قبلان: الوحدة المسيحية – الإسلامية عماد هذا البلد

قبلان: الوحدة المسيحية – الإسلامية عماد هذا البلد

image

قبلان: الوحدة المسيحية – الإسلامية عماد هذا البلد

وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، رسالة لمناسبة شهر محرم الحرام ورأس السنة الهجرية لهذا العام، من على منبر مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، وقال :"لأننا في قلب الحدث، حيث الحقيقة المخضبة تحولت رأسا يتلو القرآن فوق القنا، ولأن القضية "محرم" بكل ما يعنيه محرم من قربان الحقيقة الإلهية والثقل المقرون بمواثيق العرش، ولأن رأس الامام الحسين جمع طين الكلمة بعذابات الأنبياء والأولياء، فقد حمل عبء الحقيقة منذ اليوم الأول للدعوة الإلهية.
 
وما المحرم بما فيه من مذبح الحق والحقيقة التي تحولت ملاذا للحياة ورأس السنة الهجرية إلا تاريخ واحد على قبس النبوة ومعدن الرسالة التي بعثها الله من جديد بوريد الذبح العظيم الظمآن، الذي خصه الله بالإمام الحسين.
 
واللحظة لوجع الامام الحسين، الذي تحول نارا تلتهم فساد السلطة وجنون الأنا، ووثنية الطغاة، وسياسات استغلال الدين لقتل الدين، ولعبة الجشع السياسي والعائلي والاجرام الفكري، ونيران السواتر التي جمعت كل أوثان الجاهلية الأولى بشياطين النفاق.

لقد نهض الامام الحسين بثورته ليقول للخليقة جمعاء: الصمت خيانة والحياد حرام ولا شيء فوق الحق، ولا شيء أعظم من الحقيقة، وأن الثورة قد تكون أمة، وقد تكون فردا أكبر من الزمان والتاريخ والمكان".
 
أضاف :"لقد أكد بثورته خلود الكلمة وضرورة كشف الأشياء عن سواترها وهو الذي إعتمد وعي الحقيقة عمادا للتضحية والبذل والقرابين، وضرورة لتفكيك الخوف، ونزعه من دنيا الإنسان، وهو الذي حرم العبودية ومزارعها، وأبطل معموديتها، ونادى بكونية الفكرة، وعظمة أبطالها.

حين افترش الطف من كربلاء بوريد نازف وجسد ممزق، أخبر الخليقة أنه قضية وفكرة، ودليل وجود، وموقف خالد ضد الجهل والظلم والفساد والنفاق والفقر والطغيان، وعقلية المَزارع ونزعة القوة والسلطة المطلقة وإثرة الملك ولعبة المصالح القذرة.

ولأنه وريد الآية السماوية، فقد جمع جون العبد بعلي الأكبر، ووهب المسيحي بحبيب بن مظاهر المسلم، وزهير بن القين العثماني بعابس الشاكري الحسيني، وهزّ وجدان الحرّ الرياحي، وهو أكبر أبطال الدولة الأموية، ليجثو على الركب قائلاً لأبي عبد الله الحسين: بحقّ جدّك المصطفى الذي بعثه الله رحمة للعالمين اقبلني قتيلاً بين يديك.

وبهذا المشهد قدّم الله الامام الحسين(ع) دعوة عالمية للحقيقة، وعنواناً لإلفة الوجود، ومنطقاً للعدل الشامل، وسبباً لرفض الظلم والاضطهاد والفساد، وبيتاً للمسيحية والإسلام، وعنواناً لحقيقة الدين، وملاذاً للحقّ، وطريقاً للصدق، حتى أن الرجل في آفاق الأرض كان يقول: "بحقّ من قُتل ظمآناً لتحيا الخليقة أغثني بالحقّ"، ويكفيه فخرا قول جده المصطفى المتواتر فيه: "حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحب حسيناً".
 
