همّ باسيليّ – قوّاتيّ مشترك: “كتلة الرّئيس”!
دوائر الرئاسة مهتمة بقراءة أرقام البلديّات الكبرى ذات الرمزية السياسية والحزبية
ملاك عقيل - اساس ميديا
تتراكم المؤشّرات السياسية التي تفرزها صناديق الاقتراع البلديّة على الرغم من “الكليشيه” العائليّ. صحيح أنّ “لحظات التخلّي” دفعت بعض الخصوم السياسيين، “للعظم”، للتآلف مرغمين ضمن لائحة واحدة، إلّا أنّ ملامح المعسكرات المضادّة، وأحجامها في الأقضية والبلديّات، وصولاً إلى الأحياء والزواريب، بدأت تبرز بوضوح وتؤسّس لأمّ المعارك النيابية في صيف 2026.
قبل فترة من استحقاق الانتخابات البلديّة، وقبل نحو عام من الانتخابات النيابية، بدا رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع مهتمّاً بسؤال سفير دولة خارجية بارزة عن رأيه، عمّا إذا كان رئيس الجمهورية جوزف عون يُخطّط لتشكيل كتلة نيابية داعمة للعهد، من خلال دعمه بشكل غير مباشر لمرشّحين مستقلّين عن الأحزاب، في الانتخابات النيابية المقبلة، أو إذا كان يُفكّر في إنشاء حزب.
في العمق، ربّما يطرح النائب جبران باسيل السؤال نفسه، في ظلّ انطلاقة عهد “مُدجّجة” بالدعم الدولي، والوعود الماليّة والاستثمارات، لم يسبق أن شهدتها عهود الرؤساء إميل لحّود وميشال سليمان وميشال عون. لن يكون “الكتائب” وقوى مسيحية أخرى أقلّ اهتماماً بمعرفة التوجّهات السياسية للعهد في ما يخصّ الشارع المسيحي في ضوء تحدّيات كثيرة تدخل ضمن أجندة العهد نفسه، ومدرجة في خطاب القسم، منها الإصلاحات والسلاح وتعزيز الهيئات الرقابية واللامركزية الإدارية.
الرّئاسة ليست طرفاً
الموقف شبه الرسمي، الذي تعكسه جهات قريبة من رئاسة الجمهورية، يفيد بالآتي: “لن تكون رئاسة الجمهورية طرفاً في أيّ تحالفات سياسية أو انتخابية، بحكم المسؤوليّات الدستورية والموقع الوطني والجامِع. لكن لا يمكن للرئاسة الأولى أن تمنع ترشيحات تصبّ في خانة الخروج من عباءة الأحزاب، وتكون مؤيّدة لخطّ العهد وسياساته ودعمه من المواقع النيابية، أو مواقع سياسية أخرى”.
تقول مصادر مطّلعة على كواليس العلاقة الإشكالية بين الرئاسة الأولى والمرجعيّات المسيحية الكبرى: “لا يتصرّف الرئيس عون على قاعدة أنّ هناك “جَميلاً” لسمير جعجع عليه بتأييد وصوله إلى رئاسة الجمهورية. وكواليس الأيّام والساعات الأخيرة الفاصلة عن موعد الانتخاب في 9 كانون الثاني الماضي تقول الكثير، لا سيّما أنّ هناك تطوّرات هائلة عصفت بالمنطقة غلّبت خياراً رئاسيّاً على آخر، ولا مِنّة أو دور لجعجع فيها. أمّا لناحية النائب باسيل فخصومته تجاه حالة “جوزف عون” معروفة قبل انتخابه، وحاليّاً ينتهج سياسة مهادنة تحت عنوان المعارضة الإيجابية البنّاءة. لكنّ حسابات انطلاقة العهد لن تكون بالتأكيد كما هي في نصف الولاية أو آخرها، وسنكون بالتأكيد أمام نسخة مُحدّثة من جبران باسيل الذي يُحاذر في هذه المرحلة توجيه انتقادات لرئيس الجمهورية، لكنّ فريقه الحزبي يعمل على عدّة ملفّات، منها ملفّ النازحين، ستُشكّل إحراجاً للسلطة برمّتها”.
