«عملية نارنيا» و«الزفاف الأحمر»... كيف خدع نتنياهو وترامب الإيرانيين بـ«خيال هوليوودي»؟

العرب والعالم

«عملية نارنيا» و«الزفاف الأحمر»... كيف خدع نتنياهو وترامب الإيرانيين بـ«خيال هوليوودي»؟

image

«عملية نارنيا» و«الزفاف الأحمر»... كيف خدع نتنياهو وترامب الإيرانيين بـ«خيال هوليوودي»؟

لم يكن النجاح الوحيد غير المتوقَّع في بداية الحرب

في منتصف ليل 13 حزيران، تجمع جنرالات إسرائيل في مخبأ تحت مقر سلاح الجو الإسرائيلي، وشاهدوا الطائرات وهي تهبط على طهران في عملية أطلقوا عليها اسم «الزفاف الأحمر».

 
وبعد ساعات، وعلى بُعد 1000 ميل (نحو 1609 كيلومترات)، لقي كبار القادة العسكريين الإيرانيين حتفهم، فيما وصفه تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» بأنه «مذبحة جماعية» وشبهه بمشهد الزفاف الشهير في مسلسل «غايم أوف ثرونز».

وسلط تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» الضوء على الهجوم الإسرائيلي على إيران وسط خشيتها من عدم النجاح في أداء المهمة، مستنداً إلى مقابلات مع 18 مسؤولاً أمنياً إسرائيلياً وأميركياً حالياً وسابقاً.

ووفق التقرير، أثار الجمع بين المعلومات الاستخباراتية والدقة العسكرية، الذي مكّن من تنفيذ الهجوم، دهشة العالم. لكنه لم يكن النجاح الوحيد غير المتوقَّع في بداية الحرب الإسرائيلية على إيران، التي استمرت 12 يوماً.

ولفت التقرير إلى أنه «في جزء محوري من الهجوم الأولي، الذي اعتبر خيالياً إلى حد أن مخططيه أطلقوا عليه اسم (عملية نارنيا) تيَمُّناً بسلسلة الروايات الشهيرة للكاتب سي إس لويس، التي تدور بالكامل في عالم خيالي، تمكّن المنفذون من اغتيال تسعة من أبرز العلماء النوويين الإيرانيين بشكل شبه متزامن داخل منازلهم في العاصمة طهران».

وأشار إلى أن تنفيذ الهجمات على الإسرائيلية تطلَّب حيلاً مُعقدة لضمان المفاجأة، لكنها «في اللحظة الأخيرة، كادت تنهار»، وفق ما ذكر.

لكن لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل، التي تلقت لاحقاً مساعدة بضربة جوية ضخمة على المواقع النووية الإيرانية من الولايات المتحدة، قد حققت أهدافها الحربية حقاً. وبحسب «وول ستريت جورنال»، فهناك تقارير متضاربة حول الأضرار التي لحقت بالمواقع النووية، ولم يُحسم بعد ما إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة قادرتين على منع إيران من إعادة بناء ما دُمّر.

ومع ذلك، أكد التقرير أنه «حتى بعض المسؤولين الإسرائيليين فوجئوا بكيفية نجاح خططهم، التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من عقد من الزمان».

وقال اللواء عوديد باسيوك، رئيس مديرية العمليات العسكرية الإسرائيلية والمهندس الرئيسي للعملية: «عندما بدأنا التخطيط لهذا الأمر بالتفصيل، كان من الصعب جداً معرفة ما إذا كان سينجح».

المخاطرة الإسرائيلية
ورأى التقرير أن إسرائيل «خاضت مخاطرة جسيمة» عند تنفيذ الهجوم، إذ كانت أمام خيارين: إما أن تُصيب أهدافها البشرية دفعة واحدة، أو أن تُخفق وتمنح طهران فرصة لتشتيت العناصر المستهدَفة. وفي حال تشتت تلك الأهداف، كان الرد الإيراني سيأتي أشد قسوة، فيما كانت الطموحات النووية لطهران ستبقى على حالها.

