زيادة الاستهلاك ترفع عجز الميزان التجاري اللبناني
تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار على هشاشته سمح برفع معدّلات الاستهلاك
علي نور الدين- المدن
أظهرت أرقام الاستيراد والتصدير التي تنشرها إدارة الجمارك اللبنانيّة أثر التحوّلات السياسيّة الأخيرة، على العجز في الميزان التجاري. فالاستقرار الأمني النسبي بعد تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار، على هشاشته الشديدة، سمح بعودة معدّلات الاستهلاك للارتفاع، بعدما شهدت ضمورًا ملحوظًا خلال العام الماضي، إبّان الحرب الإسرائيليّة على لبنان.
وفي النتيجة، عادت أرقام الاستيراد للارتفاع، وبكميات تفوق الزيادة في أرقام التصدير، وهو ما رفع العجز في الميزان التجاري، أي في الفارق السلبي ما بين أرقام الصادرات والواردات. ومن المتوقّع أن يرتفع هذا العجز خلال الفصل الجاري، مع زيادة الاستهلاك في موسم الاصطياف، وإن أسهم إنفاق المغتربين الوافدين في التعويض عبر ضخ كميّة موازية من العملة الصعبة في السوق.
تحوّلات الاستيراد والتصدير
وحسب أرقام الجمارك اللبنانيّة، بلغت قيمة السلع المستوردة خلال الأشهر الأربعة الاولى من هذا العام نحو 6.22 مليار دولار أميركي، ما يمثّل زيادة نسبتها 14% قياسًا بالفترة المماثلة تمامًا من العام الماضي. ومن البديهي الافتراض أن السبب الأساسي لتبدّل قيمة الاستيراد مرتبط بالهدوء النسبي الذي يشهده لبنان هذا العام، مقارنة بالفصل الأوّل من العام الماضي، الذي شهد بدايات تصاعد الاشتباكات في جنوب لبنان.
مع الإشارة إلى أنّ متوسّط سعر برميل النفط (خام غرب تكساس) خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الراهن لم يتجاوز 70 دولاراً أميركياً، قياسًا بأقل من 83 دولاراً أميركياً خلال الفترة المماثلة من العام الماضي. وهذا ما يعني أنّ قيمة الواردات غير النفطيّة شهدت ارتفاعًا كبيرًا هذه السنة، وبما يكفي للتعويض عن الانخفاض في قيمة الواردات النفطيّة جرّاء انخفاض أسعار مصادر الطاقة.
في جميع الحالات، تشير أرقام الجمارك أيضًا إلى أنّ قيمة الصادرات اللبنانيّة ارتفعت خلال هذا العام إلى 1.16 مليار دولارأميركي، في الأشهر الأربعة الأولى من العام، مقارنة بـ982 مليون دولار أميركي خلال الفترة المماثلة من السنة الماضي. وهذا ما يمكن ربطه أيضًا بتأقلم المصدّرين مع خطوط الشحن العالميّة الجديدة، بعد كل الأضرار التي تعرّضت لها خطوط الشحن خلال العام الماضي. وفي النتيجة، يمكن القول أنّ قيمة الصادرات اللبنانيّة شهدت زيادة بنسبة 18.13% بين الفترتين، جرّاء هذا العامل.
في خلاصة الأرقام، كانت الزيادة في قيمة الواردات أعلى من زيادة الصادرات، وهو ما رفع إجمالي العجز في الميزان التجاري إلى 5.06 مليار دولار أميركي خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة، مقارنة بـ4.48 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من السنة الماضية، ما يعكس زيادة بنسبة 13% بين الفترتين المتماثلتين.
على الصعيد الشهري، كان من الواضح أن حجم الاستيراد ذهب بمنحى تصاعدي، مع اقتراب موسم الاصطياف. فحجم الواردات لم يتجاوز 1.54 مليار دولار خلال شهر آذار، بينما ارتفع إلى حدود 1.84 مليار دولار خلال شهر نيسان، ما عكس زيادة بنسبة 19.3% بين الشهرين. وبشكل عام، يمكن القول أنّ هذا التغيّر يمثّل نمطًا معتادًا شهده لبنان على مرّ السنوات الماضية، بحيث ترتفع معدلات الاستيراد مع تزايد الاستهلاك خلال فصل الصيف.
أبرز الشركاء التجاريين
في ما يخص الشركاء التجاريين، احتلّت الصين المرتبة الأولى من بين الدول التي يستورد منها لبنان السلع والخدمات، وبنسبة تقارب 10.1% من إجمالي الواردات. وحلّت اليونان في المرتبة الثانية بنسبة 9.5%، ثم مصر بنسبة 8%. أمّا أبرز المنتجات المستوردة، فتمثّلت بـ"المنتجات المعدنية" (تشمل المنتجات الطبيعيّة المُستخرجة مثل النفط والوقود والمعادن غير المعالجة)، حيث شكّلت هذه المنتجات 26.32% من إجمالي الواردات، بقيمة بلغت 1.64 مليار دولار أميركي. وتلتها منتجات اللآلئ والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة، بنسبة 16.80% وبقيمة 1.04 مليار دولار أميركي. ثمّ منتجات الصناعات الكيميائية أو المتصلة بها بنسبة 8.20% وبقيمة 510 مليون دولار أميركي.
على صعيد الصادرات، احتلّت سويسرا المرتبة الأولى، من بين الدول التي استقبلت الصادرات اللبنانيّة، بنسبة بلغت 24.48% من إجمالي الصادرات، وبقيمة قاربت 284 مليون دولار أميركي. ثم تلتها الإمارات العربيّة المتحدة بنسبة 17%، وبقيمة 195 مليون دولار أميركي، وبعدها سوريا بنسبة 4% وبقيمة 47 مليون دولار أميركي. أمّا أبرز السلع المُصدّرة من لبنان، فكانت اللآلئ والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة، بنسبة 39% من إجمالي الصادرات، وبقيمة 452 مليون دولار أميركي.
وعليه، يتّضح أن جزءًا كبيرًا من الواردات والصادرات اللبنانيّة يتشكّل من عمليّة توريد المجوهرات ومعالجتها، ثم تصديرها من جديد. وهذا ما يفسّر حلول سويسرا والإمارات العربيّة المتحدة في المرتبة الأولى، من حيث وجهة التصدير، إذ تهيمن تجارة المجوهرات على معظم تبادلات لبنان مع الدولتين. ورغم أهميّة هذه التجارة، من المهم التنويه إلى أنّ العمل الصناعي المرتبط بها لا يؤمّن سوى قيمة مضافة محدودة، بالنظر إلى هامش الربح الضئيل المتأتّي من إعادة تصنيع هذه المنتجات.