ديوان المحاسبة يصرّ على رفض مشروع OTT: الوقائع لم تتغير... ولا يراعي مصلحة الدولة

ديوان المحاسبة يصرّ على رفض مشروع OTT: الوقائع لم تتغير... ولا يراعي مصلحة الدولة

image

ديوان المحاسبة يصرّ على رفض مشروع OTT: الوقائع لم تتغير... ولا يراعي مصلحة الدولة
"دراسة فيها أخطاء جسيمة ومغالطات هدفها التضليل"

 "النهار"

في سابقة رقابية تترجم دور القضاء المالي حارسا فعليا للمال العام، أظهر ديوان المحاسبة أن المؤسسات القضائية لا تزال قادرة على حماية أسس الدولة حين تتوافر الإرادة والاستقلال والقرار الواضح.
فقد رفضت الغرفة الثانية في ديوان المحاسبة مشروع "اتفاق تعاون" لتشغيل ما سمي منصة "OTT" بين وزارة الاتصالات وشركة خاصة رغم تقديم طلبين لإعادة النظر، أحدهما من الوزير السابق جوني القرم، والثاني من رئيس ديوان المحاسبة نفسه، قابلتها الهيئة القضائية المختصة برفض قانوني صارم.
وتكشف وقائع القرار الأساسي الصادر في 2024 أن الشركة المعنية (ستريم ميديا) هي شبه وهمية، سجلت حديثا برأسمال 330 دولارا، وليس لديها موظفون أو بنية تشغيلية، ولا تظهر أي سجل أعمال أو خبرة في مجال تشغيل المنصات أو تقديم خدمات رقمية أو إعلامية.
وتبين أن الاتفاق المقترح جرى تغليفه تحت تسمية "اتفاق تعاون"، و"حقوق حصرية"، في محاولة لتجاوز أحكام قانون الشراء العام الذي يلزم الإدارة العامة احترام مبدأ الشفافية والمنافسة.
ففي قرار إعادة النظر الصادر عام 2025، أجرت الغرفة الثانية تحليلا دقيقا للدراسة المالية المرفقة بالمشروع التي أعدتها هيئة "أوجيرو"، وتبين أنها تحتوي على أخطاء جوهرية في تقدير الكلفة والعائدات وتفترض نسب تحصيل غير مبررة، وتفتقر إلى الحد الأدنى من التحليل المالي السليم، ولا تبين بوضوح كيفية التوزيع المالي للعائدات أو كلفة الاستثمار والتشغيل.
واعتبر القرار أن "الاعتماد على هذه الدراسة يشكل تهديدا للمال العام ويخالف قواعد المحاسبة العمومية والرقابة المسبقة المفروضة على المؤسسات العامة، وصولا إلى وضع عنوان رئيسي بالخط العريض أن "الدراسة التي أعدتها الإدارة عن الإيرادات المتوقعة من المشروع فيها أخطاء جسيمة ومغالطات هدفها التضليل".
وبعد إعادة احتساب الكلفة الصحيحة، يتبين للديوان أنه "سيكون ثمة خسارة لأوجيرو تقدر بـ230 ألف دولار، في حين تزعم الإدارة أن الأرباح المتوقعة من المشروع تفوق الـ11 مليون دولار". وأرفق الديوان الدراسة المصححة.
إذا، الغرفة القضائية المختصة بقرارها الحاضر أكدت أن "الوقائع لم تتغير، وأن المشروع يبقى فاقدا للأساس القانوني والتقني، ويخالف قواعد الشفافية ولا يراعي مصلحة الدولة الحقيقية".
وتبين للديوان أنه رغم تقديم المشروع على أنه منصة OTT، توضح نصوص القرار أن ما جرى اقتراحه ليس منصة متكاملة، ولا نظام IPTV كما هو معتمد عالميا، بل مجرد تطبيق (App) محدود الإمكانات، لا يملك أي نموذج عمل واضحا، ولا رؤية تنظيمية متكاملة لسوق البث الرقمي في لبنان.
وفي حين أبلغ ديوان المحاسبة قراره إلى الجهات المعنية بمن فيهم النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة، وهيئة "أوجيرو"، تستعد الأخيرة لإجراءات التسليم والتسلم بعد تعيين أحمد عويدات رئيسا ومديرا عاما للهيئة. فالرجل، بحسب مصادر مطلعة، مشهود له بالكفاية والاستقامة منذ كان مديرا عاما للاستثمار والصيانة في الوزارة، وهو "لا يمرر الخزعبلات"، وفق تعبير المصادر عينها. وتاليا، فإن ما ينتظره من تحديات في إدارة الهيئة غير قليل، إذ ربما عليه إجراء نفضة كبيرة بعد اتهام ديوان المحاسبة لأوجيرو بالتضليل من خلال تقديم دراسة فيها أخطاء جسيمة ومغالطات تظهر تقدير أرباح بملايين الدولارات، بينما في الحقيقة سيكون ثمة خسائر تتكبدها الهيئة.
في المحصلة، وفي مفارقة لافتة، فإن الجهة الوحيدة التي مثلت فعليا "مصلحة الدولة" هي ديوان المحاسبة، بدليل أن القرارات التي صدرت عن الغرفة الثانية لا تحمي فقط القانون، بل تمنع خصخصة مقنعة لخدمة حساسة، وتحول دون فتح الباب أمام فوضى غير منظمة في قطاع الإعلام الرقمي. وفي بلد تتكرر فيه محاولات تمرير الصفقات تحت شعارات عامة، يعيد قرار الديوان الاعتبار إلى فكرة أن “raison d’État” ليست ما تقرره السلطة التنفيذية، بل ما تثبته المؤسسات الرقابية المستقلة بالدليل، والقانون، والحكم الصريح.