"الداخلية" لم تحضّر للانتخابات: موظفون متوفون وبدل مالي لا يكفي للمبيت والطعام

"الداخلية" لم تحضّر للانتخابات: موظفون متوفون وبدل مالي لا يكفي للمبيت والطعام

image

"الداخلية" لم تحضّر للانتخابات: موظفون متوفون وبدل مالي لا يكفي للمبيت والطعام
قبل ساعات من الانتخابات في طرابلس طلبت الوزارة من موظفين الالتحاق وتسلّم الصناديق

ندى أيوب - الاخبار

تُنظّم وزارة الداخلية الاستحقاق الانتخابي البلدي «كيفما اتّفق» وكأنّها المرة الأولى التي تواجه فيها استحقاقاً كهذا في تاريخها.

فيما يؤكد متابعون أن هذا الاستحقاق هو الأسوأ لناحية تنظيم الكادر البشري المكلّف بإدارة العملية الانتخابية، أي تنظيم توزيع الموظفين، وضمناً الأساتذة، ما أحدث إرباكاً عشية انتخابات الشمال، استدعى من الوزارة الاتصال بأساتذة في أوقاتٍ متأخرة جداً من مساء السبت طالبة منهم التوجه شمالاً، وتسلّم صناديق الاقتراع. ومارست عليهم ضغوطات وترهيباً بمعاقبة من يتخلّف بشكلٍ يتجاوز حدود القانون.

وإذا ما تم تخطي تقصير «الداخلية» في الأمور المرتبطة بالتدريب غير الكافي لرؤساء الأقلام، وعناصر القوى الأمنية حول قانون الانتخابات، وتالياً ما هو مسموح وما هو ممنوع أثناء اليوم الانتخابي، وتقصيرها في تنقيح لوائح الشطب، إلا أنّه لا يُمكن القفز فوق انعدام التواصل والتنسيق المبكر مع موظفي الدولة المفترض أنّهم العمود الفقري لليوم الانتخابي.

فقد أرسلت «الداخلية» إلى الوزارات، يوم الخميس الذي سبق انتخابات محافظتي طرابلس ولبنان الشمالي، أي قبل ثلاثة أيامٍ فقط، جدول «إكسل» ضخماً يضم خمسة آلاف اسم للموظفين، من بينهم أسماء جميع الموظفين والأساتذة من الفئات الثالثة وما دون في كل الوزارات والمهنيات والثانويات الرسمية.

وتمّ الطلب من الموظفين البحث عن أسمائهم ضمن آلاف الأسماء لمعرفة القضاء الذي عليهم التوجه إليه.

ولم تهتم الوزارة بتحديث اللوائح، فأرسلتها كما هي، وبعد الاطّلاع عليها، تبيّن أنّ عدداً كبيراً من الواردة أسماؤهم في اللوائح إما هم متقاعدون أو متوفون أو تركوا الخدمة بعد 2019. الأمر عينه حصل في يوم الخميس الذي سبق انتخابات محافظة جبل لبنان. وهذا الخطأ سيتكرر للمرّة الثالثة، إذ طلبت «الداخلية» من وزارة التربية إلحاق 6074 أستاذاً ومعلماً وموظفاً من ملاكها بأقلام الاقتراع في الجولة الانتخابية المقبلة في محافظتي بيروت والبقاع. ومن بين هؤلاء 81 متقاعداً.

ولم تكلّف وزارة الداخلية نفسها عناء استطلاع رأي الموظفين بالمشاركة من عدمها في تنظيم العملية الانتخابية، إذ جرت العادة أن تقوم «الداخلية»، قبل الانتخابات بشهرين، باستطلاع آراء الموظفين، ومن يرغب بالمشاركة يدوّن ذلك بجانب اسمه على جدولٍ مخصص للوزارة التي يعمل فيها، وأحياناً للمديرية التابع لها داخل وزارته.