ووفق التقرير، لولا أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استلهم من النجاح الإسرائيلي المبكر في الهجوم ليأمر بقصف مواقع نووية إيرانية، لما كان من الواضح كيف كانت إسرائيل ستحقق أهدافها.

ومع ذلك، ورغم ما تكبدته من خسائر، لا تزال إيران تملك القدرة على التعافي، وقد تعود أكثر إصراراً من أي وقت مضى على امتلاك سلاح نووي.

طريق طويل
وذكر التقرير أن أصول العملية تعود إلى منتصف التسعينات، عندما رصدت المخابرات الإسرائيلية لأول مرة ما اعتبرته «محاولات إيرانية ناشئة لبناء برنامج أسلحة نووية».

وقال: «بدأت المخابرات الإسرائيلية في بناء شبكة واسعة من العملاء داخل إيران لتسهيل حملة تخريب، شملت التسبب في انفجارين في أحد مواقع التخصيب الرئيسية في إيران واغتيال بعض العلماء».

وأضاف: «لكن المسؤولين الإسرائيليين قرروا في النهاية أن هذه الأنشطة غير كافية، وأنهم سيحتاجون في نهاية المطاف إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، وتدمير العقول المدبرة للأنشطة النووية الإيرانية، جواً».

وتابع: «سيكون القيام بذلك بالغ الصعوبة. فالمواقع التي ستحتاج إسرائيل لضربها تبعد أكثر من 1000 ميل عن أرضها؛ إذ تعين على الطيارين أن يتعلموا الطيران بتشكيلات تضم ما بين ست إلى عشر طائرات حول طائرة تزويد واحدة بالوقود، يتناوبون خلالها على التزود بالوقود عدة مرات خلال الرحلة. كما كان عليهم إتقان تموضع طائراتهم بدقة متناهية، بحيث تُطلق صواريخهم لتصيب أهدافها بفارق زمني لا يتجاوز 15 إلى 20 ثانية بين كل ضربة وأخرى، وذلك لتحقيق أقصى قدر من الفعالية».

وأشار التقرير إلى أن «هذا التدريب لم يكن ممكناً في دولة صغيرة كإسرائيل». وأضاف: «تمكنت إسرائيل من اختبار قدراتها في مجال الطائرات المقاتلة بعيدة المدى بشكل أكبر عندما استهدفت المتمردين الحوثيين في اليمن خلال العام الماضي. كما دمر النظام الإيراني أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً، وهي أنظمة إس - 300 الروسية بهجمات في أبريل (نيسان) وأكتوبر (تشرين الأول) 2024».

وتابع: «واصل المخططون العسكريون الإسرائيليون التخطيط لهجوم، بما في ذلك حرب متعددة الجبهات مع وكلاء إيران: (حماس) في غزة، و(حزب الله) في لبنان. وكان هناك أيضاً لغز التحليق فوق سوريا، التي كانت آنذاك خاضعة للنفوذ الإيراني».

وأشار إلى أنه خلال حرب غزة، أمضت إسرائيل ما يقرب من العامين الماضيين في سحق «حماس»، كما أضعفت «حزب الله» بشدة خلال حرب لبنان، العام الماضي. لاحقاً أطاحت المعارضة السورية بالحكومة السورية، وأسست حكومة مناهضة لإيران، مما مهَّد الطريق للطائرات الإسرائيلية لعبور المجال الجوي للبلاد من دون عوائق.

وأضاف: «بحلول ذلك الوقت، كانت شبكات التجسس الإسرائيلية داخل إيران واسعة بما يكفي لتتبع حركة قادتها العسكريين وإنشاء قواعد للطائرات من دون طيار داخل البلاد يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في تدمير أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية خلال الهجوم».

وقال التقرير: «مع وجود كل هذه العناصر في مكانها، تكثفت خطط الهجوم».

«عملية نارنيا»
وبحسب التقرير، مما زاد من إلحاح الموقف شعورٌ في إسرائيل بأن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تجعلها على بُعد أشهر فقط من صنع قنبلة نووية، إذا أرادت ذلك.

