ورشة عمل في السراي حول رواتب القطاع العام...اليكم التفاصيل
الراتب ليس مجرد بدل مادي، بل هو انعكاسٌ لقيمة العمل
برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام وبدعوة من مجلس الخدمة المدنية أقيمت في السرايا ورشة عمل تحت عنوان " رواتب القطاع العام بين الامكانيات والتحديات والطموحات وتوازن الحقوق " في حضور نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري ووزراء ، الاقتصاد والتجارة عامر البساط ، الاتصالات شارل الحاج، ، الاعلام بولس مرقص، المهجرين وشؤون التكنولوجيا والمعلومات والذكاء الاصطناعي كمال شحادة ، الصناعة دجو عيس الخوري ، كما حضّر النائبين وضاح الصادق ومارك ضو، و رئيسة قسم التعاون في بعثة الاتحاد الأوروبي اليساندرا فايزر إلى لبنان، ورئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد، رئيس مجلس الانماء والاعمار محمد علي قباني ، رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور بسام بدران ، الامين العام لمجلس الدفاع الاعلى اللواء محمد المصطفى ، رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر ، محافظ بيروت القاضي مروان عبود، محافظ البقاع كمال ابو جودة ، بالإضافة إلى عدد من رؤساء الهيئات الرقابية ومدرين عامين ، وممثلين عن المنظمات الدولية.
كلمة مشموشي
بداية تحدثت رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي فقالت:
دولة نائب رئيس مجلس الوزراء،
معالي الوزراء،
السادة النواب،
ممثلو الاتحاد الأوروبي وبرنامج الامم المتحدة الانمائي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي،
رؤساء الهيئات الرقابية،
رؤساء الهيئات والمجالس،
المديرون العامون والقادة العسكريون والقضاة،
أيها الحضور الكريم،
نلتقي اليوم في حرم السَّراي الحُكومي مَقر رئاسة مَجلس الوزراء، حيث تتجسَّدُ السُّلطةُ الإجرائيَّة، هذا المجلس الذي يتولى رسم السِّياساتِ التَّنفيذيَّةِ العامَّةِ للدَّولة ويتَّخذ القرارات الهامَّة بصدَدِها، لتَتولى تنفيذها الإدارات العامة والهيئات والمؤسسات العامة والمجالس وجميع الأجهزة التي تمثل القطاع العام،الذي نلتئم اليوم بغرضِ التَّباحثِ في آليَّاتِ إنصافِ موارده البشرية بمختلف فئاتعناصره ومسمياتهم وطبيعة علاقتهم به، بمعزلٍ عن الأسلاكِ الوظيفيَّة التي ينتمون إليها.
الحضور الكريم
لا يخفى عليكم حراجة الموقف الذي نحن فيه إثر الأزمات المتسلسلة التي عصفت بالبلاد بمختلف وجوهها السياسية والصحية والامنية والاقتصادية والمالية، والتي أدت الى تفاقم الخلل في أداء القطاع العام، وتكريس انعدام الثقة بالدولة وأجهزتها، وتعاظم التسرب الوظيفي للكفاءات في جميع الاسلاك الوظيفية، في ظل محدودية ايرادات الدولة، وانحسار تحصيل عائداتها، وارتفاع نسبة التضخم،وتراجع الاستثمار، واضمحلال حجم الاقتصاد، ما جعلنا نواجه أعباء وتحدياتغير مألوفة، تتطلب منّا وقفة تأمل ومصارحة، على قاعدة المسؤولية المشتركة التي نضطلع بأعبائها جميعاً، والتي تحتم علينا الشروع في إعادة التفكير في الركائزالتي يقوم عليها بنيان الخدمة العامة، وفي مقدمتها سياسة الرواتب والأجور التي لا تتصل فقط بفعالية العمل الإداري وقدرته على تحقيق الصالح العام، بل تمسّ بصورة مباشرة كرامة الموظف ووجوده الإنساني.
