أطفال ومعوّقون مهدّدون بالمرض والموت: لا مفرّ من الدعم

أطفال ومعوّقون مهدّدون بالمرض والموت: لا مفرّ من الدعم

image

أطفال ومعوّقون مهدّدون بالمرض والموت: لا مفرّ من الدعم
ترك اللاجئين السوريين بلا تغطية صحية سيفاقم حالات المرض والموت

خضر حسان - المدن
تتّجه أحوال اللاجئين السوريين في لبنان نحو الأسوأ، فيما تنحصر ردود الأفعال في دعوتهم للعودة إلى سوريا، بدون إيجاد حلّ جذري وفعّال، ما يفتح المجال أمام انعكاسات سلبية، أخطرها يتعلّق بالجانب الصحّي، وخصوصاً لدى الأطفال والمعوّقين وكبار السنّ، ممّا يزيد خطر الإصابة بالأمراض وارتفاع أعداد الوفيات.

وقف تمويل التغطية الاستشفائية
فُتِحَ ملف تمويل التغطية الاستشفائية منذ سنوات خَلَت. وخضعَ التمويل لتأثيرات كثيرة منها التغييرات السياسية في سوريا والشرق الأوسط والعالم، وضمناً تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية وزيادة الحاجة الدولية لتمويل استيعاب اللاجئين الأوكرانيين إلى أوروبا، ما دفعَ الدول المانحة إلى تكثيف توجيه التمويل إلى هذا الملف وتقليص تمويل ملفات أخرى، منها ملف اللاجئين السوريين.
واستمر تراجع التمويل، ما اضطرّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى "التوقّف التدريجي عن تقديم جميع مساعدات الرعاية الصحية المقدمة للاجئين بحلول نهاية العام 2025"، وفق ما ذكرته المفوّضية في توضيح لـ"المدن".
وبالأمس، تبلَّغَ وزير الصحة العامة ركان ناصر الدين من وفد المفوّضية الذي زاره برئاسة ّممثل المكتب في لبنان إيفو فرايجسن، قرار "وقف التغطية الاستشفائية للنازحين السوريين المقيمين على أرض لبنان ووقف الدعم المقدّم لمختلف مراكز الرعاية الصحية الأولية وذلك ابتداء من تشرين الثاني المقبل". (راجع المدن)
ما تقدم، يعني أنّ اللاجئين السوريين سيتعرّضون لانكشاف أمنهم الصحي بالكامل، ما سيتركهم أمام خيارات صعبة، لأنّ المستشفيات لن تستطيع استقبالهم، إلاّ لإجراء تدخّلات طارئة من ناحية إنسانية.
وتشير مصادر طبية في مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت، إلى أنّ "المستشفيات بدأت منذ فترة بالتماس نتائج تقليص التغطية". وتشرح لـ"المدن" أنّ آلية التغطية تتمّ على الشكل التالي: "يأتي المريض إلى المستشفى ويتوجّه إلى مكتب الأمم المتحدة ليحصل على موافقة بالتغطية، وبموجب نسبة التغطية، قد يدفع المريض الفارق من جيبه الخاص".

حالات صحية خطرة
التغطية الاستشفائية تساهم في حماية اللاجئين، ومع ذلك، كانت الأمراض تنتشر في أماكن تجمّعاتهم، لا سيّما في المخيّمات. وتلفت المصادر النظر إلى أنّ معدّلات التغطية "تتفاوت بحسب الحالات المرضية، وتتراوح بين 60 إلى 100 بالمئة. والتغطية الشاملة عادة ما تكون للأطفال أو حالات الإعاقة والتشوّهات"، لكن عندما يتم تنفيذ قرار وقف التغطية "ستتوقّف بطاقات الاستشفاء ويدفع المريض كامل الكلفة من جيبه الخاص، ما يعني أنّ المشكلة الصحية للّاجئين ستتفاقم".
بالتوازي، إنّ غياب الثقافة الصحية سيتكامل مع غياب التغطية الاستشفائية ليراكم الأزمات. فتقول المصادر إنّ "اللاجئين لا يجرون متابعات دورية، خصوصاً للأطفال حديثي الولادة، سواء فحوصات أسبوعية أو شهرية أو فصلية، وبالتالي، ستزيد المخاطر الصحية عند الأطفال بعد وقف التمويل".
تستبعد المصادر أن ينعكس ذلك على المجتمع اللبناني بشكل مباشر، لكن تبقى هناك نقطتان أساسيّتان يجب تسليط الضوء عليهما في هذا المجال. الأولى هي الناحية الإنسانية "فأي شخص موجود على الأراضي اللبنانية، لا يمكن تجاهل حقّه في تلقّي العلاج. ونحن كلبنانيين جرّبنا ماذا يعني اللجوء في فترة الحرب والأزمات، ونعرف مدى الحاجة للتغطية الصحية". أمّا النقطة الثانية، فهي "الصورة السلبية التي سيظهر فيها لبنان حين تتفاقم مشكلة عدم قدرة المستشفيات على استقبال المرضى من اللاجئين". وأيضاً، هناك تداعيات قد تطال المجتمعات المضيفة في حال كان هناك اختلاط مباشر بين اللبنانيين واللاجئين الذين قد يصابون بأمراض معدية نتيجة الإهمال الصحي وظروف السكن غير الملائمة والتي لا تلبّي شروط النظافة الشخصية.

ضرورة استمرار التمويل
لا يخلو الملفّ من الجانب السياسي، وتحديداً لجهة التساؤل حول احتمالات أن يكون وقف التمويل سبيلاً للضغط على اللاجئين للعودة إلى سوريا. لكن في جميع الأحوال، يبقى على الدول المانحة واجب تأمين التمويل بصرف النظر عن مكان استعماله. فالضغط لإعادة اللاجئين يعني ضرورة دفع الأموال لهم في سوريا. كما أنّه من غير المبَرَّر وقف التغطية بشكل كامل وتركهم على الأراضي اللبنانية عرضة للأمراض والموت. ومن هنا، رأى وزير الصحة أنّ "لا حل إلا بتأمين التمويل الدولي للرعاية الصحية للّاجئين واستشفائهم إلى حين عودتهم الآمنة لبلادهم". أمّا اعتبار أنّ سقوط نظام الأسد يعني انتهاء الأزمة في سوريا، ما يستدعي سحب المجتمع الدولي يده من مسألة التمويل، فهو ضرب من الوهم، لأنّ الأزمة هناك لم تنتهِ نهائياً، بل لا يزال لبنان يشهد موجات لجوء جديدة "ما يُبقي أعداد اللاجئين مرتفعة جداً بالنسبة إلى مساحة لبنان وقدرة نظامه الصحي على تحمل أعباء إضافية كبرى". كما أنّ المفوّضية تعتبر أنّ "العودة الطوعية إلى سوريا قد تكون في خطر بدون الحصول على دعم إضافي".

في لبنان أو سوريا، لا يمكن ترك اللاجئين بلا دعم مالي. وإذا كانت عودتهم إلى بلادهم ضرورة للبنان وسوريا، فإنّ دعم العودة بغطاء مالي، أمر لا مفرّ منه. ولذلك، يجبّ التوصّل إلى حلّ سياسي واضح وآلية ممنهجة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم لتجنيبهم تداعيات وقف التغطية الاستشفائية، وإلاّ، فنحن أمام تصعيد مالي سيهدّد حياة الأطفال والمعوّقين وكبار السنّ بشكل أساسي.