الاختلال في الميزان التجاري: أزمة مستمرة في لبنان
دعوة الى تعزيز التصدير إلى أفريقيا ودول الخليج
مارينا عندس - الديار
عندما تكون قيمة الواردات أكبر من قيمة الصادرات، هذا ما يسمى بعجز الميزان التجاري، تمامًا كما يحصل في لبنان. وهذا الخلل البنيوي ليس وليد اليوم، بل هو نتيجةً لتراكمات طويلة عبر مرّ التاريخ.
وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعصف البلاد منذ عام 2018 وأكثر، أضحى العجز في الميزان التجاري عاملًا مركزيًا يسرع من وتيرة الإنهيار المالي ويزيد من هشاشة الوضع النقدي.
يعاني لبنان منذ سنواتٍ طويلةٍ من عجزٍ كبيرٍ في ميزانه التجاري، بحيث يستورد بقيمة ١٧ مليار دولار ويصدّر بقيمة ٣ أو ٤ مليار دولار. وغالبًا ما تكون صادرات تقليدية، مثل المنتجات الزراعية وبعض الصناعات الغذائية. فما هي أبرز أسباب هذا الإختلال؟
أولًا: ضعف الإنتاج المحلي سيّما القطاع الصناعي والزراعي.
ثانيًا: الإعتماد الكبير على الإستيراد مما يزيد من الطلب على العملة الأجنبية.
ثالثًا: نتيجة الأزمات السياسية والإقتصادية وعدم استقرار البلد الامني، ما يؤثر سلبًا على إنتاجية القطاعات كافّة.
رابعًا: لا يمتلك لبنان شبكة تجارية عالمية كافية مع الدول الكبرى لتوسيع تصديره كما أنّ بعض الإتفاقات لا تُستثمر بشكلها المطلوب ما يؤدي إلى زيادة الدين العام والتضخم.
بالأرقام
أصدرت الجمارك اللبنانية أرقام 2024 عن الاستيراد والتصدير. تبيّن أن لبنان صدّر في السنة الماضية بقيمة 2.7 مليار دولار واستورد بقيمة 16.9 مليار دولار. شكّلت المنتجات المعدنية، أي النفط ومشتقاته بشكل أساسي، النسبة الأكبر من بقيمة 4.4 مليارات دولار، تليها فاتورة الذهب والأحجار الكريمة والألماس بقيمة 2.57 مليار دولار، ثم منتجات الصناعات الكيماوية (أبرزها الأدوية) بقيمة إجمالية بلغت 1.4 مليار دولار، والآلات والأجهزة الكهربائية بقيمة 1.3 مليار دولار، ثم صناعة الأغذية بقيمة 1.2 مليار دولار، والمنتجات الحيوانية بقيمة 840 مليون دولار ومعدات النقل بقيمة 810 ملايين دولار. تركّز الاستيراد واضح في الفاتورة النفطية وفي تجارة الذهب والأدوية والأجهزة الكهربائية والسيارات، علماً أن حاجات الغذاء ليست بذات الكلفة، إذ لا تمثّل أكثر من 3 مليارات دولار من مجمل فاتورة الاستيراد.
وتشير البيانات الإحصائية الصادرة عن المديرية العامة للجمارك، الجمعة، إلى تراجع في حركة التجارة الخارجية في لبنان سواء على صعيد الاستيراد أو التصدير لعام 2024 مقارنة بالعام 2023.
وبحسب الشركة الدولية للمعلومات المعنية بالبيانات، فقد بلغت قيمة الواردات في العام 2024 نحو 16.901 مليار دولار، مقارنةً بـ 17.524 مليار دولار في العام 2023، أي بتراجع مقداره 623 مليون دولار وبنسبة 3.5%. كما تراجعت قيمة الصادرات إلى 2.707 مليار دولار، مقارنةً بـ 2.995 مليار دولار، بتراجع مقداره 288 مليون دولار وبنسبة 9.6%.
وبذلك، يكون التراجع في نسبة الصادرات أعلى من التراجع في نسبة الواردات. ومن خلال هذه الأرقام، بلغ العجز في الميزان التجاري للبنان في العام 2024 نحو 14.194 مليار دولار، متراجعاً عن العجز الذي سجل في العام 2023 والذي بلغ 14.529 مليار دولار، أي بتراجع مقداره 335 مليون دولار.
الحلول
رئيس تجمع الصناعيين في البقاع نقولا ابو فيصل، يرى أنه "بالإمكان رفع الصادرات من خلال فتح أسواق جديدة وتفعيل عمل البعثات الدبلوماسية والملحقين الإقتصاديين لدعم الترويج للمنتج اللبناني، ومراجعة الإتفاقيات التجارية القائمة مع الاتحاد الأوروبي. وتعزيز التصدير إلى أفريقيا ودول الخليج، حيث توجد جاليات لبنانية كبيرة.
وفي حديثه للدّيار، يؤكد أبو فيصل أنّ ذلك يقوم من خلال:" خفض كلفة الإنتاج والنقل، وتحسين البنى التحتية، وتخفيف الأعباء عن الصناعيين عبر دعم الطاقة والإعفاءات الجمركية على المواد الأولية".
إن اختلال الميزان التجاري في لبنان ليس مجرد خلل اقتصادي عابر، بل هو مرآة تعكس عمق الأزمات البنيوية التي يعاني منها الإقتصاد اللبناني، من ضعف الإنتاج المحلي إلى غياب السياسات التحفيزية الفعالة. وهذا العجز المستمر يشكّل تحديًا وجوديًا لمستقبل التنمية والاستقرار الاقتصادي في البلاد، ما يستدعي تحركًا عاجلًا واستراتيجيًا لإعادة رسم السياسات التجارية والإنتاجية على أسس مستدامة.
ووحدها الإرادة السياسية والإصلاحات الجذرية هي كفيلة بدعم القطاعات المنتجة، وتوجيه الاقتصاد نحو التصدير وتقليص الاعتماد على الاستيراد، ليمشي لبنان على سكة التوازن الاقتصادي والانتعاش. فالمعادلة واضحة: لا نهوض اقتصادي من دون إنتاج حقيقي، ولا استقرار ماليا من دون ميزان تجاري متوازن.