فالنُّهوض بالدَّولة يتطلَّبُ في المقام الأول النُّهوضَ بالقطاع العام، لأنه بمثابةالعَمود الفِقري في البنيانِ الحكومي، وأداتَهُ التَّنفيذيَّة لما تُناط به من مسؤوليَّاتٍحَيويَّة، لا غنى عنها لتأمين الخدمات العامة للمواطنين والمقيمين وتحقيقِ الاستِقرارِ الأمني والاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق النمو المستدام وتأمين مقتضياته، وفق سياسات اقتصادية ومالية تهدف الى تخفيض العجز والدين العام والحد من الإنفاق غير المجدي، وتشجيع الاستثمار، وايلاء دور أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، بحيث يشكل القطاع العام رافعة التَّنمية المستدامة في الدَّولةإن أدير بكفاءة، ومُعوقًا ثقيلًا إن نخره الفسادُ واعتراهُ التَّرهلُ وتحكَّمت به البيروقراطيَّة. فنجاحه في أداء الدَّور المنوط به ينعكس تظهيراً ايجابياً في أداء الدَّولة لواجباتها، وفشلُه يُزَعزعُ ثِقةَ المواطنين بها، ويَخلُ بالتوازن الاجتماعي.من هنا تكمنُ أهميَّةُ تطوير القطاع العام تمهيدًا لتفعيله.
إن زيادةَ فاعليَّة القطاع العام تتطلَّبُ تحديثَه، وتحديثُه يتطلَّبُ إصلاحَه، وإصلاحُهُ يتطلب تشذيبه وإعادةَ هيكلته على نحوٍ يُعزِزُ مرونته، والمرونةُ تتطلبُ تطويرَ أساليب العمل وأدواتِه، وتعزيزَ مستوى الشَّفافيَّته وضمان المساءلَةوالحوكمة، ومواكبَةِ مستجِدَّات التَّطورِ التِّقني والتَّحول الرَّقمي، وتوفير الخَدمات إلكترونيًّا وبجودةٍ عاليَة. فتَطويره ليس مُجرَّد خيارٍ بل ضَرورة مُلِحَّة، أضحت معالمَ مساره واضحة الا أنه يتطلب تعاوناً من الجهات المعنية: حكومة ونواب ومسؤولون وقادة اداريون، وفق تخطيط منهجي إستراتيجي بعيد ومتوسط الأمد، وخطوات متكاملة وفق رؤيَةٍ تغييريَّةٍ قابلةٍ للتَّنفيذ، وان كان لا يخلو من صِّعاب وعقبات تفرضُ تَحدِّياتٍ على صناع القرار، تتمثل في مُقاومَةِ التَّغيير ونقصِ التَّمويل، وتحديات تعديل نصوص تشريعية وتنظيمية واستحداثها. غير أنه لا بد من المسارعة للتقدم بالمسارات الاصلاحية والحض على العمل لانتظام الأداء المؤسسي وانضباط أوضاع المالية العامة، وفق معايير الحوكمة الرشيدة، واحترام قواعد الكفاءة والجدارة والاستحقاق ومؤشرات قياس الاداء، وبالتالي اعتماد الادوات والاجراءات التي تحاسب وتردع وتكافىء، فلا "يكونن المحسن والمسيء بمنزلة سواء، اذ ان في ذلك تزهيداً لأهل الاحسان في الاحسان وتجريئاً لاهل الاساءة على الاساءة"، على ما ورد في رسالة من الامام علي كرم الله وجهه الى أحد الولاة. .
ونظرًا لكون الموظَّفين يشكلون عماد القطاع العام، فلا بدَّ، بل لا مفرَّ من إنصافهم ماديًّا ومعنويًّا، لاسيما في تحديد الرواتب، إذ أنّ الراتب ليس مجرد بدل مادي، بل هو انعكاسٌ لقيمة العمل، ومرآةٌ للسياسات العامة، وأداةٌ لضمان الانتماء إلى الوظيفة العامة والثقة بالدولة. هو أيضاً مطلب أخلاقي يولِّدُ لدى الموظَّف شُعورًا بالإنصاف والمساواة، ويُقلِّلُ من الفَجواتِ الطَّبقيَّةِ داخل القِطاع العام، الأمرُ الذي يسهم في تعزيز الانسِجام التَّنظيمي والتحفيز على الانتاجيَّة، ويَحِدُ من الحساسيات بين الأسلاك الوظيفيَّة، ومن تسرب كفاءات القِطاع العام الى القطاع الخاص في الداخل والخارج.
