عدم تجديد تفويض «اليونيفيل» – آب 2025: بين ضغط واشنطن وفراغ أمني يخدم إسرائيل

عدم تجديد تفويض «اليونيفيل» – آب 2025: بين ضغط واشنطن وفراغ أمني يخدم إسرائيل

image


عدم تجديد تفويض «اليونيفيل» – آب 2025: بين ضغط واشنطن وفراغ أمني يخدم إسرائيل
تجربة القوات الدولية  طوال 18 عاماً أثبتت فشلها في منع الحزب من تعزيز وجوده العسكري

نخلة عضيمي - "نداء الوطن"

مع اقتراب موعد تجديد تفويض اليونيفيل في أواخر آب 2025، يزداد المشهد تعقيداً وسط تحوّلات ما بعد حرب 2024، التي أعادت خلط الأوراق الميدانية والسياسية في الجنوب. ورغم الاجماع اللبناني الرسمي على ضرورة التجديد من دون تعديل جوهري، يبرز هذه المرة سيناريو معاكس، وتحديداً إسرائيلي، تسعى فيه إسرائيل لعدم التجديد، مدفوعة بمواقف دولية متشددة تسعى لإعطاء دفع أقوى لـ «اليونيفيل»، مصحوباً بتداعيات استراتيجية تهدد بنهاية معادلة القرار 1701.
يترافق كل ذلك مع اعتداءات على «اليونيفيل» وكأن هناك قوى داخلية تلعب بالنار وصولاً إلى تحقيق الرغبة الإسرائيلية بعدم التجديد . فكيف يمكن فهم الاعتداء على دوريات «اليونيفيل» قبيل قرار التجديد وفي خضم الضغط الدولي؟ وكيف لـ «مجموعة بلباسٍ مدنيّ معروفة الانتماء أن تتعرّض لدورية في جنوب لبنان وترشق الجنود بالحجارة»؟

من التعديل إلى الانسحاب!

ترى كل من واشنطن وتل أبيب أن تجربة «اليونيفيل» طوال 18 عاماً أثبتت فشلها في منع «حزب الله» من تعزيز وجوده العسكري جنوب نهر الليطاني، حيث كشفت حرب 2024 عن شبكة واسعة من الأنفاق والمراكز القتالية التي لم ترصدها القوات الدولية أو لم تبلغ عنها. وعلى هذا الأساس، صعّدت الإدارة الأميركية خطابها، فطالبت بتفويض أكثر صرامة لـ «اليونيفيل»، يشمل حرية حركة غير مقيّدة، وإمكانية التحرك من دون تنسيق مع الجيش اللبناني، وربما صلاحيات رقابية على المعابر والحدود.

الموقف اللبناني، الذي يصرّ على التنسيق الكامل بين «اليونيفيل» والجيش، ورفض أي تعديل يكرّس تدخلاً أحادياً للقوة الدولية، واجه رفضاً أميركياً صريحاً. فهل ذلك سيكون بمثابة تمهيد لعدم التجديد ما لم تُقبل الشروط الجديدة؟ وهل ستستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الأمن؟ هذا التوجه يجد دعماً إسرائيلياً قوياً، إذ تعتبر إسرائيل أن الإبقاء على تفويض «اليونيفيل» بشكله الحالي يعرقل حرية تحركها ويُغطّي على وجود مسلح لـ «حزب الله» تعتبره تهديداً مباشراً.

سيناريو الفراغ

في حال تعذّر التوافق داخل مجلس الأمن على تمديد التفويض، يصبح خيار عدم التجديد واقعاً. هذا السيناريو يفتح الباب أمام أخطر تحوّل أمني في جنوب لبنان منذ 2006: انسحاب قوات «اليونيفيل» دون خطة بديلة واضحة، وترك الجنوب لمعادلة ميدانية جديدة يفرضها الطرف الأقوى عسكرياً – أي إسرائيل.

بحال غياب «اليونيفيلً، يمكن لإسرائيل، بذريعة حماية حدودها، أن تعمد إلى فرض “منطقة أمنية عازلة” داخل الأراضي اللبنانية بعمق قد يصل إلى 15 كلم، مستخدمةً تفوقها الجوي والتكنولوجي لتأمين حرية حركة كاملة لقواتها البرية والجوية. وقد يُسوّق هذا التطور دولياً كـ ”ضرورة أمنية موَقتة” لحين بسط الدولة اللبنانية سيطرتها أو انتشار قوة بديلة.

