا اثنتين: جائزة نوبل والتردد القاتل. يُضاف إليهم بشرة سمراء ورث شرعيتها الممتدة منذ مارتن لوثر كينغ. ثم وضعها في سلة المدينة الفاضلة. فصارت أميركا على النحو الذي بلغته منذ أول أوباما حتى آخر بايدن.
مفتاحٌ مطابق
يقول دونالد ترامب إن الرئيس هو الهيبة. والهيبة صارت لصيقة الأرض مع سلفه. أميركا هي المطرقة التي تدق فوق الكوكب. وهي الشرطي الذي يُنظم السير ويُسطّر المخالفات ويضغط على الزناد ويكبس الرؤوس بركبته نحو الإسفلت. ولأنهم يعرفون أنني أجسّد هيبة أميركا أطلقوا النار على أذني. شاء القدير أن أعيش. لا لأحمل المطرقة وحسب. بل لأعيد حياكة العالم برمته.
في الشرق كان ثمة إيران. وإيران هذه صارت أثراً بعد عين. قيل إن مشروعها الكرتوني تهاوى عند أول ضربة كف. وقد بدا أن تغولها لم يكن سوى النتيجة المعتبرة لانكفاء الآخرين. الأن تستجدي مكانة في العالم الجديد. وقد خيّرها حامل المطرقة بين الموت أو المذلة. فاختارت أن تتجرّع كأساً من السُم وكأساً من الترياق. فالرجل الأشقر متخصص في عقد الصفقات. لكنه يحترف الضرب بلا هوادة.
هوى العالم القديم برمته. بقيت الصين المنضوية على ذاتها. وهذا ملف مؤجل لاستحقاقه. المشهد الآتي عنوانه ترامب الذي قرر أن يحط أولاً في الرياض. لندن صارت خارج الزمن وخارج التاريخ. الحدث في مكان آخر. هناك حيث يقف محمد بن سلمان. عرّاب أوروبا الجديدة. وفي يده مفتاح مطابق لمفتاح ترامب. يضعونه معاً في بوابة القرن الجديد. ثم يعبرون ومعهم المنطقة والعالم.