ان الزيادات الطارئة والاستثنائية التي أعطيت للعاملين في القطاع العام من الأسلاك كافة والمتقاعدين خلال السنوات الماضية تحت مسميات مختلفة، كانت محكومة بسقوف عُليا وسقوف دُنيا، مما أدى إلى تفاوت في نسبها المئوية بين الأسلاك والفئات عن تلك التي كانت معتمدة في سلاسل الرواتب النافذة في العام 2017، وأنها، فضلاً عن عدم كفايتها لتحقيق دخل يغطي أكلاف المعيشة، لم تدخل في أساس الراتب، مما انعكس سلباً على تحديد قيمة تعويض الصرف المستحق الذي من المفترض ان يضمن حياة المتقاعد؛ في حين لم يعد يغطي أعباء سنة بعد انتهاء الخدمة بالنسبة لمعظم المتعاقدين والاجراء في القطاع العام، هذا بالاضافة الى ان ما نشهده من استجابات قطاعية لتعزيز دخل بعض من العاملين في القطاع العام أو اعطائهم اضافات او زيادات دون سواهم ممن هم في أوضاع وظيفية أو مستوى وظيفي متماثل أو ممن تربطهم طبيعة علاقة واحدة بالدولة إما بسبب مطالبات أو احتجاجات أو استنكاف عن العمل، واما بهدف استقطابأصحاب كفاءة وذوي خبرة في القطاع الخاص، أدى الى شعور بالاجحاف بسبب التمايز غير المبرر الحاصل في مقاربة تحقيق مواءمة الدخل مع متطلبات الوظيفة ومهامها من جهة، ومع المتطلبات والاعباء المعيشية والاجتماعية من جهة أخرى، وبالتالي الى اختلال في توازن الحقوق وتحمل الأعباء العامة.
إننا نؤمن بأن بناء سياسة رواتب وأجور رشيدة توازن بين القدرة المالية للدولة وحقوق العاملين فيها، وتعتمد على الشفافية والعدالة والمساءلة يتطلب مقاربة شاملة لواقع القطاع العام يجميع مكوناته من وزارات وادارات ومؤسسات وهيئات ومجالس وأجهزة، والوقوف على رؤية الدولة في جدوى استمرار كل منها في ضوء اعادة النظر أو التأكيد على الدور والمهام والأهداف، وطرق ادارة بعض المرافق العامة وتسييرها، وسبل تأمين بعض الخدمات العامة بالشراكة مع القطاع الخاص تبعاً لطبيعتها وامكانات تحقيقها، واقتراح الغاء ادارات أو وحدات أو مؤسسات أو دمجها أو استحداث أخرى، وتحديث الملاكات والهيكليات التنظيمية، واستحداث وظائف تبعاً للمستجد من المهام والمسؤوليات، مع الغاء الوظائف التي انعدمت الحاجة اليها ولا مبرر لبقائها (اذ أن من المتوقع الغاء ما يتجاوز ال12 او 13 الف وظيفة وفق دراسة المجلس)، هذا بالاضافة الى وجوب التخطيط سنوياً للحاجة الواقعية الى ملء الوظائف الشاغرة بما يضمن الاستثمار الرشيد للموارد البشرية،ويحد من التضخم الوظيفي والتوظيف العشوائي؛ علماً ان نسبة الشغور في الادارات العامة تبلغ:74.65% (العدد المشغول في العام 2022 كان 8175 وفي العام 2025 اصبح 7102 بانخفاض 1073): في الفئة الاولى 43,59 % (بدون الدبلوماسيين و35,81% مع الدبلوماسيين)، في الفئة الثانية 72,48%، في الفئة الثانية أو الثالثة 68,33% وفي الفئة الثالثة 67,3% والفئة الرابعة 73,4% والفئة الخامسة 94,59%.
في المؤسسات العامة: نسبة الشغور: 58,43% - في البلديات نسبة الشغور:83% .