أمام هذه المعادلة، تبدو واشنطن مصمّمة على استثمار الاستحقاق لدفع الدولة اللبنانية نحو قرار التسريع بفرض واقع جديد على الأرض. فهي تدفع باتجاه تحميل الحكومة مسؤولية ضبط الجنوب، وربط بقاء «اليونيفيل» بتحقيق “تقدم ملموس” في تنفيذ الشق الأمني من القرار 1701، أي نزع سلاح «حزب الله».

ومن هنا ، تطور الخطاب الأميركي من الحديث عن تعديل قواعد الاشتباك، إلى الطعن بجدوى التفويض نفسه، في ظل ما تصفه بـ ”الشلل السياسي والرضوخ العسكري” في لبنان. وهذا النهج لا يهدف فقط إلى تغيير مهمة «اليونيفيل»، بل أيضاً إلى فرض أمر واقع سياسي: إما مواجهة سلاح «الحزب»، أو التخلي عن الغطاء الدولي.

توازن هش لا يُعوّل عليه

في المقابل، تبدي فرنسا – بصفتها الدولة الحاملة للقلم – حرصاً على التمديد التوافقي، وتعارض إلغاء المهمة خشية تفجّر الوضع. كما أن روسيا والصين، ورغم تفهّمهما للهواجس اللبنانية، قد لا تكونان في موقع تعطيل القرار الأميركي باستخدام الفيتو المعاكس، خاصة إذا صيغ القرار الجديد كمسألة أمن دولي لا تخص لبنان وحده. وهذا ما يُضعف من إمكانية رهان بيروت على لعبة التوازنات داخل مجلس الأمن.
هذا مع العلم أن مجلس الأمن الدولي كان صوّت في آب 2023 لصالح قرار جدد من خلاله ولاية قوة «اليونيفيل»، بتأييد 13 عضواً وامتناع روسيا والصين عن التصويت، بعد أن أكد القرار الجديد وقتها وحمل الرقم 2695، أن بعثة حفظ السلام في الجنوب اللبناني «لا تحتاج إلى إذن مسبق أو تصريح للقيام بالمهام المنوطة بها، وأن «اليونيفيل» مخولة بإجراء عملياتها بشكل مستقل، مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية».

الجنوب على فوهة فراغ أمني

إذا لم يُجدد تفويض «اليونيفيل»، سيتحوّل الجنوب سريعاً إلى ساحة تماس مفتوح. وقد تسارع إسرائيل إلى ملء الفراغ جزئياً عبر طلعات مكثّفة، وربما عمليات برية محدودة، بدعم استخباراتي وتقني مكثف. وفي المقابل، قد تزداد تعقيدات المواجهة بين «حزب الله» والقوة الغازية، ما يعيد الجنوب إلى منطق “الأمن بالردع” بدل “الأمن بالمراقبة”، ويعرّض الاستقرار الهش لخطر الانفجار الدائم.

تجديد بالشروط السابقة صعب وإلا...

رغم الجهود اللبنانية الحثيثة لتأمين التمديد “بشروط بيروت”، فإن المؤشرات الميدانية والدبلوماسية تطرح بجدية كل الاحتمالات حيال تجديد تفويض «اليونيفيل» في آب 2025. فمواقف واشنطن وتل أبيب تجاوزت حدود التحفظ إلى الإملاء، واعتبرت «اليونيفيل» غطاءً غير فعّال لواقع ميداني يكرّسه «حزب الله».


ومع تراجع الدعم السياسي الدولي للتمديد التقليدي، وغياب الإرادة لتوفير مخرج توافقي، وفي ظل استمرار «حزب الله» متسلحاً بالأهالي بالاعتداء على دوريات «اليونيفيل»، يبدو أن ساحة الجنوب تتجه نحو تحوّل جذري. والخوف أن توصل تحركات «الحزب» معطوفة على القرار الدولي الحاسم بتعزيز دور «اليونيفيل» إلى واقع خطير حيث تملأ إسرائيل فراغ القوة الدولية بمناطق أمنية ذاتية الصنع، ويُعاد خلط أوراق القرار 1701، ليبدأ لبنان مرحلة ما بعد «اليونيفيل» وسط توازنات محلية ودولية أكثر هشاشة وأشد خطورة.