هل تتراجع الحكومة عن ضريبة المحروقات قبل أن تشعل الشارع والأسعار؟
البحث في خيارات أخرى لتمويل المنح للعسكريين...
سلوى بعلبكي- "النهار"
تشكل عبارة "لا ضريبة من دون نص قانوني" أحد أعمدة التشريع الضريبي في الدول الحديثة، ومبدأ قانونيا تبنى عليه وتنبثق منه التشريعات والنظم الضريبية. وحيث يغيب النص والتشريع، تحضر الشعبوية والقرارات الفوضوية، لتأتي النتائج عكس ما ابتغى المقررون، أسوة بما حصل مع مجلس الوزراء في قراره الأخير، إذ فرض ضريبة إضافية على المحروقات من دون تشريع يجيز له ذلك.
القرار الذي بررته الحكومة بحاجتها إلى تغطية منحة مالية للأسلاك العسكرية ومتقاعديها، ووجه بانتقادات عدة لعدم قانونيته، ومخالفته الدستور والقانون وأبسط قواعد الحوكمة والإدارة الرشيدة. ومن جهة أخرى، قوبل بحملة نقابية وشعبية رفضت فرض أي رسوم ضريبية جديدة على المواطنين، وخصوصا المحروقات، في ظل الظروف والأوضاع الاقتصادية غير المؤاتية.
ولطالما كانت الضرائب والرسوم على المحروقات مادة "مشعلة" للشارع، والأسعار على حد سواء. ولطالما تعرضت الحكومات في لبنان لانتقادات واسعة، وحركات شعبية ونقابية في الشارع، رفضا لأي زيادة على البنزين الذي يلهب أسعار النقل والشحن، وعلى المازوت الذي يشعل أسعار التصنيع وفواتير المولدات، ويقلص قدرة أهل الريف وقاطني الجبال على توفير التدفئة.
فبحجة تغطية منح مالية شهرية للعسكريين بقيمة 14 مليون ليرة لمن هو في الخدمة الفعلية و12 مليونا للمتقاعد، قرر مجلس الوزراء زيادة الضريبة على استهلاك المحروقات بتجميد أسعارها على مستويات أعلى من ذلك الذي يفترض أن تبلغه مع انخفاض الأسعار العالمية، بما أدى إلى زيادة بنسبة 7% على البنزين، و14% على المازوت.
قرار مجلس الوزراء نص على "اعتماد أسعار المحروقات السائلة (باستثناء الغاز السائل والبوتان والبروبان والفيول أويل بنوعيه)، على القيم التي كانت معتمدة في تاريخ تشكيل الحكومة في 8 شباط/فبراير 2025، على أن يدرج فارق انخفاض الأسعار العالمية "ضمن خانة المعاملات الجمركية في جدول تركيب الأسعار".
وما إن صدر القرار حتى انتفض الاتحاد العمالي العام وقطاعات النقل التي كان يفترض أن تتحرك أمس ميدانيا قبل أن يتم الاتفاق على معالجة الموضوع في اجتماع عقد عشية التحرك في السرايا. وعلم أن ثمة إمكانا للتراجع عن الضريبة والبحث في خيارات أخرى لتمويل المنح للعسكريين من خلال الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على الأملاك البحرية والنهرية.
توازيا، برز طعنان بالقرار أمام مجلس شورى الدولة، الأول قدمه "التيار الوطني الحر" بالبند الثاني من القرار رقم 6 المتعلق بالضريبة على المحروقات فقط، فيما تقدم حزب "القوات اللبنانية" بطعن آخر بقراري المنح للعسكريين والضريبة على أسعار المحروقات. وارتكز الطعن على "مخالفة القرارين لأحكام الدستور، ومبدأ مشروعية الضريبة، ومبدأ شمول الموازنة، واختصاص السلطة التشريعية، ومبادئ العدالة الاجتماعية، إذ تضمّنا تحميل فئات واسعة من المواطنين أعباء مالية إضافية من خلال فرض ضرائب مقنّعة، في حين مُنحت فئات أخرى مساعدات مالية شهرية، ما يضرب مبدأ المساواة بين اللبنانيين".
ولكن ما مدى قانونية هذه الضريبة؟ تؤكد المحامية جوديت التيني أن "استحداث أي ضريبة أو تعديلها أو ألغاءها لا يكون إلا بقانون يقره مجلس النواب لكونه من الاختصاصات الحصرية المحفوظة (la reserve de la loi) للمجلس سندا إلى المادتين 81 و82 من الدستور. وتاليا، لا يمكن أن تفرض أي ضريبة أو أن تعدل بموجب قرار حكومي أو وزاري أو من أي سلطة أخرى غير مجلس النواب".
أما عن إمكان فرض هذه الضريبة أو تعديلها خارج إطار الموازنة، فاستندت التيني إلى قرار سابق للمجلس الدستوري في شأن الطعن بقانون تمويل سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام سنة 2017 عبر فرض ضريبة خروجا عن الموازنة. إذ أكد المجلس في قراره رقم 5 تاريخ 22/09/2017 أنه "يمكن فرض الضرائب سواء في قانون الموازنة أو في قانون مستقل، وهذا غير مخالف لأصول التشريع، ولكن لا يجوز فرض الضرائب بصورة ظرفية بل في إطار خطة متكاملة تشكل برنامجا إصلاحيا وإنمائيا واقتصاديا واجتماعيا، تضعه الحكومة ويوافق عليه مجلس النواب، بحيث تأتي الضرائب والرسوم وفق متطلبات الخطة الموضوعة، وهذا من جوهر مبدأ التخطيط".
من هنا تؤكد التيني ضرورة دراسة الأثر لهذه الضريبة والجدوى منها قبل فرضها، خصوصا أنه تبين أن هذه الضرائب تغطي أكثر من المنح المخصصة لها.