استعادة الودائع... أربع لاءات للحاكم
من الصعب إقناع صندوق النقد الدولي بأن الدولة قادرة على سدّ هذه الفجوة من وارداتها
أنطوان فرح - "نداء الوطن"
لا تزال أزمة الودائع عالقة في المربع نفسه: هناك حوالى 85 مليار دولار مسجّلة في قيود المصارف كودائع، لا يتوفّر منها فعلياً سوى ما يقارب 18 إلى 20 مليار دولار على الأكثر. ولا تزال المعضلة محصورة في كيفية تأمين الأموال الناقصة. وبصرف النظر عن توزيع المسؤوليات بين الدولة ومصرفها المركزي والمصارف التجارية، هناك ما يشبه الاستحالة في توفير 65 مليار دولار، لسدّ الفجوة.
هذه المعضلة يدرك شيفرتها حاكم مصرف لبنان، وهذا ما يفسّر ما قاله أمام وفد من المودعين في بيان مكتوب يوحي بأنه موافق عليه، بل ساهم في كتابته، وفيه يعلن كريم سعيد أربع لاءات هي:
1- لا لغضّ النظر عن أموالٍ للمودعين هُدرت بعد الانهيار بواسطة تسديد ديون بغير قيمتها الحقيقية.
2- لا لشطب ديون المصارف لدى مصرف لبنان.
3 - لا لإعفاء الدولة من مسؤولية تسديد خسائر مصرفها المركزي وفقاً للمادة 113 من قانون النقد والتسليف.
4 - لا لاستثناء الذهب أو أصول الدولة من "الاستثمار"، في خطة التعافي المنتظرة.
هذه اللاءات الأربع، سوف تُضاف إليها عملية غربلة الودائع، بين ودائع مشبوهة، (تهرّب ضريبي، سرقة، تبييض...) ودائع حقق أصحابها أرباحاً طائلة في عمليات منصة صيرفة، ودائع حقق أصحابها أرباحاً في الفوائد المرتفعة على الليرة وعمدوا إلى تحويلها إلى الدولار بعد الانهيار...كل هذه المعايير يمكن أن تخفّض حجم الودائع المطلوب تسديدها إلى 45 أو 50 مليار دولار. وإذا أخذنا في الاعتبار أن هناك حوالى 20 ملياراً متوفرة، سيصبح حجم الفجوة بين 25 و30 مليار دولار.
ورغم ذلك، سيكون من الصعب إقناع صندوق النقد الدولي بأن الدولة قادرة على سدّ هذه الفجوة من وارداتها، ذلك أن تجارب الصندوق مع دول أخرى تجعله مقتنعاً بأن حجم الاقتصاد اللبناني لا يسمح بذلك. وعلى سبيل المثال، فإن تجربة الصندوق في الأرجنتين، وهي من التجارب الأطول والأكبر والمستمرة، تشير إلى أن الدول لا تستطيع ان تقتطع أكثر من 2 % من حجم ناتجها المحلي لتسديد ديون. وهذا ما يحصل مع الأرجنتين التي يبلغ حجم ناتجها المحلي (GDP) حوالى 633 مليار دولار، ولا تستطيع أن تدفع سنوياً أكثر من 3 إلى 4 مليارات دولار لتسديد فوائد الديون، أو جزء من أصل الدين، أي حوالى 0.6 % فقط من حجم الناتج. وإذا طبقنا هذه النسبة على لبنان، ستكون الدولة قادرة، بنظر صندوق النقد، على دفع حوالى 200 مليون دولار سنوياً، على اعتبار أن حجم الناتج وصل إلى 35 مليار دولار. وإذا رفعنا الرقم إلى نسبة 2 %، سيصبح مجموع ما تستطيع الدولة دفعه هو 700 مليون دولار. وهذا الرقم بالكاد يكون كافياً لدفع ديون اليوروبوندز بعد الاتفاق على إعادة الهيكلة.
انطلاقاً من هذا الواقع تبرز الحاجة إلى قوانين استثنائية. إذ إن حجم الهدر الذي حصل بعد الانهيار، حين أصبحت الدولة مع مصرفها المركزي مسؤولة وحدها عن التطورات، وصل إلى حوالى 35 مليار دولار، بين قروض سُدّدت بغير قيمتها الحقيقية ودعمٍ غير مُراقب، وصيرفة فوضوية أدّت إلى ثراء البعض على حساب المودعين. ويبدو أن الحاكم يريد أن يستعيد هذه الأموال بالذات، أو القسم الأكبر منها، ليصبح في الإمكان إعادة الودائع، أو القسم الأكبر منها إلى أصحابها.