تصفية «الأونروا» إسقاط لحقّ العودة!
الوكالة هي الشاهد السياسي الوحيد على حقوق اللاجئين الفلسطينيين
فاتن الحاج - الاخبار
لا أجندة واضحة لزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت اليوم. لم يكن معروفاً، عشية الزيارة، ما إذا كان عباس سيكتفي باللقاءات الرسمية مع المسؤولين اللبنانيين أم سيجتمع بممثّلي الفصائل والمؤسّسات والجمعيات داخل المجتمع الفلسطيني مثل هيئة الدعم المشتركة التي تضم فصائل منظّمة التحرير وتحالف القوى الفلسطينية، للوقوف على أحوال الناس هنا وأولوياتهم وتطلّعاتهم.
وإذا كان العنوان الوحيد المسرّب هو «التباحث في ملف السلاح داخل المخيمات ووضع آلية ضبطه بيد القوى الشرعية الفلسطينية والتنسيق مع القوى الأمنية اللبنانية»، فإن ما ينتظره هؤلاء، بعد 77 عاماً على النكبة، هو إدراج كل الملفات الحياتية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية على جدول أعمال الزيارة، ولا سيما وسط التقليص الممنهج والتدريجي للخدمات الأساسية التعليمية والصحّية والإغاثية التي تقدّمها وكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى الحد الأدنى، وصولاً إلى شبح انسحابها التام من المشهد الفلسطيني، ونقل خدماتها إلى مؤسّسات دولية وفلسطينية محلّية أخرى، مثل «اليونيسف» والهلال الأحمر الفلسطيني وغيرهما من المؤسّسات والجمعيات.
بالنسبة إلى القوى الفلسطينية، فإن معالجة الملف الفلسطيني برمّته في صورة جدّية ومسؤولة هي ملحّة أكثر من أي وقت مضى، إذ إن القضية الفلسطينية ليست أمنية فحسب، والحديث المتكرّر عن الواجبات والعيش تحت سقف الدولة اللبنانية، لم يقابله بعد أي كلام عن الحقوق التي تأخّرت كثيراً.
الفلسطينيون يترقّبون بصورة أساسية تطمينات لجهة استمرارية عمل وكالة «الأونروا» التي تُعد بالنسبة إليهم، شبكة أمان أساسية، تمنع تفجّر أزمات إنسانية غير مسبوقة قد تعقّد أي «مفاوضات سلام» محتملة. وبشأن التخوف من انهيار عمل الوكالة، اكد المتحدث باسمها في لبنان، فادي الطيار، ان الوكالة «تواصل تقديم خدماتها الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية وخدمات الإغاثة، وخدمات أساسية في المخيمات مثل إدارة النفايات. وتُعدّ هذه الخدمات شريان حياة حيوي للاجئي فلسطين، لا سيما في المخيمات وفي ظل عدم وجود اي مقدم خدمات آخر».
وقال ان «الوكالة تلتزم التزامًا تاما بمواصلة تقديم هذه الخدمات، وتتواصل باستمرار مع الجهات المانحة لتأمين الموارد».
اما في ما يتعلق بالمساعدات النقدية، اوضح أن « أونروا شهدت، كغيرها من وكالات الأمم المتحدة في لبنان ، انخفاضًا في توفر التمويل، لكنها تمكنت من تأمين الدعم لمساعدات غذائية. ومع ذلك تبقى المساعدات النقدية الشكل الأكثر فعاليةً وكرامةً للمساعدات، وتواصل الوكالة مع شركائها مناصرة هذا التدخل المهم».
لكن مشكلة الوكالة أن لا ميزانية ثابتة لها، وهي تعتمد على تمويل الجهات الدولية المانحة ومزاجية سياساتها وقراراتها. ووفق ناشطين، فإن الوكالة تخضغ للابتزاز والضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية (ولا سيما ألمانيا) التي تتحكّم بقرارها كما حصل في الأردن وسوريا وغزة ولبنان، فخلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مثلاً، قلّصت الولايات المتحدة التمويل إلى حدود 33%، في حين ضاعفت دول مثل السويد والنروج مساهمتها في الفترة السابقة، ودخلت على خط التمويل دول جديدة لم تكن تساهم في ميزانية الوكالة من قبل مثل الصين والهند.
ومن مؤشرات تأثير التقليص على التعليم في لبنان مثلاً تراجع المستويات التعليمية بعد دمج الصفوف التي أصبحت تتّسع لـ 55 طالباً، وتراجع عدد المدارس من 60 مدرسة إلى 40، ووقف التوظيف وتحويل المعلمين من موظفين ثابتين لديهم استقرار وأمن وظيفي إلى مياومين على حساب المشاريع التربوية. وربطاً بالتمويل، تجري مراجعة كاملة لجميع الكتب المدرسية الخاصة بالوكالة في جميع المراحل التعليمية وفي كل أقاليم عملياتها، ومن ضمنها لبنان، من أجل «حظر أي خطاب كراهية أو تحريض على العنف و/أو إشارات معادية للساميّة من الكتب المدرسية في البلد المضيف والملاحق المُنتجة محلياً في مدارس الأونروا».
من هنا، يبدو الفلسطينيون مقتنعين بأن التقليص أو «تعليق التمويل» كما حدث في عام 2024 لا يتجاوز كونه ورقة ضغط دولية لإرسال رسائل سياسية إلى إسرائيل أو الفصائل الفلسطينية.
ويذهب ناشطون فلسطينيون أكثر للقول إن «إصرارنا على بقاء الوكالة ليس مرتبطاً بخوفنا من أن لا يطعمونا أو يطبّبونا، إنما لكونها المؤسّسة الدولية الوحيدة المُنشأة لشعب معين، والشاهد على الرواية الفلسطينية والحفاظ على حقوق اللاجئين كطرف مركزي في الصراع»، إذ تقوم «الأونروا» بدور سياسي غير مباشر رغم أن تفويضها الرسمي يُصنَّف كـ«إنساني» بحسب قرار تأسيسها الرقم 302 الصادر في 8 كانون الأول 1949.
وهي «رمز مؤسّساتي دولي يقر بشرعية قضيّتنا، خصوصاً أنها تُعرّف اللّاجئ بأنه كل من نزح عام 1948 وأحفاده، ما يضمن استمرار الاعتراف الدولي بحقوقنا عبر الأجيال.
كذلك تمنع تحويل القضية إلى ملف إنساني صرف منفصل عن الجذور السّياسية للنزاع، إذ ثمّة خشية من استخدام هذا التحوّل إلى تجريد الفلسطينيين من حق العودة كجزء من تسوية سياسية تلوح في أفق المنطقة حالياً». ويرى هؤلاء أنْ «لا اختلاف على أن وجود الوكالة مرتبط بصورة وثيقة بوجود القضية، فهي ليست مجرد هيئة إغاثة، بل أداة سياسية وقانونية تحمي الفلسطينيين، وبالتالي فإن تصفيتها من دون حل سياسي ستغيّر خريطة التوازنات السياسية في الشرق الأوسط، وستُعتبر خرقاً للشرعية الدولية (القرار 194 الخاص بحق العودة)، ما يُضعف أي ثقة بالأمم المتحدة».