أسباب شحّ السيولة في السوق المحلية
الحرب أخيراً دمّرت بطريقة تقنية ومدروسة بعض مخازن الكاش أو أُحرقت عمداً
د. فؤاد زمكحل - الجمهورية
في الأسابيع الأخيرة، بدأنا نشعر من جديد ببعض النقص والشحّ بالعملة الخضراء في السوق المحلية اللبنانية، فما هو السبب المباشر وغير المباشر لهذا النقص في السيولة من جديد؟
نذكّر بألم وأسف، بأنّ الإقتصاد اللبناني تراجع ناتجه المحلي من 50 مليار دولار في العام 2019 إلى 19 ملياراً في العام 2024، علماً أنّ التفاؤل كبير بأن يرتفع هذا الناتج المحلي إلى ما يُوازي 25 مليار دولار في أواخر العام 2025، في حال مضى الإقتصاد في النمو، في ظل موسم صيف واعد.
لكن يا للأسف، لا يزال الإقتصاد اللبناني يُوازي أقل من 50% من الإقتصاد والناتج المحلي الذي كان ما قبل الأزمة والإنهيار. وقد انعكس هذا التراجع في الناتج المحلي مباشرةً على القطاع الخاص وحجم الأعمال والتبادل التجاري والإستثمارات، كذلك على مداخيل الدولة والقطاع العام.
في الوقت عينه، وبالأرقام، وبحسب المراصد الرسمية الدولية، كانت السوق الموازية تبلغ نحو 9,5 مليارات دولار في العام 2022، وهذه السيولة كنّا نراقبها بوضوح في السوق، إذ غطّت النقص في السيولة جرّاء التهريب والسوق السوداء.
لا شك اليوم، أنّ المعادلة قد تغيّرت بمحاولة إعادة بناء الدولة، فانخفض التهريب وضعفت السوق السوداء والموازية، وأقفِلت بعض المعابر غير الشرعية، بعد سقوط النظام السابق في سوريا، وازدادت المراقبة الفعّالة على المرافئ والحدود البرية، البحرية والجوية، في ظل تنفيذ بعض الإصلاحات البنيَوية.
لا شك في أنّنا نُحيّي فرض هيمنة الدولة وإعادة بنائها على أسس ثابتة، لكن على المدى القصير، تراجعت السيولة في السوق المحلية.
في ظلّ هذه الإصلاحات المرجوّة، التي تُعيد الإستقلالية والشفافية والحَوكمة الرشيدة، للوطن والشعب والإقتصاد، وتُعيد لبنان على السكة الصحيحة، لكن في الوقت عينه، كانت لديها ارتدادات على بعض مصادر ومداخيل الكاش غير الشرعي، الذي كان مبنياً على التهريب والترويج وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
من جهة أخرى، إنّ الحرب التدميرية التي شهدها لبنان أخيراً، قد دمّرت أيضاً بطريقة تقنية ومدروسة، بعض مخازن الكاش - التي دُمّرت أو أُحرقت عمداً، وأدّت أيضاً إلى شحّ في السيولة والكاش من الدولارات في السوق المحلية.
لا شك أيضاً في أنّنا نرحّب بالتركيز على السوق الرسمية والشفّافة، لكن في المدى القصير ستشعر السوق بشحّ في السيولة من بعض المصادر التي دُمّرت.
لا شك في أنّنا اليوم على السكة الصحيحة، وعلينا تعويض هذا النقص في السيولة بالقنوات الشفّافة والرسمية، وخصوصاً عبر إعادة بناء الثقة، وجذب الإستثمارات من جديد، وإعادة الحركة التجارية والإقتصادية وبناء القطاع المصرفي القوي، لتمويل الإقتصاد وإعادة الدورة الإقتصادية الرسمية والشفّافة.
في المحصّلة، لا شك في أنّ ما نعيشه اليوم من شحّ في الدولارات كان منتظراً جرّاء إقفال بعض «المزاريب» غير الشرعية أو المخازن غير المعلنة، لكن على المدى المتوسط والبعيد، علينا إعادة بناء الإقتصاد الأبيض والحقيقي، بإعادة الإنماء، والبناء على أُسس متينة، وخصوصاً لتنفيذ المتطلّبات الدولية، بإعادة لبنان كمنصّة دولية، للإستثمار والتبادل التجاري، عوضاً عن التبييض والترويج والتهريب.