الراي- منذ لحظة الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي، يكتشف الزائر أن لبنان آخَر يُقْلِع من جديد. فورشة معاودة تأهيل محيط المطار والطرق منه وإليه انطلقتْ بحيويةٍ فيها الكثير من الدينامية السياسية المتوهّجة التي ترافقتْ مع انتخابِ العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل الحكومة برئاسة نواف سلام.
... اسفلت، ومسارات، وحاضنات ورود، وإنارة، ورصْف شوارع من المطار إلى «الإسكوا» في وسط بيروت، وكأن الطريق إلى لبنان الجديد صارت آمنة وسالكة، رغم المصاعب والأفخاخ وتحدياتٍ ترقى إلى مستوى الولادة القيصرية بعد مخاضٍ هستيري من الحروب والأزمات والانهيارات.
ولم يكن عابراً في لحظة العبور بلبنان إلى حضن العرب وضمان عودة العرب إليه، قيام وفد إماراتي برئاسة مساعد وزير شؤون مجلس الوزراء للتنافسية والتبادل المعرفي عبدالله ناصر لوتاه، بجولةٍ في مطار بيروت بعد جولة مماثلة في المرفأ، في وقت التقى سلام في أبوظبي، رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
هذه النقلة في استرداد الثقة بين لبنان وعالمه العربي تتزامن مع توقعات بصيف واعد، مع أنظار مُصلتة على إجازة عيد الأضحى، وسط تقارير عن حركةِ استعدادٍ نشطة في مدنِ وقرى الاصطياف ومضيّ بيروت في نَفْضِ الترهّل عن جبينها، وهي التي كانت في الساعات الماضية على موعدٍ مع حدَثٍ جميلٍ تمثّل في معاودة افتتاح فندق السان جورج، حاضن أرشيف أيام العزّ اللبنانية.
هذا النصف الملآن من الكأس اللبناني لم يَحجب التحدياتِ القاسيةَ التي تواجه البلادَ على الطريق إلى التعافي من بوابتيْ الإصلاح والسيادة، وهي الورشة التي يتصدّرها «جَمْعُ السلاح بيد الدولة وبسْط سلطتها على كامل أراضيها»، أي مصير سلاح «حزب الله» وأي سلاحٍ خارج الشرعية، كما هو الحال بالنسبة إلى السلاح الفلسطيني داخل المخيمات.
وبدا أنه في اللحظة التي سلك ملف سلاح المخيمات الفلسطينية مسارَه نحو التنفيذ بدءاً من منتصف يونيو، تصاعدت وتيرة المواجهة السياسية حيال مصير سلاح الحزب في ضوء مواقف حازمة لسلام من حتمية إنهاء «ثنائية السلاح» ومعاودة قادة من الحزب التأكيد على التمسك بما يًعرف بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة».
ولم تكن عاديةً الحملاتُ التي شنّها الحزب والقريبين منه على رئيس الحكومة الذي يُبدي إصراراً على تَلازُم الاصلاح والسيادة لإنقاذ لبنان، في وقت يتعمّد الحزب في ما يشبه المناورة الإشادة بحِكمة عون الذي يُعْلي الحوار وصولاً الى تمكين الدولة وحدها من احتكار السلاح.
ومن غير المستبعَد ارتفاع وتيرة الحماوة السياسية حيال استحقاق بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها مع الاستعجال الدولي والإقليمي لطيّ هذا الملف مع دوران «الساعة الرملية» بما يشي عداً تنازلياً لفتره السماح الممنوحة لبيروت.
«العصا والجزرة»
وفي السياق، كشفت تقارير إعلامية عن أن الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس الموجودة في المنطقة تخطّط لزيارة عملٍ لبيروت ومعها «العصا والجزرة»، وهي التي كانت نبّهتْ من أن عدم وفاء لبنان بالتزاماته قد يعرّضه للحرب من جديد.
وكان سلام قال أمام القمة الإعلامية في دبي، «إن مشروعنا يقوم على تَلازُم الإصلاح والسيادة التي تستوجب حصرية السلاح، أي أن نتحرّر من ثنائية السلاح التي كانت تؤدي الى ثنائية القرار وضياع مشروع الدولة الوطنية (...) نريد لبنان الذي يملك قراره في السلم والحرب، لبنان متجذراً في هويته وانتمائه العربيين».
وقوبلتْ مواقف سلام الذي كان أعلن قبْلَها «انتهى عصر تصدير الثورة الإيرانية»، بردود عنيفة بينها من المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي توجّه إلى سلام قائلاً «أنت رئيس حكومة لبنان بفضل دعم الثورة الإيرانية للمقاوَمة التي حرّرت لبنان».
وإذ كرّر سلام أمام الجالية اللبنانية في الإمارات «اننا نعمل لتثبيت الأمن وعنوانه استعادة سيادة الدولة وبسط سيادتها على كل الأراضي اللبنانية (...) وحصر السلاح في يد الدولة واسترجاعها قرار الحرب والسلم والذي يعطل هذه المسيرة هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للنقاط في الجنوب»، ردّ وزير الخارجية يوسف رجي على كلام الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم حول معادلة «جيش وشعب ومقاومة»، قائلاً «يستطيع أن يقول ما يشاء إنما الشعب اللبناني لم يعد يريد هذه الثلاثية الخشبية، انتهى».
وأكد لصحيفة «القدس العربي» أن «الدولة اللبنانية لا تفاوض على سيادتها» واصفاً الحزب بـ «التنظيم المسلّح الخارج عن القانون وهو ليس شرعياً»، ومتوجّهاً إليه «سلِّم سلاحك وشكّل مع مناصريك حزباً سياسياً عادياً مع العقيدة التي تريدون».
نتنياهو
في موازاة ذلك، برز كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن حرب لبنان وتحديداً إعلانه «اننا أحبطنا خطر تهديد اقتحام حزب الله لبلدات شمال إسرائيل، وقمنا بتركيع الحزب وأوْجَدْنا واقعاً جديداً في لبنان لم يحدث منذ 50 عاماً».
وأضاف «عندما قتلْنا (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصرالله وقيادات الحزب لم يصل أي إمداد إلى سورية وانهار نظام الأسد».
«اليونيفيل»
وترافق ذلك مع كشْف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على منصة «إكس» عن اغتيال قائد مجمع ياطر في الحزب بغارة في جنوب لبنان الثلاثاء، قبل أن تشهد البلدة أمس إشكالاً بين مناصري الحزب من «الأهالي» ودورية من «اليونيفيل» بعد دخولها أحد الأحياء ما اضطر الجيش اللبناني إلى التدخل والعمل على حلّ المشكلة.
وقال الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي إن «مجموعة من الرجال بملابس مدنية أوقفت صباح (أمس) الأربعاء جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل في بلدة ياطر، أثناء قيامهم بدورية مُخطَّط لها بالتنسيق مع الجيش اللبناني».
وتابع «كان الوضع هادئاً، وتمكّن جنود حفظ السلام من مواصلة طريقهم بعد نحو 30 دقيقة. وخلافاً لبعض التقارير الإعلامية، لم يُشهر جنود حفظ السلام أسلحتهم».
وأكد أن «أي تدخّل في أنشطة جنود حفظ السلام أمرٌ غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان بموجب القرار 1701».
وكان أُعلن الثلاثاء عن مقتل نبيل بلاغي في ياطر، وقد نعتْه صفحات قريبة من «حزب الله».