تعديلات قانون الانتخاب.. الآن الآن وليس غدًا

تعديلات قانون الانتخاب.. الآن الآن وليس غدًا

image

تعديلات قانون الانتخاب.. الآن الآن وليس غدًا
هناك توجه قوي للبنانيين في الخارج لرفض الدوائر الست والابقاء على تصويتهم للمرشحين في الدوائر اللبنانية

نزيه درويش - المدن
ما أن انتهت العملية الانتخابية البلدية والاختيارية حتى بدأت اللجان النيابية مناقشة ودرس اقتراحات تعديل قانون انتخاب مجلس النواب (رقم 44 /2017) الذي احتوى على موادٍ كُتبَت لتطبَّق لمرّة واحدة، وأخرى تُركت من دون دقائق تطبيقها، إلى أسباب موجبة لمواد غير موجودة أصلا!
تحمّس السادة النواب وفتحوا صندوقة باندورا على مصراعيها. بعضهم تقدّم باقتراحات قوانين جديدة تمامًا، وبعضهم فتح النقاش حول إنشاء مجلس للشيوخ من ضمن إصلاحات اتفاق الطائف المنصوص عليها وغير المطبّقة. إضافة إلى مطالبات أخرى بعدم تعديل ما هو موجود بل فقط إضافة الأحكام الناقصة.

مجلس الشيوخ غير جدّي
في هذه الورشة بدا اقتراح إنشاء مجلس الشيوخ غير جدّي في الوقت الراهن لأنه أصلا ورد في إتفاق الطائف في قاع سلّة بنود يجب تنفيذها قبل الوصول إليه. فهو، في آلية الاتفاق، ينشأ مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، وتتمثل فيه كل العائلات الروحية (الطوائف) على أن تنحصر صلاحياته في القضايا "المصيرية". هذا يعني أنه ينشأ بعد إلغاء الطائفية. ولإلغاء الطائفية نصّ الاتفاق على تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية فكرية واجتماعية (لم يحدّد عددها وطريقة اختيارها) تكون مهمتها "دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء، ولم يضع لها أي مِهَلٍ زمنية.

الأمر الذي لم يحصل حتى اليوم وبالتالي فلا مبرّر لتضييع الوقت في مناقشة إقتراح سيسقط حكمًا. ويبدو أن السادة النواب الذين قدّموا هذا المشروع إما لم يقرأوا نص إتفاق الطائف أو أنهم يريدون تمرير الوقت وتضييعه بطروحات وهمية لا طائل منها.

الآن بعد أن فُتحت الصندوقة وتطايرت منها المشاريع والاقتراحات، وقد يكون بسبب ذلك، لم يتبق فيها فعليًا إلا القانون الحالي النافذ. سريعًا سيعود السادة المشرّعون إليه لملئ فراغاته وحسم مسألتي اقتراع غير المقيمين والبطاقة الإلكترونية الممغنطة. وهما المسألتان الملحّتان المستوجبتان للتعديل.

اقتراع غير المُقيمين
فإذا تُركت مواد انتخابات الخارج كما هي في القانون، أي أن الناخب غير المقيم سيقترع لستة نوابٍ عن ست قارات وليس للنواب الـ128 في الدوائر اللبنانية، سيحتاج ذلك إلى إضافة موادٍ تفصّل كيفية وأهلية الترشح عن هذه الدوائر القارّية ومِهَل الترّشح وعن حملات المرشحين وانفاقهم والرقابة عليها. كما سيحتاج إلى إضافة موادٍ عن دور هؤلاء النواب في الخارج وعن كيفية إشتراكهم في دورات انعقاد المجلس مع زملائهم من النواب في الداخل الخ.

بينما إبقاء تصويت غير المقيمين للمرشحين في دوائر قيدهم الأصلية في لبنان سيتطلب إلغاء المواد 112 و 121 و 122 من القانون.

علمًا أن هناك توجه قوي للبنانيين في الخارج لرفض الدوائر الست والابقاء على تصويتهم للمرشحين في الدوائر اللبنانية.

البطاقة الإلكترونية الممغنطة
بدت المادة رقم 84، وهي بعنوان البطاقة الإلكترونية الممغنطة، وكأنها سقطت سهوًا من مكان ما على القانون، لولا أن الأسباب الموجبة التي أُلحقَت به ذكرت في سطرها الأخير وفي عجالة، ومن دون تفاصيل، أنها بواسطتها سيتمكّن الناخب من الاقتراع من مكان سكنه.

