هل يقود جدل الـ bonus في "ألفا" و"تاتش" إلى فتح ملف التخمة والتوظيف السياسي؟

هل يقود جدل الـ bonus في "ألفا" و"تاتش" إلى فتح ملف التخمة والتوظيف السياسي؟

image

هل يقود جدل الـ bonus في "ألفا" و"تاتش" إلى فتح ملف التخمة والتوظيف السياسي؟
تُشكّل رواتب موظفي قطاع الخليوي نموذجاً للتناقضات التي تعانيها مجمل الطبقة العاملة 


لوسي بارسخيان -"نداء الوطن"
انتهى الجدل الذي أثارته مطالبة موظفي شركتي "ألفا" و"تاتش" بمكافآت (BONUS) عن العام 2022، إلى موافقة إدارة الشركتين، على دفع جزء من المستحقات قبل عيد الأضحى، على أن يتابع البحث في استكمال تسديدها كاملة، وتوقيع عقد العمل الجماعي خلال مهلة أقصاها شهر حزيران 2025. لكن الأزمة، فتحت الباب أمام نقاشات قد تتوسّع لاحقاً، مدفوعة بأسئلة حول ضرورة إعادة هيكلة القطاع الوظيفي برمته في الشركتين.

طوي الحديث مرحلياً عن تحركات تصعيدية لوحت بها أوساط نقابية قبل ساعات من اجتماع حاسم عقد مساء الأربعاء، بعد تسريبات، لم يعلن عن مصدرها، سلّطت الضوء على أعداد الموظفين ورواتبهم في الشركتين، من باب فضح الموازنات الضخمة المخصصة لهم، واعتبرها رئيس نقابة موظفي "ألفا" وتاتش" مارك عون "حرتقة" لتعطيل المسار الإيجابي نحو نيل الحقوق.

في خلفية الـ BONUS وحقيقته، ما تبيّن عملياً أن المكافآت المالية التي يحصل عليها موظفو "ألفا" و"تاتش" ليست سابقة في النظام الوظيفي بالشركتين، ودرجت العادة وفقاً لمصادر نقابية أن تُصرف سنويا ولو بعد تأخير. علماً أنّ الموظفين حصلوا على مكافآتهم عن العام 2021 في العام 2024. ولكن الجديد كان في تشعّب البحث حول هذه الحوافز عن العام 2022، ليطال واقع التوظيف داخل "ألفا" و"تاتش"، وخصوصاً بعدما طالبت به وزارة الاتصالات حول إقران تسديد هذه الحوافز بتقييم شامل، يتيح إعادة هيكلة الكادر البشري في الشركتين، بما يسمح بوصول المكافآت إلى مستحقيها فعلاً.

بين الامتيازات والاحتجاجات

عملياً,  تُشكّل رواتب موظفي قطاع الخليوي نموذجاً للتناقضات التي تعانيها مجمل الطبقة العاملة في لبنان، بعد الأزمة المالية التي ألمّت به منذ العام 2019 حتى اليوم. ففي حين كان هذا القطاع شرارة أولى لانفجار الغضب الشعبي في خريف 2019، تزامناً مع فرض رسم على تطبيق "واتساب" الذي فضح أزمة الليرة اللبنانية وانهيار قيمتها، تبدو المفارقة في تقاضي موظفي شركتي الخليوي حالياً رواتبهم بالدولار، وفقاً لمستويات ما قبل الانهيار المالي. لا بل أضيفت إليها مؤخراً زيادة بنسبة 20 بالمئة، وذلك طبعاً خلافاً لواقع الغالبية الساحقة من موظفي القطاعين العام والخاص. وفي حين ينعم موظفو "ألفا" و"تاتش" بواقع مالي أفضل بنسب متفاوتة من غالبية الموظفين في قطاعات أخرى، نجد أنهم هم أنفسهم من بين قليلين، ينفّذون تحرّكات واعتصامات دورية، دفاعاً عن مكتسباتهم وحقوقهم الوظيفية، فيما يسود الاستسلام في معظم أوساط القوى العاملة التي تدهورت قدرتها الشرائية، وتآكلت القيمة الفعلية لمداخيلها.

بحسب المعلومات التي سربت في وسائل الإعلام، فإن الشركتين تشغّلان أكثر من 1300 موظف، 750 في "ألفا" و600 في "تاتش"، رغم أن الحاجة الفعلية لا تتعدى الـ 900 موظف، ما يكشف عن تضخّم وظيفي ناجم عن المحسوبيات لا الكفاءة.

وتكشف المعلومات أيضاً أن متوسط الرواتب في الشركتين يتجاوز الثلاثة آلاف دولار، بينما تبلغ بعض رواتب المدراء الـ 19 ألف دولار شهرياً، إضافة إلى سلسلة من الامتيازات السخيّة، تشمل سيارات، وخطوطاً خلوية مجانية، وتغطية صحية وتعليمية كاملة. في وقت لا تتعدى فيه رواتب الغالبية الساحقة من اللبنانيين ربع هذا الرقم.
وتتابع التسريبات أنه على رغم هذا الإنفاق الهائل، تدنّت إيرادات القطاع من مليار دولار ما قبل أزمة 2019 إلى 200 مليون فقط. مما يعني أنه مقابل الرواتب السابقة التي ارتفعت بنسبة 20 بالمئة، تراجعت أرباح الدولة من مداخيل الشركتين، بنسبة 80 بالمئة. هذا في وقت يطالب موظفو الشركتين حاليا بمكافآت إضافية (Bonus) عن أعوام سابقة.

اتّهام بالترف

ما ذكر قد يعتبره البعض نموذجاً عن انفصال إدارة وموظفي شركتي الخليوي التابعتين لوصاية وزارة الاتصالات، عن الواقع. وهو ما يهدد وفقاً لمصدر مطلع باستنزاف ما تبقّى من ثقة المواطنين بالقطاعات المنتجة، ويخلف شرخاً واسعاً بينهم وبين فئات واسعة من المجتمع اللبناني، تُعتبر فاتورة الهاتف وحدها مرهقة لميزانيتها.

إلا أنه لنقيب موظفي "ألفا" و"تاتش" مارك عون مقاربة مختلفة.

يذكّر عون بحملات مشابهة في عهدي وزيري الاتصالات محمد شقير وجوني القرم، اتهمت موظفي "ألفا" و"تاتش" بترف تناول "السومون" و"الكافيار"، في محاولة لتأليب الرأي العام عليهم، ولكن من دون أن تؤدي هذه الحملات إلى أي تغيير في موقف النقابة كما يؤكد.

يقول عون "ما نتقاضاه حق لنا". نافياً في المقابل الأرقام المتداولة حول حجم الرواتب، التي يوضح أن 65 بالمئة منها لا تتجاوز الألفي دولار، و90 بالمئة منها تحت عتبة الـخمسة آلافدولار، بينما الرواتب المرتفعة محصورة بعدد ضئيل من الموظفين. داعياً إلى التدقيق بمن سهّل الوصول إلى مثل هذه المستويات من الرواتب بالنسبة لهؤلاء.

ويرفض في المقابل الربط بين رواتب الموظفين وتراجع أرباح الدولة من القطاع، مشدداً على أن خفض تعرفة الاتصالات لم يكن من صنع الموظفين، بل جاء بقرار سياسي خاطئ، كان يمكن تلافيه من خلال وضع رزم مرنة تُراعي الفئات المحدودة الدخل من دون إعفاء الميسورين.

ويدحض عون حجة الفائض الوظيفي، مذكّراً بتناقص عدد الموظفين قبل تصحيح الأجور، من نحو ألفي موظف إلى 1200، معتبراً أن من يتحمّل مسؤولية التضخّم هي الجهات السياسية التي فرضت التوظيف العشوائي، لا الموظفين. ويشدّد على أن أي عملية إصلاح لا يمكن أن تتم على حساب الموظفين، داعياً إلى التدقيق في مزاريب الهدر الكبرى، بدلاً من التضييق على أصحاب الحقوق.

ويصرّ في مواجهة المقارنات بين رواتب موظفي شركتي الخليوي وموظفي القطاع العام، على أن الحل لا يكون بتعميم الانهيار، أو تقويض مكتسبات موظفي شركتي الاتصالات، بل بتحسين أوضاع موظفي الدولة.

المواطن يدفع الثمن

مصدر خبير في القطاع يوافق على الحاجة إلى هيكلة شاملة في إدارة قطاع الخليوي. إلا أنه يرى أن الخلل في الكادر البشري بالنسبة إلى الشركتين، ليس في ضخامة عدد الموظفين في كل منهما، وإنما في سوء توزيع الموارد البشرية. فما نعانيه برأيه هو خلل بنيوي في الكفاءة التشغيلية. إذ كيف يجوز للبنان، البلد الصغير بمساحته الجغرافية، أن يعتمد على بنيتي شبكتين متماثلتين مشغلتين من قبل مالك واحد، أي الدولة اللبنانية، بينما نجد أن كلاً من مشغلي الشبكتين يعتمد على موظفين متعاقدين خارجياً (outsourcing) في تأدية بعض الوظائف التي يمكن أن يؤديها موظفو الشركتين.

ومن هنا يعتبر المصدر أن ما نحتاجه أولاً "إعادة هيكلة القوى العاملة، بل ⁠وربما دمج الشبكتين أو اعتماد نموذج المشاركة الفعلية للبنية التحتية (Active Sharing)". آسفاً في ظل الجدل الذي يكون كيديا في بعض الأحيان أن يتحول "المستخدم" إلى ضحية، وأن يدفع الثمن، لكونه لا يجد سوى شبكة متقطعة وفاتورة متضخمة ليواجه بها واقعاً اقتصادياًً خانقاً.