ان العدد الاجمالي للعاملين في القطاع العام يبلغ حوالي 320 الف عامل دون احتساب التطويع الذي حصل مؤخراً لدى الاجهزة الأمنية، منهم حوالي 120 ألف في الأسلاك العسكرية و120 ألف متقاعد (81 ألف منهم عسكر متقاعد)
ان أعداد الموظفين الذين سيبلغون السن القانونية خلال الخمس سنوات القادمة في الادارات العامة هو 1452 موظفاً و692 متعاقداً و147 أجيراً = 2291
كما ندرك أن تحديد الرواتب على أسس علمية ومنصفة لا بد ان يُبنى على مكونات الإطار المرجعي للوظائف والكفايات، وما ينتج منه من وصف وتصنيفوظيفيين للوظائف كافة، يُراعى بمقتضاه مستوى الوظيفة ومهامها ومسؤولياتها وطبيعتها وظروف العمل وبيئته ومخاطره والجهد الجسدي و/أو الذهني الذي تتطلبه، والتخصصية والمهارات التقنية والفنية، اضافة الى المؤهلات العلمية والخبرات العملية المشترطة، والكفايات المطلوب توافرها، هذا الاطار الذي يعمل على انجازه مجلس الخدمة المدنية حالياً، والذي ظهرت طلائعه في إطار تطبيق آلية التعيين في المواقع القيادية في الهيئات والمؤسسات العامة وفي وظائف الفئة الأولى، يسمح بتوضيح الأدوار والمسؤوليات، ويُستند اليه في المباريات للتوظيف في القطاع العام، وفي رسم مسارات الترفيع والترقية والمداورة، وفي تحديد الاحتياجات الوظيفية الحالية والمستقبلية، ومساعدة الرؤساء التسلسليين على توجيه الموظفين ومساءلتهم وتقييم أدائهم، وهندسة التدريب وتعزيز القدرات.
إلّا انه، والى حين انجاز الاطار كان لا بد من اعادة النظر مرحلياً بالرواتب والتعويضات الشهرية والأجور، وقد قام المجلس، وانطلاقاً من صلاحياته المنصوص عليها في قانون انشائه، وبناء على طلب من مجلس الوزراء، وبالتنسيق والتعاون مع مسؤولين متخصصين في وزارة المالية جرى تسميتهم لهذه الغاية، ومع ممثل عن مصرف لبنان، وبدعم من الاتحاد الأوروبي وخبراء من سغما (واغتنم فرصة انعقاد هذه الورشة لشكرهم فرداً فرداً على الجهد الجبار الذي بذلوه طيلة اشهر الى جانب عملهم اليومي) باعداد مشروع قانون تضمن إلغاء جميع الزيادات والاضافات والتعويضات الاستثنائية التي أعطيت نتيجة الأزمة الاقتصادية منذ بداية العام 2020، واقرار مضاعفة سنوية على أساس الراتب المحدّد بموجب القوانين النافذة في العام 2017 تشمل جميع العاملين في أسلاك القطاع العام، تُعطى تدريجياً على مدى خمس سنوات من العام 2026 ولغاية العام 2030، تم تحديدها استناداً الى نسبة التضخم الحاصلة لغاية العام 2023 (التي بلغت ما يقارب ال 5700 %) بعد دراسة وتحليل عدة مقاربات في حينه (سوف يستعرضها فريق العمل)، مع الاحتفاظ للمتقاعد بحقّه بالمضاعفة المقرة على المعاش التقاعدي وفق القيمة عينها. وكان اعتماد المضاعفة على مدى خمس سنوات بسبب عدم قدرة المالية العامة على تحمل الاكلاف في سنة واحدة، وتوزيعها على هذه السنوات بالتزامن مع اقرار اصلاحات مالية تساهم في استقطاب استثمارات وتفعيل مقومات الالتزام الضريبي والجباية، وتجنب أي تضخم في الكتلة النقدية، وانهيار جديد في سعر العملة.
أيها السيدات والسادة،
ان اعادة الاعتبار للوظيفة العامة وتعزيز الولاء للدولة، لن يستقيم الا بتبني الدولة لمعايير منصفة في تحديد الرواتب يعكس التزامها بمَسؤوليَّتها الاجتماعيَّة تجاه العاملين لديها، ويشكل امتثالًا للقواعد القانونية والأخلاقيَّة، ويُعززُ ثقَةَ الموظفين بإداراتهم ويطمئنُ ذوي الكفاءات، ويحفزهم على الإنخراط في الوظيفية العامة، ويسهِّل عمليَّة استقطابهم.
