ما خبايا تَلاقي «حزب الله» وإسرائيل على «طرْد» اليونيفيل؟

ما خبايا تَلاقي «حزب الله» وإسرائيل على «طرْد» اليونيفيل؟

image

الراي- يَمْضي لبنان في صراعٍ قديمٍ - جديدٍ بين «الدولة واللادولة»، وكأنّ البلادَ المسكونةَ بالأحلام والكوابيس مازالت كالعربةِ التي يشدّها حصانان في اتجاهيْن متعاكسيْن، وعلى متنها أثقال الماضي الرهيب التي دفعتْ الموفد الرئاسي الفرنسي الفرنس جان - إيف لوريان، الذي يزور بيروت الآن، إلى التحذير يوماً من انزلاقِ «بلاد الأرز» إلى ما يشبه «التايتانيك» لكن من دون... موسيقى.

ففي الوقت الذي كان رئيس الجمهورية جوزاف عون، يُجْري في عَمان محادثاتٍ «دولاتية» مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حول دعم الجيش ومشكلة النازحين ومواجهة الإرهاب، وكان رئيس الحكومة نواف السلام يتنقّل بين مؤتمرٍ في فينيسيا عن الاستثمار وآخَر في السرايا عن إعمار لبنان، كان وهجُ السلاح غير الشرعي يوجّه صفعةً لجنودِ حفظ السلام في جنوب لبنان، الذين غالباً ما كانوا شهودَ عيان على الاعتداءات الإسرائيلية على مدى أقلّ من نصف قرن بقليل.

وتحوّلت اعتداءاتُ مناصري «حزب الله» على قوة «اليونيفيل» وعناصرها ومحاولاتُ اعتراضِ دورياتها ظاهرةً أمنية - سياسية آخِذة بالتعاظم أقله منذ نحو أسبوعين، بالتزامن مع كلامٍ إسرائيلي بـ «مكبرات الصوت»، يتردد صداه في الولايات المتحدة، عن الحاجة إلى إنهاء مَهمة رجال القبعات الزرق في جنوب لبنان، الأمر الذي جعل القوةَ الدوليةَ واقعياً «بين ناريْن» في ملاقاةِ اختبار التجديد السنوي لها نهاية أغسطس المقبل.

دويُّ «الكفّ»

وفي الوقت الذي كان دويُّ «الكفّ» الذي تَعَرَّضَ له أحد جنود دوريةِ «اليونيفيل» في منطقةٍ تقع بين بلدتيْ دبر قانون النهر والحلوسية في قضاء صور يتردّد على مستويات عدّة، توغّلت الأوساط السياسية والدبلوماسية في التحريات عن «الأسباب الموجبة» التي يمكن أن ترجّح كفة الدفْع الإسرائيلي نحو طيِّ صفحة القوة الدولية، وعمرها من عمر القرارين 425 و 426 (مارس 1978 عقب اجتياح العام نفسه)، والتي تحوّلتْ «الذراعَ التطبيقية» للقرار 1701 الذي عزّز دورها وعديدها.

وبحسب هذه الأوساط، فإن أيّ «انقلاب» على «اليونيفيل»، سواء بفيتو أميركي على التجديد لها في مجلس الأمن حين يحين الموعد بعد أقلّ من 3 أشهر، أو «متخفّياً» برغبة واشنطن في خفْض مساهمتها في ميزانية الأمم المتحدة ما سيعني خنْق القوة الدولية مالياً، سيكون مدججاً بحيثيات عميقة أبرزها:

- محاولة الضغط لترتيباتٍ أمنية مباشرة بين لبنان وإسرائيل من دون «قبّعة دولية» أو وسيط أممي، على قاعدة أن «الطبيعة لا تحبّ الفراغ» الذي سيخلفه غياب «اليونيفيل» ولن تملأه إلا فوضى، وهو ما ستعتبره تل أبيب بمثابة win-win situation.

- أو ربما الانتقال إلى صيغةٍ بديلة عبر قوةٍ شبيهة بـ «متعددة الجنسية»، سواء تحت الفصل السابع بحال كان ذلك متاحاً عبر مجلس الأمن، أو تحت راية اللجنة الخماسية وآلية المراقبة (المكانيزم) المولجة متابعة تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف الأعمال العدائية (27 نوفمبر).

من هنا، تحذّر هذه الأوساط من «ممارسات طائشة» من شأنها إرساء «تَخادُم» ضمني بين إسرائيل و«حزب الله» على هدف واحد، وإن كلٌّ من منطلقه، وسط انطباعٍ بأن تمادي بيئة الحزب في التحرّش بـ «اليونيفيل» يَرْمي إلى أمرين متوازييْن:

أولاً توجيه رسالة بـ «عدم الاكتراث» لنيات تل أبيب، وربما واشنطن، في إنهاء مهمة القبعات الزرق وتالياً إعطاء إشارة حتى إلى لبنان الرسمي بعدم الدخول في لعبة ابتزازٍ وتنازلاتٍ لقاء الإبقاء عليها تكون «من كيس» الحزب وتحديداً لجهة الإسراع في سحْب سلاحه.