وتابع: «خشية أن تكون قد خسرت بالفعل معركتها لوقف تخصيب اليورانيوم الإيراني، أطلقت إسرائيل عملية تهدف إلى تصفية العلماء الإيرانيين الذين يمكن أن يساعدوا بلادهم في استخدام ذلك الوقود النووي لصنع سلاح نووي، حتى في حال تسببت الهجمات الإسرائيلية في تدمير أو تعطيل المنشآت النووية».

ووصف التقرير هذه المهمة بأنها «بالغة الجرأة»، وأشار إلى أن المهمة «بدت للوهلة الأولى أشبه بالخيال، وأُطلق عليها اسم (عملية نارنيا)».

وروى أنه، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، جمعت القيادة العسكرية الإسرائيلية نحو 120 من مسؤولي الاستخبارات والقوات الجوية لتحديد الأهداف والأشخاص الذين سيكونون في مرمى النيران عند انطلاق العمليات العسكرية. وفي نهاية المؤتمر، وُضعت قائمة تضم أكثر من 250 هدفاً، شملت العلماء الذين كانت إسرائيل تسعى لتصفيتهم، والمنشآت النووية، ومنصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، إضافة إلى عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، بحسب التقرير.

وشرح أنه كان من أولويات الخطة أيضاً ضمان التفوق الجوي منذ اللحظة الأولى، بهدف تمهيد الطريق أمام المقاتلات الإسرائيلية لمواصلة القصف المكثف على قائمة الأهداف الطويلة على مدار 12 يوماً متواصلاً. وبهذا الهدف، قام المسؤولون الإسرائيليون بتقاطع آلاف المصادر الاستخباراتية لرسم خريطة شاملة لمنظومات الدفاع الجوي الإيرانية.

وتابع: «تم إشراك جهاز الموساد، حيث عمل عملاؤه لأشهر على تهريب مكونات مئات الطائرات المُسيّرة الصغيرة المزوّدة بالمتفجرات داخل حقائب سفر وشاحنات وحاويات شحن، إلى جانب ذخائر يمكن إطلاقها عن بُعد من منصات غير مأهولة. وانتشرت فرق صغيرة مزوّدة بهذا العتاد قرب مواقع الدفاع الجوي الإيرانية ومنصات إطلاق الصواريخ، استعداداً لتدميرها بمجرد بدء الهجوم الإسرائيلي».

وفي المراحل الأولى من الهجوم، أطلقت إسرائيل أيضاً طائرات مسيّرة أكبر حجماً من أراضيها. وتم، في الليلة التي سبقت الهجوم، اختبار قدرات بعض هذه الطائرات على تنفيذ مهام طويلة المدى، للمرة الأولى، وفقاً لما أفاد به مصدر مطلع على العملية.

التمويه الإسرائيلي
في 9 يونيو (حزيران)، اتخذ نتنياهو ومستشاروه العسكريون القرار النهائي في بشن هجوم بعد أربعة أيام، وفقاً لمسؤول أمني إسرائيلي. وبحسب المسؤول، كان فريق نتنياهو يعلم أنه سيتعين عليه إخفاء خططه لضمان عدم اتخاذ الإيرانيين إجراءات احترازية، مثل تفريق علمائهم وقادتهم العسكريين.

وأعلن مكتب نتنياهو أنه سيأخذ إجازة من العمل قريباً لقضاء عطلة نهاية أسبوع، يليها حفل زفاف ابنه الأكبر أفنير، يوم الاثنين 16 يونيو (حزيران).

وصرح رئيس الوزراء لاحقاً بأن أياً من الحاضرين (بمن فيهم أفنير أو سارة زوجة نتنياهو) لم يكن على علم بأن رئيس الوزراء يخطط لتأجيل الزفاف. وتابع نتنياهو حياته كالمعتاد، حتى لا يدري الإيرانيون.