وأخيرًا أتوجه إليكم أيها المشاركون الأعزاء لأقول أنه وإن كان موجب التَّحفُّظُ الوظيفي يملي علينا عدم الإطلالة على الرأي العام للافصاح عما يقوم به مجلس الخدمة المدنيَّة من إنجازات، رغم النقص في عديد الموظَّفين (اذ يتجاوز الشغور ال 85%) وقلَّة الإمكانيات الماديَّة، وُضع بعضها موضع التَّنفيذ، على سبيل المثال المسح الوظيفي في العام 2022 الذي تتبنى جهات عديدة أرقامه والتوصيات التي خلص اليها مع تجهيل المصدر، والذي نعمل على تيويمه حالياً، والتقرير عنالتكليف المخالف للقانون لاسيما في المواقع القيادية، واقتراح الحلول والتوصيات بشأنه، وقد بدأت الوزارات باعتمادها، والتقدم المحرز على صعيد الإطار المرجعي للوظائف والكفايات، حيث وضعت أسس بنيانه، وحددت مجالاته الوظيفية ووظائفه المرجعية ومفاهيمها، وباشرنا بإجراءات التوصيف، بالاضافة الى وضع أسس البحث الرقمي المتقدم في اجتهادات المجلس، والمشروع الذي نحن بصددمناقشته، وتدريب ما يجاوز 2500 موظفاً ومتعاقداً في المعهد الوطني للادارة خلال السنتين الاخيرتين، والبعض الآخر قاب قوسين أو أدنى من بلوغه المسار التَّنفيذي؛ كل ذلك مع فريق عمل محدود بعدده، فعال بأدائه، مخلص بانتمائه، ومتميز بسلوكه، ومع حجم معاملات يصل الى حدود الخمس عشرة ألف معاملةرقابية وتنظيمية سنوياً، دون احتساب طلبات اجراء المباريات.
وفي الختام، لا بدَّ من التأكيد على أن ثقتنا كمجلس خدمة مدنيَّة بوحدات القطاع العام لم تتزعزع، وإن أدت الظروف الاقتصادية والماليَّة والنَّقدية إلى زعزعةِ ثقة المواطنين بإدارات الدَّولة ومؤسساتها وأجهزتها، إلَّا أن هذا القطاع غنيٌّ بقُدراتِ العاملين فيه، وبعَزيمَتِهم. ولا بُدَّ لهذا الليل أن ينجلي، وللبنان النهوض من كبوته.
كلمة فايزر
:
“أصحاب السعادة، نائب رئيس مجلس الوزراء، السادة الوزراء والنواب، السادة المديرون العامون، الشركاء الأعزاء، السيدات والسادة،
يشرفني أن أكون بينكم اليوم باسم الاتحاد الأوروبي، في هذه الندوة البالغة الأهمية التي تهدف إلى مناقشة مسألة محورية تتعلق برواتب موظفي القطاع العام.
على مدى السنوات الماضية، قدّم الاتحاد الأوروبي دعمه لمجلس الخدمة المدنية من أجل وضع إطار عمل واقعي وشفاف، يأخذ في الاعتبار الوضع المالي الصعب في لبنان، ويراعي في الوقت نفسه مبادئ الحوكمة المالية السليمة.
نحن في الاتحاد الأوروبي نؤكّد التزامنا بدعم مجلس الخدمة المدنية، ومواكبته في جهوده الرامية إلى تحديث الإدارة العامة وتعزيز استقرار المؤسسات اللبنانية، في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية المتلاحقة التي تواجه البلاد.
موظفو القطاع العام هم في طليعة مواجهة هذه التحديات. فرغم الظروف الصعبة، يواصلون تقديم الخدمات العامة وضمان استمرارية عمل الدولة. ولا بد من الإقرار بأن أي دولة لا يمكن أن تنهض من دون قطاع عام فعّال يتمتع موظفوه بحقوقهم، لأنهم الأساس في تأمين الخدمات للمواطنين، سواء في المستشفيات أو المدارس أو في القطاعين الأمني والقضائي، وسائر مرافق الإدارة العامة.