وثانياً التحذير من أن أي تطويرٍ لمهمات القوات الدولية في قرار التجديد المرتقب لها عبر منْحها المزيد من صلاحيات التفتيش وتعزيز حرية حركتها بمعزل عن الجيش اللبناني سيجعل عناصر نحو 50 دولة يشاركون فيها بمثابة «رهائن».

وكان إشكال وقع أمس بين عدد من الشبان ودورية تابعة لـ «اليونيفيل» أثناء قيامها بأعمال بحث في منطقة الفوار، وذلك بسبب عدم مرافقة الجيش اللبناني لها، ما أدى إلى تلاسن وتطوّر الأمر إلى تضارب وصفْع أحد جنود القوة الدولية على وجهه.

ولاحقاً حصل إشكال بين شبّان من بلدة دير قانون النهر وعناصر من الجيش اللبناني مّا أدى إلى وقوع إصابات.

وفي التفاصيل أنه بعد الاصطدام مع «اليونيفيل»، وصل الجيش اللبناني لفضّ الإشكال. وبعدما نسيت الدورية جهازاً في المنطقة التي كانت دخلتْ إليها، وعندما حاولتْ العودة لاسترداده اعترَضها الأهالي، فتدخّل الجيش طالباً من القوة الدولية المغادرة على أن يدخل هو لإحضار الجهاز، لكنّ الأهالي رفضوا أيضاً، فوقع الإشكال.

وأعلنت «اليونيفيل» في بيان، أنه «بينما كان جنود حِفظ سلام يقومون بدورية مُخطَّط لها بالتنسيق مع الجيش اللبناني، جُبهوا من مجموعة من الأفراد بملابس مدنية في محيط الحلّوسية التحتا، جنوب لبنان. وحاولت المجموعة عرقلة الدورية باستخدام وسائل عدوانية، بما في ذلك رشق جنود حفظ السلام بالحجارة. وتعرّض أحد الجنود للضرب، ولحسن الحظ لم تُسجّل أي إصابات».

أضاف البيان: «ورداً على ذلك، استخدم عناصر اليونيفيل تدابير غير فتّاكة لضمان سلامة أفراد الدورية والموجودين فيها. وبُلّغ الجيش اللبناني على الفور، ووصل إلى موقع الحادث بعد ذلك بوقت قصير. وتمت السيطرة على الوضع بسرعة، وتمكّنت الدورية من مواصلة عملها».

وأكد أن «حريّة الحركة تُعدّ شرطاً أساسياً لتنفيذ ولاية اليونيفيل، ويشمل ذلك القدرة على العمل باستقلالية وحياديّة، كما هو مُبيّن في قرار مجلس الأمن 1701. ويُعدّ أي تقييد لهذه الحرية - سواء أثناء القيام بأنشطة عملياتية مع الجيش اللبناني أو من دونه - انتهاكاً لهذا القرار»، معتبراً أن «من غير المقبول استمرار استهداف جنود حفظ السلام»، وداعياً السلطات اللبنانية إلى«اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان أداء قوات حفظ السلام لمهامها من دون عوائق أو تهديد».

وفي حين تحدثت تقارير عن أن الجيش كان يلاحق المعتدين على «اليونيفيل»، أعرب سلام، عن إدانته بأشدّ العبارات «الاعتداءات المتكرّرة على قوّة الأمم المتّحدة الموقّتة في لبنان»، ورأى أنّ «هذه التصرّفات تعرّض أمن واستقرار جنوب لبنان وأهله للخطر، وتمسّ بالمصلحة الوطنيّة».

وأكّد أنّ «لبنان حريص على التّجديد لقوّات اليونيفيل، بما يضمن المضي في تطبيق القرار 1701، والحفاظ على الأمن والاستقرار على الحدود الجنوبيّة»، وطلب من الأجهزة المعنيّة «ضرورة التحرّك لوقف المعتدين على قوّة الطّوارئ الدّوليّة، وإحالتهم إلى القضاء المختص».

كما دانت وزارة الخارجية «الاعتداء على عنصر من اليونيفيل»، داعية إلى «محاسبة المسؤولين عن هذا الاعتداء المخالف للقوانين اللبنانية والدولية»، ومؤكدة «تمسك لبنان بدور هذه القوات، ودعم عملها وولايتها ومهامها وفق القرار 1701 بغية المساعدة على حفظ السلم والأمن في جنوب لبنان».

