المحبّة والبغض

المحبّة والبغض

image

للمحبّة قوّة خارقة تُساوي قوّة الإيمان

بقلم: سامي الهاشم 

أوّلًا: المحبّة:

ليس أعظم من أن نبدأ موضوع المحبّة بوصيّتَي السيد يسوع المسيح:

"أحبّوا اللّه، وأحبّوا بعضكم بعضًا".

وليس أجمل من تركيز القدّيس بولس في رسائله على ثلاث فضائل:

" الإيمان والرجاء والمحبّة" وأعظمهنَّ جميعًا المحبّة.

وليس أحلى ممّا أنشد جبران:" المحبّة لا تُعطي إلّا ذاتها، ولا تأخذ إلّا من ذاتها".

واستطرادًا نقول: المحبّة نبعٌ صافٍ غزير يتدفّق من باطن الأرض ويروي العطاش مجّانًا، وسهلٌ فسيح وخصب يكفي العالم مؤونة الخير والبركة والعطاء.

وانطلاقًا من أهمّية المحبّة لقد أوصَت جميع الأديان بها.

نعم للمحبّة قوّة خارقة تُساوي قوّة الإيمان:

تُحوِّل البشاعة إلى جمال، والسيّء إلى جيّد،

تُلْغي الشرّ، تُنمّي الخير، تُوفِّر السعادة،

تُساعد على التقدّم والنموّ والعيش الهادئ.

-         أليس من أجل المحبّة وبدافع منها يستشهد الإنسان في سبيل الوطن؟!

-         أليس من أجل المحبّة وبدافع منها يهب الإنسان عضوًا من جسده لأخيه الإنسان؟!

-         أليس من أجل المحبّة وبدافع منها يُصالح الإنسان عدوَّه ليحلّ الوئام محلّ الخصام؟!

-         أليس من أجل المحبّة وبدافع منها يعمل الخيّرون طيلة حياتهم ويُضحّون من أجل المعذّبين على الأرض؟!

-         أليس من أجل المحبّة وبدافع منها جابت الأمّ تريزا القدّيسة بلدان العالم لِتُساعد الذين هم بحاجة إلى الدعم الإنسانيّ؟!

-         أليس من أجل المحبّة وبدافع منها أُهين يسوع المسيح وتألّم وصلب ومات؟!

أجل كلّ شيء يرخص من أجل المحبّة ولا يستطيع شيءٌ أن يقف حاجزًا في وجهها وهي لا تسقط أبدًا كما جاء في إحدى رسائل القدّيس بولس.

 

ثانيًا: البغض

البغض آفةٌ اجتماعيّة، زُرِعَتْ في الأرض فنبتت وأعطت أشواكًا كثيرة.

ينبع البغض من نفوسٍ حقيرة، يُشتِّت الأحبّاء، يخرب البيوت العامرة، يُبعد الأزواج، يُفرِّق الإخوة ويُفسِد العلاقات الإجتماعيّة ويُحَوِّلها إلى جحيم.

ومن المؤسف أنّه يُورَّث وينتقل من جيلٍ إلى جيلٍ!

يقول نزار قبّاني:

 الحــبّ في الأرض بعض من تخيّلنا                   إن لم نجده عليها لاخترعناه

ألم يكن من الأصحّ القول:

البغض في الأرض بعضٌ من تخيّلنا                   إن لم نجده عليها لاخترعناه

-         لماذا لا يتصالح الإنسان مع نفسه ومع الآخرين لِيتخلَّص من هذا المرض العضال؟

-         لماذا لا يُعالج الأمور بكبَر وشهامة وأخلاق ومحبّة؟

-         لماذا لا يرمي بُغضه في نهر جارفٍ أو في محرقة ملتهبة ليعيش حياة الهناء والطمأنينة والسلام؟

لنأخذ قولًا مأثورًا لفيكتور هوغو في كتابه "البؤساء" ونتعلّم منه ما شئنا:

" نقطة انطلاق المبغض كنقطة الوصول في كلِّ أفكاره وهي بغض الآخر، هذه الكراهيّة إذا لم توقفها، بحالة تطوُّرها، بعضُ الأحداث الإلهيّة، تتحوّل في وقت ما إلى كراهيّة المجتمع، ثمّ إلى كراهيّة الجنس البشري، وبالتالي إلى كراهيّة الخلق، وتُترجم بشهوة الضرر العنيف الذي لا يتوقّف ضدَّ أيّ كان".

 

●      التخلّص من البغض

إذا كنّا نريد ونطلب المحبّة الحقيقيّة فما علينا إلّا استئصال كل ما يُعرقل نموّها ويُعيق وجودها،

-         فإذا كان الجهل فلنستبدله بالعلم والمعرفة،

-         وإذا كان الغبن والإجحاف، فلنعطِ المغبون أو المجحَف بحقّه نصيبه كاملًا،

-         وإذا كان الحسد والغيرة فلنعلِّم الأجيال على الإنفتاح والتعاطي مع الغير بنفس كبيرة كي ترضى بما كُتِب لها،

-         وإذا كان إرثًا ثقيلًا فلنتخلّص منه بتربية ذكيّة وواعية،

-         وإذا كان الدين أو العرق أو اللون أو الطبقيّة أو الجنس، فلنُسْقط كلّ ذلك من قواميسنا ومن ذاكرتنا، ونُقِرّ ونعترف بمبدأ المساواة بين الناس،

-         وإذا كانت الكبرياء، فليقتنع المتكبّر أنّ لا شيء أعظم من التواضع وأنّ كبرياءه تُسيء إليه وتُبعِد الناس عنه وليس أشدّ من حاجة الناس إلى بعضهم البعض،

-         وإذا كانت الشهوات الدنيئة، فلنعلم أنّها آفات اجتماعيّة قاتلة،

-         وإذا كان الفقر، فليعمل الإنسان ليلًا ونهارًا، لِيُغيِّر وضعه الاقتصادي ويعيش حياة كريمة،

-         وإذا كان الطمع فلنرْضَ بقِسمتنا ولا ننظر إلى ما أُعطِي الآخرون،

 

●      سيقول البعض إنّ هذا كلّه يندرج في باب التمنيّات والأحلام وليس إلّا! أمّا نحن فنخالفه الرأي ونقول:

1.     للتربية دور عظيم في تنشئة الأجيال، اللّهمّ إذا كانت تربية صالحة، ابتداءً من البيت ومرورًا بالمدرسة والجامعة ووصولًا إلى الحياة العمليّة،

2.     وللدولة الدور الأعظم في معاملتها للمواطنين، وفي محاسبة المخطئين، فَيَومَ تتحقّق العدالة والمساواة، يُقضى حكمًا على الكثير من دوافع البغض والخلافات بين الناس.

بالمختصر، ينبغي تطهير المجتمع من مسبِّبات البغض كي تنمو المحبّة وتورق وتزهر وتُثمِر، فتحلو الحياة وتُشرق شمسٌ جديدة لا تعرف غير السلام والوئام والخير....