لكن في المقابل، يُطلب اليوم من هؤلاء الموظفين تقديم المزيد، رغم محدودية الموارد. وهذا الواقع يبدو أكثر وضوحًا في القطاع الأمني، حيث يضطر العديد من العناصر إلى العمل في وظائف إضافية لتأمين معيشتهم.
نحن نعمل حاليًا على مراجعة شاملة لإعادة توصيف الوظائف وتطوير الهيكلية الإدارية، لكن إلى حين إنجاز هذا العمل، هناك حاجة ملحّة لمعالجة بعض المطالب الأساسية، التي باتت أكثر إلحاحًا في ظل الانهيار الاقتصادي.
وفي هذا السياق، تم بالتعاون مع مجلس الخدمة المدنية اقتراح إطار عمل مؤقت، نتج عن مهمة تقنية عُقدت مؤخرًا، يهدف إلى إعادة جزء من القدرة الشرائية التي فقدها الموظفون بسبب التضخّم. ونعمل حاليًا على إدخال تعديلات سنوية على هذا الإطار بدءًا من عام 2025.
ندرك جيدًا أن هذا المقترح يأتي في وقت ضاقت فيه المساحة المالية، وتراجعت فيه ثقة الناس بالمؤسسات، وتقلّصت فيه قدرة الدولة على تأمين الإيرادات. لكن من الضروري أن نكسر هذه الحلقة المفرغة، وأن نوفّر لموظفي القطاع العام مقومات الاستمرار، كي يواصلوا تقديم الخدمات الأساسية، ويسهموا في إعادة بناء العقد الاجتماعي.
آمل أن تتيح هذه الندوة المجال لنقاش فعّال حول هذه التحديات، وأن تُفضي إلى حلول شفافة وعملية. سنناقش معًا إطار العمل المقترح، الذي من شأنه الحدّ من الخسائر، وتحسين أداء القطاع العام، بينما نواصل العمل على الإصلاحات الهيكلية.
في الختام، أودّ أن أشكر مجلس الخدمة المدنية على الجهود المبذولة. إن وجود كبار موظفي المجلس بيننا اليوم مهم جدًا، لأننا بصدد مناقشة ملف التعويضات، وهو ليس مجرد مسألة تتعلق بالموازنة، بل أولوية وطنية لإعادة بناء قدرات الدولة، وضمان أن تبقى الدولة موجودة من خلال استمرار تقديمها للخدمات.
فالتأكّد من إيصال الخدمات العامة إلى اللبنانيين يشكل عنصرًا أساسيًا في مسار إعادة بناء لبنان.
كلمة متري
وفي الختام تحدث نائب رئيس الحكومة طارق متري فقال:"
“سيّداتي وسادتي، أصدقائي الأعزاء،
يسعدني أن أشارك معكم في هذه الندوة هذا الصباح، وأن ألتقي بهذه النخبة الطيبة من المسؤولين والعاملين في الإدارة العامة. ويسرّني أن أساهم ببعض الملاحظات في هذه المناقشات الحيوية.
لا يسعني إلا أن أثني على الجهود التي يبذلها مجلس الخدمة المدنية، هذا القطاع الأساسي مهما تعاظمت المشكلات وتراكمت الأزمات. الإصلاح يبدأ من الإدارة، من إعادة بنائها على. وأتوجه بتحية خاصة إلى رئيسة المجلس السيدة نسرين مشموشي ، التي ألقت كلمة جامعة في هذه الجلسة، وتقوم بدورها بكثير من الجدية والكفاءة، ما يعوّض عن نقص الإمكانيات ويُترجم بمضاعفة الجهد والعمل المتواصل. هذه الندوة بحد ذاتها شهادة على هذا الالتزام.
إن مشاركة الداعمين لمجلس الخدمة المدنية، وسوها من هيئات الرقابة ، تمثّل بحد ذاتها اعترافًا بقيمة عمله بعد سنوات طويلة من انكفاء الشركاء الدوليين عن دعم مؤسسات الدولة، نتيجة تراجع الثقة والانهيار الاقتصادي والمالي، الذي بدا للمواطنين وكأنه بلا قرار. لكنّ الاعتراف بهذا الدور هو إشارة إلى أن أمامنا طريقًا جديدًا، تتلازم فيه مساعي الاصلاح الجدية و استعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي.