في غضون ذلك، سرّب مسؤولون إسرائيليون تقارير إلى وسائل الإعلام تشير إلى وجود خلاف بين نتنياهو وترمب حول شن هجوم. تضمنت التسريبات تفاصيل مكالمة هاتفية بين نتنياهو وترمب قبل أربعة أيام من بدء العملية؛ حيث أبلغ ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي برغبته في أن تأخذ الدبلوماسية مجراها قبل اللجوء إلى الخيارات العسكرية.

في يوم الهجمات، صرّح ترمب للصحافيين بأن الولايات المتحدة وإيران «قريبتان نسبياً من التوصل إلى اتفاق»، وأنه لا يريد «تدخل الإسرائيليين».

كما صرّح مسؤولون إسرائيليون للصحافيين بأن هجوماً وشيكاً، لكنهم سينتظرون لمعرفة النتيجة النهائية للجولة السادسة من المحادثات النووية بين واشنطن وطهران المقرر عقدها يوم الأحد.

وفي الواقع، كان الجنرالات يُجرون استعدادات اللحظة الأخيرة للهجوم، وفق ما كشف التقرير.

وقال مسؤول أمني مُطّلع على تخطيط العملية إن سرّ الخداع يكمن في الفكرة التي رُسِمَت في أذهان الإيرانيين بأن إسرائيل لن تُهاجم من دون إذن ومشاركة الولايات المتحدة. وما دامت الولايات المتحدة لم تُحشد قواتها وكانت مُنخرطة في مفاوضات، يُمكن لإسرائيل التهديد بالهجوم، بل وحتى حشد قواتها، على مرأى من الإيرانيين، من دون أن تفقد عنصر المفاجأة. في الواقع، بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تُقلع، نشر ترمب على موقع «تروث سوشيال»: «ما زلنا ملتزمين بالتوصل إلى حل دبلوماسي للقضية النووية الإيرانية!».

خطأ إيراني حكم على المسؤولين بالموت
كان جزءٌ أساسي من الخطة النهائية هو القضاء على قيادة القوات المسلحة الإيرانية دفعة واحدة، وهو ما عُرِف باسم «الزفاف الأحمر»، والهدف من هذا التحرك كان القضاء على القدرة الإيرانية على الرد، وفتح المجال أمام المقاتلات والطائرات المسيّرة الإسرائيلية لتدمير منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، وبالتالي تقليص حجم الرد المتوقع، وفق التقرير.

لكن مع اقتراب الطائرات الإسرائيلية، ظهر تحدٍّ مفاجئ، إذ بدأ قادة القوات الجوية الإيرانية بالتحرك فجأة. وفي مركز القيادة الإسرائيلي، عمّ التوتر؛ فقد بدا أن الخطة برمتها تنهار، وأن الإيرانيين قد كشفوها، بحسب ما سرد التقرير.

وقال: «غير أن المفاجأة التي صدمت القادة الإسرائيليين تمثلت في أن المسؤولين الإيرانيين، بدلاً من التفرق، اجتمعوا في موقع واحد ليحكموا على أنفسهم بالموت. وبعد دقائق، انطلقت الصواريخ الإسرائيلية».

وأردف: «في الوقت نفسه، هزّت الانفجارات منازل العلماء النوويين الإيرانيين، وأسفرت عن مقتل تسعة منهم في هجمات متزامنة تقريباً، لمنعهم من الاختباء أو الهرب. وعلى الرغم من كونها عملية محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج فإن «(عملية نارنيا) تنجح».

واسترسل: «لاحقاً، استهدفت الصواريخ الإسرائيلية مواقع الرادار، وبطاريات الدفاع الجوي، وصواريخ أرض - أرض إيرانية. وتمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من تأكيد مقتل معظم الأهداف البشرية التي تم تحديدها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وفي غضون أربع ساعات تقريباً، انتهت العملية الافتتاحية».

وخلال الأيام التالية، واصلت المقاتلات الإسرائيلية قصف مواقع إنتاج الصواريخ الباليستية والمنشآت النووية ومنصات الإطلاق، إلى جانب تعقب وقتل قيادات عسكرية وعلماء نوويين إيرانيين، إلى أن تم الإعلان عن وقفٍ لإطلاق النار، الثلاثاء.