أورتاغس في بيروت: السلاح والسلام أولاً
استياء واشنطن و”تردّد لبنان”... المعادلات تتغير بشكل متسارع
جوزفين ديب- واشنطن
في زيارة الموفدة الأميركية مورغن أورتاغس السابقة لبيروت، كانت الرسالة الأميركية واضحة وكان التفاهم في لقاءاتها الرسمية على تطبيقها واضحاً بالشكل على الأقلّ.
تعود أورتاغس إلى بيروت نهاية هذا الأسبوع، ومعها هذه المرّة “باكدج ديل” تقدّمه للبنان، بنده الأوّل السلاح وتطبيق حصريّته بيد الدولة اللبنانية. فواشنطن اليوم غير راضية، وتعبّر بشكل كبير عن استيائها من أداء السلطة في لبنان، ليس فقط رئيس الجمهورية، بل رئيس الحكومة أيضاً والمجلس النيابي. فماذا في تفاصيل أروقة واشنطن عن خريطة الحلّ في لبنان وفق المعادلة التي تضعها الإدارة الأميركية؟
أعلنت واشنطن أنها تسعى إلى تعطيل نشاط الحزب المالي في الأرجنتين والبرازيل وباراغواي متحدثة عن تخصيص مكافأة 10 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن شبكات الحزب المالية في أميركا الجنوبية.
وفي ملف السياسة الخارجية، أكّد البيت الأبيض أنّ أحد أهداف زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط هو طمأنة الشركاء الخليجيين بأنّ الولايات المتحدة تقف إلى جانبهم، مشيرًا إلى أنّ الرئيس الأميركي يأمل أن “يصبح لبنان أكثر أمنًا، خاصة بعد ما جرى مع الحزب وأذرع إيران في المنطقة”.
هذا الكلام العلني والرسمي الصادر عن دوائر القرار في واشنطن هو عالي السقف تماما كما الكلام في الأروقة. ففي التفاصيل ان هذا التصعيد الاميركي يعكس قرارا نهائياً بـ”القضاء على الجناح العسكري لحزب الله”، وهذا التصعيد ما ستشهده الساحة اللبنانية الأسبوع المقبل.
استياء واشنطن و”تردّد لبنان”
في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، عبرت المصادر الدبلوماسية المعنية بالملف اللبناني في واشنطن، عن ترحيبها بكلام رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي تحدث عن السلام وضرورة عدم استثناء اي بلد نفسه منه. ووجدت في الكلام كلاما متقدما، لا سيما بعد تصريح المبعوثة الاميركية عن وجوب التحاق لبنان بسوريا وقرارات الرئيس احمد الشرع.
غير أن الكلام عن السلام العادل والشامل الذي ينص على حل الدولتين، ليس كلاما مرحبا فيه في واشنطن لأنه يربط المنطقة بمقررات قمة بيروت العربية والمبادرة العربية للسلام التي أطلقت عام ٢٠٠٢. وهذا الكلام يشبه كلام الرئيس السابق ميشال عون، والنائب جبران باسيل، غير ان الاخير قاله منذ عشر سنوات. وبالتالي فان واشنطن تنتظر من لبنان اليوم الالتحاق بسوريا، وهذا ما اشارت اليه اورتاغس في مقابلتها الأخيرة، حين قالت إن على لبنان ان يتمثل بالرئيس السوري احمد الشرع.
أما السلاح، فهو الأزمة الأكبر التي تراها واشنطن في المواقف الرسمية، ليس فقط لرئيس الجمهورية بل لرئيس الحكومة نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
لأن موقفهم الموحد هذا لا يتماشى مع حسابات الإدارة الأميركية، التي تعبر عن توقعاتها المرتفعة في اداء افضل والخروج من “التصريحات الفضفاضة إلى خطة عمل ملموسة لتطبيق الشعارات”.
اليوم ترى واشنطن أن المعادلات تتغير بشكل متسارع في المنطقة، وعلى لبنان الالتحاق بها إذا أراد قيام الدولة وإعادة إعمار البلد. وبالتالي تبدو حسابات الداخل مختلفة عن حسابات الخارج، وحسابات واشنطن أصبحت مرتبطة بحسابات المنطقة الذاهبة إلى تحولات كبيرة، “وعلى رئيس الجمهورية ان يبدي جدية وحسم اكبر في تعامله مع هذه المتغيرات ومع قيادته للبلد لحصر السلاح اولا وبناء الدولة”.
انسحاب إسرائيل مرهون بحصر السّلاح
ليست المرّة الأولى التي يقول فيها رئيس الجمهورية إنّ على إسرائيل تطبيق القرار 1701 كاملاً أوّلاً، ثمّ يُحلّ السلاح بالحوار. غير أنّ هذا الكلام لم يعد مقبولاً في واشنطن. ففترة السماح التي أُعطيت للرئاسة الأولى تحديداً انتهت. ووفق المصادر الدبلوماسية الأميركية، يرتبط الانسحاب الإسرائيلي ووقف الغارات بأداء السلطة اللبنانية ونجاحها في حصر السلاح. وما دامت السلطة تبدو عاجزة عن تحقيق ذلك، لن توقف إسرائيل غاراتها.
في اللهجة اللبنانية، يمكن وصف الكباش الحاصل بين واشنطن وبيروت بـ”البيضة أوّلاً أو الدجاجة”. وعليه ستتوجّه أورتاغس إلى بيروت بعد زيارتها إسرائيل لتطرح على المسؤولين اللبنانيين معادلة إدارتها، بالإضافة إلى تأكيدها أنّ “لبنان يفترض أن يلتحق بالشرع”، أي أن يلتحق بمشروع السلام من دون أن يكون ذلك مرتبطاً بشروط قيام دولة فلسطين.
إعداد سلّة متكاملة
في هذه الأثناء، يعدّ الفريق الدبلوماسي الخاصّ بلبنان رزمةً من المشاريع تتضمّن:
معالجة قضيّة اللاجئين السوريين على أن يعودوا إلى سوريا.
معالجة أوضاع المخيّمات الفلسطينية على أن تسوّى أوضاع الفلسطينيين وحياتهم داخل المخيّمات وخارجها مع حصر سلاح الفصائل الفلسطينية كافّة والتعاون مع منظّمة التحرير.
تثبيت الحدود البرّية ومعالجة النقاط العالقة بين الخطّ الأزرق والحدود الدولية. وفي هذا الملفّ تقول المصادر الدبلوماسية إنّ الاتّفاق ليس بالصعب وقد تمّ إنجاز جزء كبير من العمل.
حصر السلاح بيد الدولة على مستوى “الحزب” بشكل كامل وإعلانه حزباً سياسيّاً وحظر أيّ نشاط عسكري خارج إطار الدولة، بالإضافة إلى سحب السلاح الفلسطيني من المخيّمات. وفي هذا الإطار قد تحمل زيارة الرئيس محمود عباس لبيروت خطّة عمل واضحة.
إعادة الإعمار، وفي هذا البند أيضاً خطّة متكاملة لإعادة إعمار لبنان لكن بشروط واضحة تضمّ تنفيذ كلّ ما سبق.
الالتحاق بموقف سوريا من إسرائيل ودخول قطار “السلام في المنطقة”.
تحمل أورتاغس هذه السلّة معها إلى لبنان، وهي شبيهة بعرض يُقدّم للمسؤولين، تقول المصادر الدبلوماسية إنّ تنفيذه لا يحتمل المماطلة، لأنّ “ما سيقوم به لبنان سيتحمّل مسؤوليّة تبعاته لاحقاً. ولا خيارات أمامه سوى هذا المسار”.