لانا نجدي - الجمهورية
في كرة السلة، كما في الحياة، هناك لحظاتٌ تُحدّد مصير موسمٍ كامل، وتُعيد ترتيب ملامح الفِرَق والطموحات. وفي بيروت، حيث الرياضي لا يُمثّل مجرّد نادٍ بل حالة جماهيرية وتاريخية، جاءت الضربات الأخيرة موجعة ومقلقة. فإصابة نجمَي الفريق وائل عرقجي وأمير سعود لم تكن مجرّد خبر رياضي عابر، بل تحوّلت إلى صدمة وطنية داخل مجتمع كرة السلة اللبنانية. وغياب قائدَي "القلعة الصفراء"، في مرحلة مفصلية من الموسم قبيل انطلاق نصف النهائي، فتح باب الأسئلة لا على مستقبل الرياضي فحسب، بل على موازين القوة في الدوري اللبناني بأكمله. فهل سيصمد الرياضي تحت وقع الغيابات؟ أم نشهد تحوّلاً درامياً يُعيد رسم الخريطة التنافسية؟
لم يكن ما حدث للرياضي بيروت مجرّد سوء حظ أو مصادفة عابرة. إصابتان مفاجئتان، للقائدَين الأساسيَّين وائل عرقجي وأمير سعود، وضعتا الفريق أمام واحدة من الأزمات المعقّدة في تاريخه الحديث، في لحظة حاسمة من الموسم، وبينما الفريق على أعتاب نصف النهائي.
أمير سعود أولاً... ثم وائل عرقجي
التسلسل يُثير التساؤلات. الأمور بدأت بإصابة أمير سعود بكسر في الأضلاع، إثر مواجهة بدنية عنيفة في المباراة ضدّ هومنتمن. فجاء غيابه عن الملاعب لأسابيع بمثابة صدمة فنية ونفسية، فهو ليس فقط هدّافاً وقائداً، بل حجر أساس في تركيبة الفريق الهجومية. وقبل أن يستفيق الجمهور من الخبر، جاء إعلان غياب وائل عرقجي بسبب تمزّق عضلي من الدرجة الثانية.
لذلك، لا يمكن اعتبار ما حدث محض صدفة؛ فالضغط العالي، الدقائق الكثيفة، والرهان الكامل على العناصر الأساسية من دون مداورة واضحة، كلّها عوامل ساهمت في هذا الانفجار البدني.
تكهّنات تُشعل الجدل
هل أُصيب وائل عن عمد؟ وسط كل هذه الفوضى، بدأت أصوات من داخل الأوساط الرياضية تُشير إلى أنّ إصابة وائل عرقجي قد لا تكون عفوية كما ظهرت.
وتحدّث بعض المتابعين عن تدخّل عنيف ومثير للريبة من اللاعب الصيني خلال المباراة الأخيرة، ما فتح الباب أمام فرضيات تُلمّح إلى نية مبيتة أو استفزاز مباشر أخرج الأمور عن سياق المنافسة الشريفة.
وعلى رغم من عدم وجود دليل قاطع، إلّا أنّ الحدّة التي ظهر بها المشهد، والضرر الذي تسبّب به التدخّل، جعلا من الصعب على البعض اعتبار الأمر حادثاً عابراً.
أزمة حقيقية
لا رفاهية للفرص الفردية، فالرياضي بيروت فريق يُرعب خصومه محلياً، وهو تهديد حقيقي لكل نادٍ لبناني، ويُحسب له ألف حساب في البطولات الوطنية. لكنّه لم يتمكن بعد من فرض هيمنته على المستوى الإقليمي، خصوصاً في البطولات العربية والآسيوية، إذ تظهر الفوارق في العمق الفني والبدني. هذه الثغرات تكشف اليوم هشاشة التوازن في الفريق.
في ظل غياب نجمَيه، قد يرى البعض أنّ الوقت مثالي لبروز أسماء جديدة. لكنّ الواقع يُشير إلى أنّ الفريق في مرحلة لا تحتمل التجارب الفردية أو محاولة خطف الأضواء. فالرياضي لا يملك ترف المجازفة، بل هو مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى باللعب كمجموعة موحّدة، بروح واحدة، وبعقل جماعي يتجاوز الأزمة.
وأي محاولة للظهور الفردي ستكون بمثابة خيانة لمجهود الفريق، وقد تُكلّفه غالياً، خصوصاً أنّ أي خسارة في هذه المرحلة قد تُقصيه عن الحُلم.
المدرب أحمد فران تحت المجهر، حتى في صمته على رغم من أنّه لم يُدلِ بأي تصريح بعد الإصابتَين، إلّا أنّ الصمت بحدّ ذاته رسالة. فهو يدرك حجم التحدّي، ويعرف أنّ أي خطوة خاطئة قد تُنهي الموسم عند هذا المنعطف.
كما أنّ مسؤولياته اليوم أكبر من أي وقت مضى، وتكمن في قراءة جديدة للتشكيلة، تعزيز الانسجام، وإيجاد بدائل حقيقية قادرة على تنفيذ الخطة وليس فقط تعويض الأسماء.
ما الذي ينتظرنا في الدوري الوطني؟
هذه الأزمة لا تقتصر على تأثيرها المباشر على الرياضي فحسب، بل تُعيد تشكيل المشهد العام في الدوري اللبناني لكرة السلة. ذلك أنّ الفرق المنافسة ترى في ضعف التشكيلة الأساسية للرياضي فرصة لكسر الهيمنة التاريخية للفريق الأصفر، ممّا سيشعل الأدوار الإقصائية المقبلة.
فرق مثل بيروت وهومنتمن والحكمة باتت ترى الطريق ممهّداً أكثر للوصول إلى النهائي، خصوصاً في ظل غياب التوازن عند الرياضي.
هاتَان الإصابتَان قد تعنيان أكثر من مجرّد غيابَين، بل تمثلان لحظة فارقة في شكل الدوري هذا الموسم، إذ من المحتمل أن نشهد مفاجآت لم تكن لتحدث لولا هذا الانهيار البدني في صفوف أحد أقوى فرق البطولة.
بين الألم والفرصة
الرياضي أمام لحظة الحقيقة في بيروت، الجميع يترقّب. ليس لأنّ الفريق ينقصه لاعب أو اثنين، بل لأنّ الأزمة كشفت هشاشة الاعتماد الكلي على قلة من اللاعبين. ما ينتظر الرياضي في نصف النهائي سيكون اختباراً للهوية، للروح، وللقدرة على النهوض من تحت الركام.