لا يخفى على أحد أن الحكومة اللبنانية تدرك تمامًا أن إعادة هيكلة القطاع العام وفق رؤية إصلاحية وحديثة، هي أولوية مركزية في البيان الوزاري، وهي ليست مجرد إعلان نوايا، بل التزام فعلي أمام اللبنانيين، وأمام أصدقاء لبنان.
نعلم جميعًا أن أي إصلاح حقيقي يقتضي تخطيطا بديهي بمعالجة متعدّدة الجوانب، لدرء مخاطر تردي القطاع العام إلى حدود الاضمحلال ، والبيان الوزاري أشار بوضوح إلى ضرورة الإسراع في إصلاح الإدارة، والاستعانة بالرجال والنساء المتميزين، بولائهم للدولة، من أجل رفع الإنتاجية في القطاع العام وتحسين مستوى المعيشي يجب تاهيلهم وإنصافهم .
فإن الإنصاف يضمن تحسين مستوى المستوى المعيشي للعاملين في القطاع فهذا القول بديهي، لكن تلازمه مع التأهيل يتيح لنا أن نتحرر من ثنائية عقيمة تعرفها حياتنا العامة.
وعند النقاش حول رواتب القطاع العام يجب أن يُخاض بشجاعة. فهناك من يرفض الحديث عن زيادة الرواتب بسبب ضعف الإمكانيات، وهناك من يطالب بزيادتها من دون النظر إلى الواقع المالي. كلا الموقفين غير منتجين. ما نحتاجه هو نقاش مسؤول يوازن بين الإنصاف والاستدامة المالية.
أنا من المطالبين لزيادة أجور العاملين في القطاع العام وبإنصاف العاملين في قطاع العام فخبرتي الوزارية عرفتني إلى وجوه من العاملين في القطاع العام دافعهم الخدمة العامة وهم من ذوي الكفاءة لكنهم يغيبون عن أنظار الناس، وراء جيش من العاملين في القطاع العام يشكو المواطنون إما من سوء افعالهم أو من سوء تدبيرهم، أعتقد أن واجبنا في الحقيقة هو مساواة أكبر بين المستفيدين من إعادة النظر في الرواتب ولا يكون ذلك مجرد مناسبة كما يقول البعض لعملية هي أيسر منالا وهي ما يطلق عليه اسمه ترشيق القطاع العام والذي يتطلب تصورا وسياسة ولا يتم بالاستنزاف كما هو حاصل لسوء الحظ في الوقت الحالي.
اضاف:هناك أسئلة كثيرة يطرحها الناس علينا حين نحدثهم عن إصلاح القطاع العام وأنصاف العاملين ، من هنا فنحن بحاجة إلى معالجة عاجلة، لكننا بحاجة قبل كل شيء إلى معالجة عادلة وشفافة، خصوصاً بعد ما شهدنا في الفترات الاخيرة حلولاً مجتزأة وادت الى تفاوت بين الموظفين.
من خلال عملنا في اللجنة الوزارية المكلّفة بإصلاح وتحديث الإدارة العامة، بدأنا العمل على بلورة رؤية إصلاحية متكاملة، من خلال الاطلاع على الدراسات، وأبرزها تلك التي أعدها مجلس الخدمة المدنية. نحن ندرك أن الإصلاح الجذري يتطلّب وقتًا، ولكننا أيضًا ندرك أننا لا نملك ترف الوقت. لذلك نعمل على خطة اصلاحية تؤول الى خطة طموحة، متدرجة، تبدأ من معالجة القضايا الملحة، وفي مقدمها: رواتب الموظفين ونظام التقاعد.
إذا نجحنا في تحقيق جزء من هذا المشروع، فسنكون قد وضعنا حجر الأساس لمسار إصلاحي اداري فعلي وشامل.
نتطلّع إلى هذه الندوة للاستفادة من نقاشاتكم واقتراحاتكم، ونؤمن أن الحوار والتفاعل بين الجميع هو شرط أساسي لنجاح أي مسعى إصلاحي