وتابع :"والبلد اليوم يختصره نداء الامام الحسين، الذي أكد أن الخليقة أمة واحدة، وأن الحق واحد، وأن العدل لا يتغير بالطوائف؛ ولا شيء فوق الحق والعدل، وما نشكو منه في هذا البلد كثرة الفساد، وطغيان الحقد، والتمزيق الطائفي، والارتزاق السياسي والإعلامي، ونزعة الحرية بلا مسؤولية، والخصومة الوطنية، والمشاريع الزبائنية، والسياسات الارتجالية. واللحظة للبنان وشعبه كضرورة للتاريخ والمصير، والوحدة الوطنية قدس أقداس هذا البلد، ويجب تمكين شروطها. ودين المسلم يمر بالمودّة المسيحية، والمحبة دين الله، والرأفة عنوان الرسالة المحمدية، ومشكاة التعاليم المسيحية".
 
واستطرد المفتي قبلان في رسالته :"ما نريده عائلة إسلامية مسيحية تحزن معا وتفرح معا. وعلى المستوى الإسلامي - الإسلامي، وحدتنا ليست بالروح والعيش معا فقط، بل بالقرآن والسنة النبوية والجوامع الأخلاقية. والسنة والشيعة كالجسد الواحد يقوم بعضه ببعض، فلا حياة للسنة والشيعة إلا بوحدتهم، وعظيم أخوتهم، التي افترضها القرآن، والتي لا تتعارض مع المسيحية وأخوتها الرسالية.
 
إن الوحدة المسيحية – الإسلامية عماد هذا البلد، وهي شرط أساسي لأخلاقية لبنان، ومصالح لبنان تتسع للجميع، وتاريخنا واحد، ومواثيقنا الروحية واحدة ومصيرنا واحد، ولا أقليات في هذا البلد بل عائلة وطنية يحكمها التكامل والمحبة والتضامن". 

أضاف :"والبلد مظلوم وواقعه ينزف، وبرامجه السياسية قاصرة، وإعلامه يفرق، وأسواقه لا ضبط لها، ولوائحه مدوّلة، أما الحكومة فهي مطالبة بشراكة أبوية، وبرامج وطنية واجتماعية واقتصادية وتوجيهية، ودون ذلك ضياع بلدنا.

أما الجنوب والبقاع والضاحية فملحمة وطنية وجبهة تضحيات سيادية؛ وإعمار ما دمّرته إسرائيل شرط لشرعية السلطة ووظيفتها؛ وإسرائيل عدو أبدي والمقاومة فخر العائلة اللبنانية الوطنية، وواقع الشرق الأوسط يغلي بالأزمات، والقدرات الداخلية والسيادية حاجة ماسة لبقاء لبنان وإعادة بنائه بشكل صحيح وسليم.

وأميركا ليس لديها حلفاء، بل حلفاؤها مصالحها، ولا شرعية لأي جهة تطلب منك أن تسلّم سلاحك لتفتك بك إسرائيل العدوانية، وخاصة أن العرب يعيشون أسوأ لحظات الغربة والوحدة والفشل بسبب تمزقهم".
 
ولفت المفتي قبلان الى ان "اللحظة للوحدة العربية الإسلامية". وقال :" وغزة محنة العرب والمسلمين، والتطبيع أو أي مسمى آخر خيانة للتاريخ والضمير والإنسانية، والشرق الأوسط بحاجة ماسة إلى تسوية إقليمية قوية، تجمع السعودية وتركيا وإيران وباكستان ومصر. فالأمة العربية الإسلامية قضية تاريخية، والدفاع السيادي قوة ومحبة ولقاء أبدي، فلا شرف كشرف الوحدة والتضحية والمحبة".

وختم :"نعم، في أيام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين، لن يهدأ لنا بال، حتى ننعم بدولة قوية عادلة وسلطة لا طائفية ومواطن محمي ومكفول، ومؤسسات لا وظيفة لها إلا خدمة شعبها بعيدا عن الواسطة والزواريب والفساد ولعبة الصفقات. وكما قدم الإمام الحسين نفسه الزكية في سبيل الإنسان، العهد أن نقدم أنفسنا في سبيل خدمة الإنسان، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا".