لماذا استهداف إيران مصلحة لبنانية؟
الكلام عن ما يسمى المقاومة يجب ان يُحظّر من التداول
شارل جبور - "نداء الوطن"
لم تستفد الدولة من التطوّر الأول المتمثِّل بتوقيع "حزب الله" على تفكيك بنيته العسكرية في 27 تشرين الثاني الماضي، وذلك من أجل إنهاء ازدواجية السلاح التي بدأت مع الانقلاب على اتفاق الطائف في العام 1991، ولم تستفد أيضًا من التطوّر الثاني المتعلِّق بسقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول، أي الحليف الاستراتيجي لـ "الحزب" وطريق إمداده الحيوي للسلاح، فهل تستفيد من إنهاء الدور الإيراني، الذي ولِد منه "الحزب"، من أجل استكمال بسط سيادة الدولة؟
تلقى "حزب الله" في أقل من سنة ثلاث ضربات من طبيعة استراتيجية: ضربة عسكرية قضت على معظم قيادته وقوته العسكرية وأجبرته على التوقيع على إنهاء مشروعه المسلّح؛ قيام نظام سوري جديد معاد لإيران ويُقفل طريقها إلى لبنان وغزة، وتلقي إيران ضربة غير مسبوقة منذ قيام نظام الخميني وقد تعيدها إلى ما قبل العام 1979، وبالتالي هل يجوز بعد ذلك كله عدم حسم الدولة مسألة السلاح غير الشرعي؟ وماذا يمكن أن تنتظر الدولة أكثر من ذلك؟
وإذا كانت الضربة الأولى أدّت إلى تدمير قوة "الحزب" العسكرية، والضربة الثانية إلى محاصرته بقطع المدّ الجغرافي الحيوي أمامه، فإن الضربة الثالثة ثابتة وقاضية كونها ترتبط برأس المحور الذي يتفرّع منه وولِد من رحمه، وما هو غير معروف بعد ما إذا كانت الحرب على إيران ستؤدي إلى سقوط النظام أم ستقتصر على استسلامه وتسليمه بإنهاء النووي والباليستي والدور، وفي الحالتين لن يكون من السهل إطلاقًا إعادة التأسيس لوضعه في ظل المعطيات الجغرافية والرقابة الدولية المشددة، ولكن الأكيد أن سقوط النظام أفضل بكثير، لأن نظامًا من هذا القبيل غير قابل للتطور ولا الاندماج مع العصر ولا التفاعل مع محيطه ومع الوضع العالمي.
ولا يجب على أحد ان يتوهّم بأن هذه الحرب ستكون نسخة جديدة من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أو بين إيران والعراق، بمعنى أن تطول وتكون مفتوحة زمنيًا، لأنها ستحسم سريعًا بإعلان طهران استسلامها بعد أن تكون تلقّت الضربة العسكرية القاضية، وستُفرض عليها شروط الهزيمة، والسيناريو المطروح بين الاستسلام وسقوط النظام هو استمرار النظام بقيادة جديدة بعد أن تكون القيادة الحالية قد لقيت حتفها.
ويفترض أن تدفع هزيمة إيران حزبها في لبنان إلى مراجعة حساباته جديًا ولمرّة نهائية، خصوصًا انه لن يبقى أمامه أي خيار انتظاري بعدما انتهى مشروعه من أساسه، أي من الدولة المصدرة لهذا المشروع، وقد لا يكون مهيأ ذهنيًا ونفسيًا لفكرة أن الثورة الإيرانية انتهت، أو على قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء، ولكن هذه مشكلته وليست مشكلة اللبنانيين، ويفترض أن يسارع وأن يبادر إلى إعلان انتهاء مشروعه المسلّح، أو على الدولة أن تبسط سيادتها وان تُعلن مثلًا أن اكتشاف مخازن للسلاح سيعرِّض أصحابها للتوقيف والمحاكمة.
وهناك من يحاول دائمًا تبسيط الأمور من قبيل أن عدم إعلان "حزب الله" حرب إسناد دفاعًا عن الدولة التي أنجبته يعني أن سلاحه انتهى، وهذا غير صحيح، والصحيح أنه عاجز اليوم، ولكن قد يصبح قادرًا غدًا، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال التعامل مع السلاح بأنه انتهى مع انتهاء ظروفه، لأن عدم إعلان أصحابه انتهاء مشروعهم يعني إصرارهم على مواصلة الانقلاب على الدستور وتحيُّن الظرف لإحياء هذا المشروع، فيما على هذا الفريق الانقلابي ان يُعلن أن ما يسمى مقاومة عسكرية انتهت إلى غير رجعة، ولا يجوز استمرار الانقسام بين من هو ضد ما يسمى المقاومة التي دمرّت لبنان، ومن هو معها، خصوصًا بعد انتهاء هذا المشروع من أساسه، إنما الحسم مطلوب وبسرعة من الدولة.
وهناك خشية موجودة من أن تنتهي الثورة الإيرانية من جذورها ومن البلد المنشأ وأن يبقى فرعها في لبنان، لأن الأحزاب العقائدية لا تتراجع عن عقيدتها بسهولة، ولكن هذا لا يهمّ اليوم، وما يهم هو إنهاء قدرتها على توسُّل العنف أولًا، ووضع حد نهائي لسرديتها المسلحة ثانيًا، فالكلام عن ما يسمى المقاومة يجب ان يُحظّر من التداول.