بمعنى آخر، لم تكن اللوائح عبارة عن تجميع آلاف الموظفين الذين تنطبق عليهم شروط إدارة العملية الانتخابية في لائحة واحدة، بل تخصيص جدول لموظفي كل وزارة على حدة، وجداول للأساتذة تتضمن تحديد اسمَي المحافظة والقضاء الذي سيتم فرز كل مجموعة موظفين إليه.

أي إن الموظّف كان يعلم مسبقاً إلى أين يتّجه عشية اليوم الانتخابي، ما يسمح له بترتيب الأمور المتعلّقة بإقامته في البلدة التي سيخدم فيها، سيّما أن الإقامة قد تمتد ليومين وليس ليومٍ واحد، كما هي الحال في طرابلس مثلاً حيث عدد أقلام الاقتراع كبير جداً، وغيرها من المدن والبلدات الكبيرة.

إلا أن «الداخلية» استهترت في القيام بواجبها في إنجاز التحضيرات اللازمة للاستحقاق الانتخابي، بمعزلٍ عما إذا كان سيحصل أم لا، إذ كان الأوجب إتمام التحضيرات تفادياً للفوضى العارمة التي طبعت الاستحقاق أقلّه في دورتيه الأولى والثانية. في النتيجة، تبلّغ الأساتذة بأنّهم سيتّجهون شمالاً قبل ثلاثة أيامٍ فقط.

منهم من لم يلتحق نتيجة أن التبليغ غير رسمي لجهة المدة، ولجهة طريقة التبليغ، واستناداً إلى حقّه في القبول أو الرفض.

لذلك، ونتيجة لحسابات الداخلية غير الدقيقة بشمولها الموتى والمتوفين والمتقاعدين والمستقيلين، برز النقص في أعداد الموظّفين، فبدأت بالتواصل الشخصي مع الموظفين لتأمين رؤساء أقلام وكتّاب لمراكز الاقتراع، خاصة في مدينة طرابلس. وفي إحدى الحالات طلبت إلى أساتذة يسكنون في محافظتي بيروت والنبطية الذهاب إلى الشمال لتعويض النقص. وتخويفهم بأن من لا يلتحق سيُعاقب!

وأكمل وزير الداخلية أحمد الحجار المشهد أمس، بتصريحه أنّ الموظفين تخلّفوا عن الحضور، محمّلاً إياهم المسؤولية، من دون أي حديث عن مسؤولية الوزارة.

أمّا الموظفون الذين وصلوا إلى طرابلس مثلاً يوم السبت لتسلّم صناديق الاقتراع، فلم يجد عدد كبير منهم مكاناً للمبيت فيه. ففي المدينة ثلاثة فنادق صغيرة يفوق عدد الموظفين قدرتها الاستيعابية. لذلك، تقاسم كثيرون الغرف من باب تقاسم التكلفة بالدرجة الأولى، وللفوز بمكانٍ للمنامة، وسط ضيق الخيارات. ومن لم يحالفه الحظ أو لم يكن قادراً على المبيت في أحد الفنادق الفاخرة، قضى ليلته في ضيافة إحدى العائلات عبر العلاقات الشخصية.

وتنبغي الإشارة إلى أن المشاركة في إدارة الانتخابات لا تدخل في صلب المهام المطلوبة من الموظف، لذلك تدفع له الدولة اللبنانية بدلاً مالياً، هو 200 دولار لرئيس القلم، وأقل من ذلك بقليل للكاتب. وعلى الموظّف، أن يُنفق منها كلفة مبيته في فندق لليلة أو اثنتين، وبدل النقل من وإلى القضاء المفروز إليه، وتكاليف طعامه وشرابه.

ومع غلاء الأسعار، سينتهي الحال بالموظّف منفقاً كامل المبلغ على تكاليف مشاركته في الانتخابات، دون تحصيل «دخلٍ» مقابل عمله. بل وربما يُنفق من جيبه خدمة للدولة التي عادةً تصرف البدل المالي بعد 6 أشهرٍ من الاستحقاق.