فضيحة الأدوية المزورة: تحقيقات تتوسع وشبكات محمية وشهادات موجعة

فضيحة الأدوية المزورة: تحقيقات تتوسع وشبكات محمية وشهادات موجعة

image

فضيحة الأدوية المزورة: تحقيقات تتوسع وشبكات محمية وشهادات موجعة
لجأ المرضى لخيارات بديلة واشتروا الأدوية المهربة بآلاف الدولارات وتبين أنها غير فعالة

فرح منصور - المدن
تتوسع التحقيقات القضائية في فضيحة تهريب الأدوية المزورة عبر مطار رفيق الحريري الدولي من بينها أدوية خاصة لعلاج مرضى السرطان، بهدف تحقيق الملايين من الدولارات. ارتفع عدد الموقوفين إلى خمسة، هم متورطون في هذا الملف مع شبكة واسعة لتهريب الأدوية تضم عناصر أمنية وأصحاب نفوذ سياسيين.
ليست المرة الأولى التي يحقق فيها القضاء بقضية تهريب، لكنها المرة الأولى التي تكشف فيها تفاصيل فاضحة عن شبكة تاجرت بأرواح المرضى، وباعت الأدوية المزورة في السوق في حين كان البلد منكوبًا يعاني من أزمة اقتصادية كبرى، وتعاني وزارة الصحة من نقص في التمويل وعجز في تأمين الدواء المرخص للمرضى. 

الأدوية المغشوشة
تروي فاديا المكاوي، الشابة في بداية العقد الثالث من عمرها والمصابة بسرطان الثدي، معاناتها مع الأدوية المزورة التي أدخلت إلى لبنان خلال السنوات الماضية. تقول: "توجهت إلى المسشفى سريعًا. كنت سعيدة بأنني سأتلقى علاجي في الموعد المحدد". أخيرًا، تمكنت من تأمين الدواء عبر أحد الأشخاص الذي اشتراه لي من تُركيا. فالدواء مفقود في لبنان، وتأخير الجلسة سينعكس سلبًا على صحتي.
أفرغوا الدواء في المصل، بدأنا كل التجهيزات للجلسة، لحظات وتحول الدواء إلى فقاعات صغيرة، وتجمّع على نفسه وتكاثف كقطعة دائرية بيضاء اللون. فصرخت الطبيبة "الدواء مغشوش".  
شعرت أن الحياة توقفت فجأة، خصوصًا بعد أن قالت الطبيبة: "هذا الدواء كان من الممكن أن يؤدي إلى موتك". غادرت المستشفى ولم أتلق علاجي يومها".
تضيف: "اشتريت الدواء بـ900 دولار أميركي، أصدقائي جمعوا لي هذا المبلغ، كانت لحظات قاسية جدًا، لم يكن العلاج متوفرًا لمرضى السرطان وكنت أشعر وكأن الموت يقترب مني أكثر". غادرت إلى مصر وأنا حاليًا في قطر، لم أعد أرغب في العودة إلى لبنان، نحن لسنا أرقامًا، "اليوم أنا أتلقى علاجي في الوقت المناسب وكل الأدوية متوفرة وفعالة".

قصة فاديا واحدة من مئات القصص المشابهة. وقد حركت قضية تهريب الأدوية معاناة مرضى السرطان حين فقدت الأدوية خلال عامي 2022-2023 تحديدًا. وتسجل هذه القضية كواحدة من أكبر الجرائم الأخلاقية. ففي السنوات الخمس الأخيرة، خسر مئات المرضى حياتهم بسبب فقدان الدواء، وتضاعف المرض لديهم بسبب الأدوية المغشوشة التي اشتروها.


تجار الحقائب و...الموت
"مجزرة بشرية". بهذه العبارة يصف هاني نصار رئيس جمعية بربارة نصار، المخصصة لدعم مرضى السرطان معاناة المرضى في السنوات الماضية. يقول لـ"المدن" "لجأ المرضى إلى تأمين أدويتهم بمساعدة "تجار الحقائب" بسبب فقدان الدواء من وزارة الصحة، دفعوا آلاف الدولارات ولكنهم حصلوا على أدوية غير فعالة". ويؤكد أنه رصد الكثير من الأدوية المزورة التي أعطيت للمرضى، وبعد أن تفشت ظاهرة تهريب الأدوية بشكل علنيّ، عشرات الأشخاص تولوا مهمة تأمين الأدوية المقطوعة من الخارج وباعوها بآلاف الدولارات، وتعاملوا مع شبكة طويلة، وجميع الأدوية لم تخضع لأي فحوص طبية للتأكد من جودتها".