المشهد المسيحيّ
فيما أبدت بعض دوائر رئاسة الجمهورية اهتماماً بقراءة أرقام الانتخابات البلدية في البلديّات الكبرى، ذات الرمزية السياسية والحزبية، تبدو جليّةً أزمةُ “التيّار الوطني الحرّ” و”القوّات اللبنانية” لجهة إثبات الحضور السياسي ومقارعته مع “وهج” العهد، وصولاً لاستثماره في الانتخابات النيابية، وهنا معطيات يجدر التوقّف عندها:
– لا يمكن لـ”القوّات” تصوير نتائج انتخابات مدينة بشرّي، معقلها الأوّل والأساس، بأنّها تُشكّل نصراً نظيفاً في بقعة يفترض، بحكم كلّ التقدّم الذي أحرزته في السنوات الماضية، أنّها موالية بأكثريّتها الساحقة لـ”الحكيم” و”الستّ”. فنحو 44% من أهالي بشرّي صوّتوا للّائحة المدعومة من وليم طوق، بمواجهة لائحة “القوّات”، وهذا ليس تفصيلاً.
أمّا المفارقة الكبرى فتكمن في استقبال رئيس الجمهورية في قصر بعبدا أمس وليم طوق، الخارج من معركة معبّرة جدّاً بأرقامها، وأشارت الرئاسة الأولى إلى تناول الاجتماع انتخابات الشمال، وبشرّي تحديداً. وبالتأكيد، سترافق “القوّات” من الآن وصاعداً “تهمة” التحالف مع “الحزب القومي السوري الاجتماعي” في الكورة، ومع جبران باسيل في مدينة البترون، وهي التهمة نفسها التي تلاحق أحزاباً أخرى.
لكنّ “القوّات” تسعى إلى المعركة الكبرى في اتّحاد رئاسات البلديّات في الأقضية المسيحية، التي ستكون مقدّمة لإدارتها المعارك النيابية “المصيرية” الصيف المقبل.
خسر بالأرقام وربح بالسّياسة
– “التيّار الوطني الحرّ” الذي دخل سلّة توافقات وتزكيات في جبل لبنان والشمال، منها مسقط رأسه مدينة البترون، كسب معركة خاسرة بالأرقام ورابحة بالسياسة في عرين الموارنة جونية، مع تأكيد حصوله وحده مع جوان حبيش على نسبة 37% من الأصوات في مواجهة المحدلة الخماسية.
أثبت “التيار” أيضاً حضوره في العديد من بلدات الأقضية المسيحية، وحقّق أرقاماً لا تتناسب مع “دعاية” انتهاء دوره السياسي، ولو أنّ لمعركة المخاتير الخمسة في حارة حريك، التي كسبها النائب آلان عون من دون أيّ خرق، دلالاتها في ما يخصّ تأثير النوّاب المتمرّدين على أداء باسيل في الاستحقاقات المقبلة. والأمر نفسه ينطبق على النائب إبراهيم كنعان في المتن.
– أثبت “تيّار المردة”، أنّه كتلة حاسمة ومقرّرة في الشمال. وعلى الرغم من انقلاب موازين القوى إقليميّاً الذي فَرَز القوى السياسية، عموماً، بين خاسرة ورابحة، كرّس فرنجيّة الأب ونجله طوني حضور “المردة” بما هو قوّة يصعب تجاوزها شمالاً. ولا يمكن في هذا السياق إخفاء معالم الخسارة الموجعة للنائب ميشال معوّض في قضاء زغرتا، وفي المدينة حيث نال بدعماً من “القوّات”، بعد حصد اللائحة المدعومة من فرنجيّة في مدينة زغرتا المقاعد الـ21 كاملة، بفارق كبير بين آخر الناجحين وأوّل الخاسرين. ومنذ الآن، يمكن الحسم أنّ رئاسة اتّحاد بلديّات زغرتا بيد “المردة”.
– لوحظ في الآونة الأخيرة اهتمام جهات دبلوماسية خليجية بمعرفة الأحجام الحقيقية، بالأرقام، لبعض الشخصيّات المسيحية الأساسية، وتأثير الاستحقاق البلدي على الانتخابات النيابية المقبلة، مع تسجيل اهتمام بمعرفة مدى انتعاش حظوظ باسيل في السياسة بعد نكسة خروجه من السلطة.