انضمام لبنان إلى بروتوكول مدريد خطوة استراتيجية لكنه قابع في ثلاجة اللجان!
إقرار القانون حاجة ملحة في ظل التطور التكنولوجي
مازن مجوز - "نداء الوطن"
حالت الاعتبارات السياسية، والتباطؤ في تحديث البنية القانونية والإدارية، دون انضمام لبنان إلى" بروتوكول مدريد" لحماية الملكية الفكرية، ويتضمن حماية لكل إنتاجات العقل البشري.
وبات إقرار القانون، حاجة ملحة في ظل التطور التكنولوجي، حيث ازداد الاهتمام بحماية الملكية الفكرية وملكية المؤلفين، نظراً لما توفره التكنولوجيا من أساليب قد تشكل تهديداً لهذه الحقوق، مثل القرصنة الإلكترونية، وقد أوجدت البيئة الرقمية إشكاليات جديدة في التعامل مع التجاوزات، ما يتطلب مواكبة التشريعات لهذه التغيرات.
ويعاني نظام حماية الملكية الفكرية في لبنان، من مجموعة ثغرات تحدّ من فعاليته في مواكبة المعايير الدولية، لا سيما في مجال العلامات التجارية، رغم وجود قوانين تنظّم هذا المجال، إلا أنها تعود إلى عقود مضت ولم تشهد التحديث اللازم لمجاراة التوسع الرقمي والعولمة الاقتصادية.
"بروتوكول مدريد"
ولا تزال حماية الحقوق الملكية الفكرية في لبنان حتى اليوم ناقصة، إذْ يُعد مشروع الانضمام إلى بروتوكول مدريد خطوة استراتيجية طال انتظارها، وقد مرّ بمراحل متعددة من الدراسة داخل اللجان الوزارية والنيابية.
ويرى مدير مكتب حماية الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد والتجارة د. وسام العميل أن بروتوكول مدريد، "مهم جداً، لأنه يعد إحدى أدوات التسجيل الدولية التي تسمح لكل مواطن لبناني أو شركة لبنانية أياً كان حجمها، ولا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، بتسجيل العلامات التجارية، أو ما يعرف بعلامات الصناعة والتجارة والخدمة، في عدد كبير من الدول بناء على تقديم طلب واحد، بشروط شكلية موحدة، ولغة موحدة وبتكاليف أقل".
ويتابع العميل، أنَّ التوقيع على هذا البروتوكول يساعد في تعزيز بيئة الأعمال، ويضيف: "على الرغم من التعديلات المتعددة التي شهدها قانون حقوق الملكية الصادر عام 1999، إلا أننا أدخلنا على هذا القانون تعديلات جديدة تواكب تطور التكنولوجيا المتسارع على مستوى العالم"، لافتاً إلى "أننا لا نزال ننتظر إقراره من قبل اللجان النيابية من أجل الإجازة للحكومة الانضمام إلى هذه المعاهدة".
أصحاب العلامات التجارية
وترى وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية أن حقوق الملكية الفكرية كغيرها من حقوق الملكية " فهي تسمح للمبدع أو مالك البراءة أو العلامة التجارية أو حق المؤلف بالاستفادة من مصنفه أو استثماره. وترد هذه الحقوق في المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على الحق في الاستفادة من حماية المصالح المعنوية والمادية الناجمة عن نسبة النتاج العلمي أو الأدبي أو الفني إلى مؤلفه.
ويؤكد العميل، وهو استاذ محاضر في الجامعات اللبنانية أن الانضمام إلى بروتوكول مدريد يساعد كل أصحاب العلامات الذين يرغبون، ويجب أن يسجلوا علاماتهم في بعض الدول، ويشرح: "هنا الأمثلة كثيرة مثل المطاعم في لبنان التي أصبحت تسجّل في دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، لأنها تنشئ "فرانشايز" ( عقد حق الامتياز ) في هذه الدول في قطاع الصناعات الغذائية وغيره من القطاعات".