إذن هي بطاقة تعريف عن الناخب، الهدف منها تمكينه من الاقتراع لدائرة قيده من مكان سكنه. وهو مطلب مزمن وإصلاح هام من شأنه أولا أن يحرّر الناخب من أعباء الانتقال أحيانًا لمسافات بعيدة في يوم الانتخاب، مع ما يرافق ذلك من تدخّل مرشحين ولوائح وأحزاب بصورة تسهيلات لوجستية ومساهمات مادية تنعكس أصواتًا لهم في صناديق الاقتراع. وثانيًا قد يريح الناخب من الضغوطات المباشرة التي عادة تمارسها الأحزاب والمتنفّذين وقوى الأمر الواقع على الناخبين في مختلف المناطق ولا سيما خارج المدن.

أناط القانون بالحكومة اقتراح البطاقة والتعديلات المناسبة لها في القانون! (عُلّق العمل في هذه المادة في دورتي 2018 و 2022). ولم يذكر طبيعة هذه البطاقة ونوعها ولا الجهة المخوَّلة إصدارها. البطاقة هي باختصار بطاقة تعريف عن الناخب، لا يستطيع الاقتراع من دونها. وهي بديل عن استخدام بطاقة الهوية (وجواز السفر الصالح) كمستند انتخابي وحيد اعتمده القانون الساري إلى اليوم.  يجب أن تتضمّن البطاقة مختلف وقوعات الناخب، إسمه الكامل وسجل قيده وتاريخ ومكان ميلاده إلى بصماته وغيرها من وسائل التعريف عنه. كذلك تتضمن معلومات سابقة وأخرى فورية تُضاف إليها من القارئ الالكتروني عن المرّات والتواريخ التي استخدمت فيها البطاقة للإقتراع، لضمان عدم إقتراع الناخب أكثر من مرّة في الدورة الانتخابية الواحدة.

من البديهي أن تُصدر وزارة الداخلية والبلديات هذه البطاقة فقط إلى الناخبين الواردة أسماءهم على قوائم الناخبين في السنة الانتخابية، وتعمد آليًا إلى تعطيل بطاقة الناخب الذي يفقد أهليته للإنتخاب لسببٍ ما.

البطاقة بطبيعة الحال تستدعي مكننة شاملة لسجلات الناخبين ولوائح الشطب وتستدعي توفير قارئ الكتروني Card Reader واحد على الأقل في كل قلم اقتراع إضافة إلى خادم حاسوبي Server وبنية تحتية في كل مركز اقتراع.. فعند التصويت يمرّر الناخب بطاقته (وبصماته الضوئية) على قارئ الكتروني متصّل بخادم مركز الاقتراع الذي بدوره سيتصل بالخادم المركزي في الوزارة ليعرّف إسمه على لوائح الشطب العائدة لقيده وليعلّم اسمه، ويرى إن كان استخدم البطاقة والبصمات في وقت سابق، فيشطبه تلقائيًا في كافة القوائم وبذلك يُضمن عدم تصويته مرتين في الدورة الانتخابية نفسها.

ولكن تحديات عديدة تُطرح أمام اعتماد البطاقات الممغنطة، منها تقني بحت ومنها مادي ومنها أيضًا سياسي أبرزها:

1- يستدعي استخدامها مكننة شاملة للقوائم الانتخابية ولوائح الشطب وربطهما ببعضهما وبالقارئ الالكتروني في الوقت عينه في كل قلم اقتراع، مع يتطلبه ذلك من بنية تحتية تقنية يُعتمَد عليها مع شبكة انترنت موثوقة وقواعد بيانات وبرامج آمنة، وتدريب العناصر البشرية، إلى تجهيز استراتيجية استكشاف الأخطاء وإصلاحها  troubleshooting on-site.

2- كلفة مادية عالية لتغطية إصدار البطاقات لجميع الناخبين وكلفة القارئات في كل أقلام الاقتراع وربطهم بخوادم المراكز والوزارة، إلى تدريب الموظفين، وكلفة البرامج والحماية والصيانة وتصليح الأعطال الفورية.

3- ولكن يبقى التحدي الأصعب هو في كيفية توزيع هذه البطاقات على الناخبين المؤهلين بطريقة شفافة وفعّالة وغير استنسابية، وإبعاد القوى النافذة والمسيطرة في المناطق عن هيمنتها عليها والتحكّم في توزيعها على مناصريها ومنعها أو عرقلة توزيعها على معارضيها (فضيحة انتخابات سنة 2000). فإذا كان تزويرها صار صعبًا ويمكن تقنيًا تلافيه (كمثل بطاقات الهوية أو البطاقات المصرفية)، إلا أن إصدارها وتوزيعها بواسطة وزارة الداخلية والبلديات (وليس هيئة مستقلة) يتطلّب تعزيز عوامل ثقة المواطنين من خلال آليات عمل شفّافة ومضمونة الحياد.

4- توزيع البطاقات على الناخبين في الخارج قبل الانتخابات بمدى معقولة وبآلية مضمونة. فإذا جرى اعتمادها في انتخابات لبنان لا يجب أن يقترع غير المقيمين في لبنان بمستند انتخابي مختلف.

بطاقة الهوية البيومترية
ولكن يوجد في مصلحة الأحوال الشخصية مشروع تطوير لمشغل بطاقات الهوية، والتي صارت بحاجة إلى تحديث وتحويلها إلى بيومترية، كجوازات السفر الحديثة التي تحمل بصمات الأصابع والأعين، إضافة إلى بيانات أخرى تضاف إليها كعدد المرّات التي استخدمت مثلا للتصويت أو لعمليات أخرى. فهي بذلك قد تنوب مكان بطاقة الاقتراع الإلكترونية وتوفّر خدمات مستقبلية عديدة أخرى كربطها مثلا بقاعدة بيانات موحَّدة لكل مواطن توفّر الوثائق والمستندات المتناثرة بين الوزارات والادارات، بكلفة أقل نسبيًا.

بطاقة الهوية البيومترية لا تستدعي بالضرورة مكننة السجلات والقوائم وقد تُستخدم فقط كي تمنع الناخب من الاقتراع مرتين في الدورة نفسها. وهذا هو المطلوب منها في الانتخابات حاليًا. هي أيضًا تستدعي، كالبطاقة الممغنطة، توفير قارئ الكتروني واحد على الأقل في كل قلم اقتراع إضافة إلى خادم حاسوبي في كل مركز اقتراع وطبعًا بنية تحتية تقنية.. عند تمرير المنتخِب لبطاقة هويته البيومترية (مع بصماته الضوئية) على القارئ المتصل بخادم المركز المتصل بدوره بالخادم المركزي في وزارة الداخلية يشير القارئ فورًا إذا ما كانت هذه البطاقة قد استُخدمَت سابقًا لتعريف الناخب في هذه الدورة الانتخابية، فيمنعه حينئذٍ رئيس القلم من تكرار التصويت.

لاستخدام البطاقة البيومترية  تحدّيات مشابهة لتحديات اعتماد البطاقة الممغنطة المذكورة آنفًا.

جدير بالذكر أن كلفة اعتماد البطاقة البيومترية في لبنان قُدّرت عام 2017 بحوالي 130 مليون دولار أمريكي. هذا الرقم لم يكن مقتصرًا على تكلفة البطاقة نفسها، بل شمل بشكل أوسع البنية التحتية واللوجستيات الضرورية لتطبيق نظام الانتخاب الجديد.

ميغاسنترز مع تسجيل مُسبق للناخبين
ولكن إذا كان المطلوب في الدورة الانتخابية القادمة إتاحة المجال أمام الناخب للاقتراع في منطقة سكنه، كما جاء في الأسباب الموجبة للقانون، توجد وسائل أخرى تلبي الحاجة أقلّ كلفة وجهد. ومنها اعتماد مراكز اقتراع كبرى (ميغاسنترز) في المدن وحيث التجمّعات السكانية الكبرى مع تسجيل مُسبق للناخبين الراغبين في الاقتراع خارج مكان قيدهم الأصلي.

التسجيل المسبق للناخبين في الميغاسنترز وإصدار لوائح انتخابية مستقلة لهم أسوة بالناخبين في الخارج هي الطريقة الأسهل والأقل كلفة. تستدعي من الناخب الذي يرغب في الاقتراع خارج مكان قيده اختيار المركز من اللائحة المتاحة (10 مراكز مثلا في كل لبنان) ضمن مهلة زمنية محددة تسبق يوم الانتخاب بثلاثة أشهر على الأقل، فتعمد الادارة إلى وضع إشارة على إسمه في لوائح شطب دائرته (تمامًا كما تفعل مع ناخبي الخارج) لضمان عدم السماح له الاقتراع في المكانين في دورة واحدة. وتصدر لهذه الغاية قوائم انتخابية مستقلة.

التسجيل المسبق لا يستدعي مكننة شاملة ولا استخدام لبطاقة اقتراع الكترونية ولا حتى لبطاقة هوية بيومترية. وهو بذلك يتفادى الأخطاء التقنية والثغرات الممكن حدوثها يوم الانتخاب نتيجة البنية التحتية التقنية المتواضعة الموجودة حاليًا. وتقريبًا جرى اختباره بشكل مشابه في انتخابات الخارج في 2018 و 2022 التي شكّلت فيها السفارات والقنصليات (وغيرها من المراكز المستخدمة للانتخاب في مدن وعواصم العالم) مراكز اقتراع كبرى ميغاسنترز (ضمّت 205 مركزًا في 58 دولة ب598 قلم اقتراع) مع تسجيل مسبق من دون مشاكل وعوائق تقنية ولوجستية تُذكر.

أوردنا هنا التعديلات الضرورية الملحّة فقط نظرًا إلى أن عدم التصدّي لها سيحول دون تطبيق القانون والطعن فيه. ولنا عودة لاحقًا إلى اقتراحات تعديلات أخرى أقلّ إلحاحًا ولكن لها أسبابًا أيضًا مُعتبَرة.