ويتابع: "لاحظنا أن التجار عرضوا خدماتهم أيضًا على غالبية الصيدليات في لبنان ووسعوا نطاق عملهم وباعوا أكبر عدد من الأدوية التي لم يعرف حتى الساعة إن كانت فعالة أو لها أي عوارض أخرى، علمًا أن العديد من المرضى اشتروا من هذه الأدوية لكنهم لم يحصلوا على أي نتيجة وازدادت حالتهم سوءًا".

التسبب بالموت
في حديث خاص لـ"المدن" يشرح الدكتور جان الشيخ، المتخصص في سرطان الدم، خطورة الدواء المهرب، ويقول: "قد يكون له عوارض جانبية سلبية، ومن الممكن أن يؤدي إلى الوفاة". مؤكدًا أن كل الأدوية المهربة بشكل عشوائي لم تخضع لأي فحص مخبري، ولم تمر على وزارة الصحة، وبالتالي من شأنها مضاعفة المرض،وأن تتسبب في الوقاة". 

ويصف السنوات الماضية بأنها حقبة سوداء أدخلت المرضى بنفق أسود، فهم كانوا بحاجة إلى أي دواء خوفًا من الموت، كما أن والد أحد المرضى وهو سائق سيارة أجرة، باع سيارته لشراء الدواء لابنه، وتبيّن في المستشفى أن الدواء مزور.

ويضيف الدكتور الشيخ: "في تلك الفترة وزارة الصحة كانت غائبة بسبب انشغالها بأزمات أخرى، ولم يكن هناك أي رقابة على الأدوية، لجأ المرضى إلى وسائل بديلة عبر تأمين الأدوية من خلال ما يعرف بتجار الحقائب، أي الذين يؤمنون الدواء من الخارج ويهربونه في حقائبهم، لذلك لم نعرف طبيعة الأدوية التي وصلت إلى لبنان وأعطيت للمرضى، وهناك الكثير منها لم تكن فعالة، لذلك رفضنا في الجامعة الأميركية اعطاء أي دواء غير مرخص للمريض حفاظًا على حياته. معاناة المرضى كانت ثقيلة، ومسؤولية الدولة هي تأمين العلاج للمرضى، إذ من المعيب أن يلجأ أي مريض لوسائل الاعلام ليجمع المال لإجراء عمليته".

جرس الأمل
في المقابل، يشير الدكتور الشيخ إلى أنه وبالرغم من انتشار السرطان في لبنان بشكل كبير لكن نسبة الشفاء من المرض ارتفعت لأكثر من 80 بالمئة، وبات متوفرًا اليوم العلاج المناعي المتطور جدًا. مؤكدًا أن "السرطان بات شبيهًا بأي مرض آخر ولا يسبب الموت في حال تم تشخيصه بشكل دقيق، وخضع المريض لعلاج مناسب وصحيح وفي وقته المحدد".


على أي حال، لا يزال "جرس الأمل" مرفوعًا على الحائط في المستشفيات، بالقرب من غرف مرضى السرطان. HOPE BELL، أو ما يسمى بجرس الأمل والشفاء، الجرس الحديديّ الضخم، الذي يطرقه كل من شفي من مرض السرطان. صوته كأنشودة للمرضى، أو كصلاة الأمور المستحيلة الناجزة، التي يعلن بعدها عن تخلص المريض من السرطان. بالرغم من كل هذه المعاناة، لا يزال هذا الصوت مرفوعًا ومسموعًا، إذ يؤكد الشيخ أن هذه اللحظة تمثل الانجاز في لبنان ولا زلنا حتى اليوم نطرق هذا الجرس بقوة وأمل ليحتفل المريض بشفائه.

 وعليه، تتجه الأنطار اليوم نحو القضاء اللبناني المعني الأول بمحاسبة كل أفراد الشبكة، من المتورطين إلى المحميّين سياسيًا. فالجريمة هنا لم تكن تهريبًا اعتياديًا، بل تجارة مكشوفة بأرواح الناس. والمطلوب اليوم عدالة لا تساوم، وإجراءات تردّ بعضًا من الحق لمرضى خذلتهم دولتهم في أكثر مراحلهم ضعفًا.