ووفق العميل، فإنّ مكتب الملكية الفكرية هو أحد المكاتب المتخصصة، وقد وصل مدخوله إلى 10 ملايين دولار من الرسوم التي تتقاضاها الدولة على تسجيل مختلف حقوق الملكية الفكرية، مشدداً على أنه وبعد الانضمام إلى هذا البروتوكول وغيره من الاتفاقيات الدولية للملكية الفكرية، ستزداد هذه المداخيل للدولة حكماً.
تعقيدات الحماية
أما الأكاديمي والخبير الاقتصادي بيار الخوري فيرى أن ضعف التنسيق بين الجهات المعنية، والبطء في الإجراءات، وغياب نظام إلكتروني فعّال للتسجيل والمتابعة، كلها عوامل تقلل من ثقة المستثمرين وتعقّد حماية العلامات التجارية اللبنانية خارج الحدود، عازياً التأخير في الانضمام إلى البروتوكول إلى الاعتبارات السياسية، والتباطؤ في تحديث البنية القانونية والإدارية، وتردد من بعض الجهات المحلية التي تخشى من ضغوط تنافسية على العلامات الوطنية الضعيفة، وهذه عوامل لا تزال تشكل عائقاً أمام إقراره النهائي.
ويتوقف الخوري عند جملة من الفوائد الاقتصادية لانضمام لبنان إلى هذا البروتوكول، قد تكون حاسمة، ويوضح أن هذا الانضمام "يمنح الشركات اللبنانية وسيلة فعالة لحماية علاماتها التجارية في أكثر من 120 دولة من خلال إجراء واحد ومركزي، ما يعزز من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، كما يسهم في تشجيع الاستثمارات الأجنبية التي ترى في حماية الملكية الفكرية شرطاً أساسياً لضخ الأموال والتوسع في السوق اللبناني".
أضاف: "أما على الصعيد المالي، فيمكن أن يحقق النظام الموحد إيرادات إضافية للدولة من خلال رسوم التسجيل، ويخفض التكاليف القانونية على الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تستطيع تحمّل تكاليف تسجيل دولي منفصل في كل بلد".
ويرى أن "تجارب دول مثل الأردن والمغرب تؤكد هذه المكاسب، حيث أدى الانضمام إلى البروتوكول إلى زيادة عدد العلامات التجارية المسجلة دولياً، وتحفيز الابتكار المحلي". ولتسريع هذه الخطوة، يؤكد الخوري أنه "من الضروري تحديث البنية التحتية للمديرية العامة للاقتصاد والتجارة، ورفع الوعي القانوني لدى رواد الأعمال، وضمان توافق القانون المحلي مع الالتزامات الدولية بطريقة تراعي الواقع اللبناني وتحدياته".
ربما هذا يقودنا إلى أن نتذكر ما قاله القاضي الدكتور غسان رباح في كتابه قانون حماية الملكية الفكرية والفنية الجديد الصادر عام 2003 أن "من تُسرق نقوده أو موجوداته فقد فَقَدَ بعض الشيء، أما من تُسرق أفكاره فقد فقدَ كل شيء"، معتبراً أنّ فكر الإنسان هبة من خالقه. وما يبتكره من إبداع رفيع الشأن يجسّد المكانة السامية لعبقرية البشر، التي لا تستطيع أية أمة متحضرة أن تتجاهلها".
في الختام، يمكن القول إنَّ تطوير البيئة بشكل عام يبدأ من مكتب الملكية الفكرية، كما يبدأ عندما تبدأ الحكومة الاهتمام بمكتب الملكية الفكرية فتعززه من ناحية الهيكلية الإدارية العصرية، ومن ناحية الموظفين، فهو يعاني من نقص كبير في أعداد الموظفين، ومن بينهم فاحصو العلامات التجارية وبراءات الاختراع، وبخاصة عندما ننتقل إلى مستوى الاتفاقيات أو أنظمة التسجيل الدولية، فهل هذا يحتاج أيضاً إلى إقرار من اللجان النيابية؟