قمة لبنانية - أردنية

في موازاة ذلك، توافق الرئيس اللبناني والعاهل الأردني على «أهمية تعزيز العلاقات ومواصلة البناء عليها بما يخدم المصالح المشتركة والقضايا العربية ويحقق استقرار المنطقة».

وإذ أكد عون وعبدالله الثاني خلال لقاء القمة والمحادثات الموسعة التي عقداها ظهر أمس في قصر بسمان في العاصمة الأردنية على «مواصلة التنسيق والتشاور حيال مختلف القضايا، وتكثيف العمل لإيجاد حلول سياسية لها»، شددا على «أهمية التعاون الأمني والعسكري لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المواد المخدرة، وتعزيز التنسيق الأمني وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية وقررا العمل على تشكيل آلية تنسيق عليا بين البلدين في عدد من القطاعات».

وأكدا «رفضهما أي مخططات لتهجير الفلسطينيين، وضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية الكافية لكل المناطق وتكثيف الجهود العربية والدولية للتوصل إلى السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين».

وفي حين شدد عون في ما خص ملف النازحين السوريين، بحسب البيان الذي صدر عن الرئاسة اللبنانية، على «أهمية التنسيق وتبادل الخبرات في إدارة هذا الملف، مع التركيز على ضرورة تسهيل العودة الآمنة لهم والطلب إلى المنظمات الدولية تقديم المساعدات المادية والعينية لهم في سورية وليس في البلدان التي تستضيفهم بهدف تشجيعهم على العودة وتوفير مقومات الحياة لهم خصوصاً بعد القرار الأميركي برفع العقوبات عن سورية»، لفت البيان الذي صدر عن الديوان الملكي الهاشمي حول القمة الى أن المحادثات تطرقت إلى «أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في سورية، الأمر الذي سيساعد في تسهيل عودة اللاجئين الطوعية والآمنة إلى وطنهم».

وذكّر عون بـ «موقف لبنان الملتزم بتطبيق القرار 1701، في وقت تواصل إسرائيل اعتداءاتها على القرى الجنوبية وعلى الضاحية الجنوبية من بيروت»، مشيراً إلى «أن الجيش اللبناني انتشر في القرى والبلدات التي تقع جنوب الليطاني ونفذ اجراءات ميدانية تطبيقاً لقرار حصرية السلاح، لكن استمرار احتلال إسرائيل للتلال الخمس وانتهاك الاتفاق يعرقلان استكمال انتشار الجيش حتى الحدود ما يبقي التوتر قائماً».

من جهته، أكد عبدالله الثاني وقوف الأردن إلى جانب لبنان في جهوده للحفاظ على أمنه واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه، لافتاً إلى «خطورة استمرار التصعيد غير المسبوق الذي يستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية، والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس».

لودريان

وكادت هذه الحركة الكثيفة أن تحجب الأنظارَ عن محادثات لودريان في بيروت والتي اكتسبت أهميتها سواء بفعل شراكة فرنسا في رعاية وعضوية اللجنة الخماسية التي انبثقت من اتفاق وقف الأعمال العدائية بين «حزب الله» وإسرائيل ويترأسها جنرال أميركي، أو لدورها كـ «رافعة» دولية مولجة وضع إطار لملف إعادة الإعمار الذي سيكون محور مؤتمر ستدعو إليه باريس بعد أشهر، ناهيك عن موقفها الراسخ في دعم دور «اليونيفيل» ورفض أي مساعٍ لإنهاء مهمتها.

وبدأ لودريان محادثاته بلقاء مع سلام حيث «جرى عرض للمستجدات السياسية والاقتصادية الراهنة والتطورات في الجنوب في ضوء استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، إضافة الى العلاقات الثنائية».

وفي الاجتماع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري تم التطرق، بحسب المكتب الإعلامي للأخير، إلى «الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والميدانية في ضوء مواصلة إسرائيل احتلالها لأجزاء من الأراضي اللبنانية واستمرار اعتداءاتها وخروقها لاتفاق وقف النار وبنود القرار 1701 وعدم تعاونها مع اللجنة الخماسية الموكل إليها تطبيق اتفاق وقف النار والقرار 1701».

وتطرق اللقاء أيضاً «إلى ملف إعادة الإعمار والمسار الإصلاحي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي»، وأكد بري «التزام المجلس النيابي بانجاز كافة التشريعات الإصلاحية المطلوبة»، مشدداً على «وجوب المباشرة في ورشة إعادة إعمار ما تسبب به العدوان الإسرائيلي على لبنان».

وحول التمديد لـ «اليونيفيل»، حرص بري على «الجهد الفرنسي لمؤازرة لبنان في التصدي للمؤامرة التي تحاك على القوة الدولية للنيل منها ومن لبنان وجنوبه».