ما هي المحاور الأميركية الخمسة التي يتحرّك ضمنها براك؟
المطالب تتوزع بين ما هو استراتيجي متوسّط الأجل وما هو آني ومرتبط بالوضع الأمني الإقليمي
سمير تويني - "النهار"
يصل الموفد الأميركي توم براك إلى لبنان خلال الفترة القريبة المقبلة لدفع دور الإدارة الأميركية في لبنان بعد وقف القتال بين إسرائيل وإيران في دعم الاستقرار والإصلاح السياسي والضغط على الطبقة السياسية للقيام بالإصلاحات الاقتصادية. وفي هذا السياق تقوم واشنطن دون انخراط مباشر في التفاوض مع "حزب الله" بالضغط عليه وعلى الدولة اللبنانية من أجل تسليم سلاحه للجيش اللبناني.
وتشير مصادر غربية إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى تثبيت اتفاق التهدئة، وترتيب ما بعد الحرب لكي تضمن تراجع قدرات الحزب. ويتواصل توم براك، المنحدر من جذور لبنانية والمقرّب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم يعيّن موفداً إلى المنطقة بشكل رسمي، مع القادة العرب لترويج سياسة الإدارة الأميركية في المنطقة من خلال كونه ممثلاً لبلاده في تركيا ومتابعاً للملفين اللبناني والسوري.
وترى المصادر أن المطالب الأميركية من لبنان تتوزع بين ما هو استراتيجي متوسّط الأجل مثل أحادية السلاح للدولة وتحقيق الإصلاحات وما هو آني ومرتبط بالوضع الأمني الإقليمي لتجنّب التصعيد جنوباً.
ومن أهم الملفات التي ستكون على طاولة المفاوضات:
أولاً، الملف الأمني، إذ تعوّل واشنطن على ضبط سلاح الحزب وتقليص نفوذه العسكري والهدف فصل القرار السيادي اللبناني عن تأثير الحزب خاصة في ما يتعلق بقرار السلم والحرب. وتريد واشنطن تطبيق القرار الدولي 1701 ووقف الأعمال العدائية والانسحاب الكامل للقوى العسكرية التابعة للحزب من الجنوب كمرحلة أولى وانتشار الجيش اللبناني بالتعاون مع القوات الدولية "اليونيفيل".
وتسعى من خلال ترؤسها لجنة مراقبة وقف النار في لبنان إلى منع التصعيد بين إسرائيل والحزب وضبط الاشتباكات وتثبيت معادلة أمنية على الحدود بين البلدين تكبح أيّ نيّة للحزب لفتح جبهة جديدة. وفي هذا السياق تقوم بدعم الجيش اللبناني كبديل أمني مشروع، وتعوّل على تعزيز حياده واستقلاليته.
ثانياً، تضغط الولايات المتحدة في الملف السياسي كما العواصم الغربية والخليجية من أجل تنفيذ الحكومة اللبنانية الإصلاحات الهيكلية وإصلاح القضاء ومحاربة الفساد، وتشترط الشفافية في القضاء وهي في هذا السياق فرضت عقوبات على شخصيات سياسية متهمة بالفساد.
ثالثاً، في الملف الاقتصادي، تدعو واشنطن إلى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية وهي تدعم دور صندوق النقد الدولي وتعوّل على إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوحيد سعر الصرف وضبط الهدر في المؤسسات العامة خصوصاً الكهرباء وتطالب باستقلالية البنك المركزي والتوقف عن الاعتماد على الاقتصاد النقدي وتشدّد على حياد لبنان وعدم تحوّله إلى منصّة تخدم مصالح إقليمية.
رابعاً، ملفّ الطاقة والترسيم والاستثمارات والالتزام باتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل وحمايته من قبل السلطات اللبنانية وتهيئة المناخ القانوني لاستثمار الشركات المهتمة بقطاع الغاز الذي يتطلب استقراراً أمنياً وقانونياً وسياسياً وعدم تحكم أيّ فريق بالمرافق السيادية. أما بالنسبة إلى ترسيم الحدود وحلّ النقاط الخلافية، فإن لبنان مدعوّ كما سوريا إلى ترسيم حدودهما المشتركة، لتسهيل الترسيم بين لبنان وإسرائيل وتحديد هوية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر لوقف استخدام هده المناطق كعامل اضطراب في الجنوب.
خامساً، ملفّ إعادة الإعمار المرتبط بعملية وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي تحتلها وبالعملية الاقتصادية والإصلاحية.
وتؤكد المصادر أن واشنطن تطالب بأن يتحول لبنان إلى دولة ذات سيادة حقيقية بجيش موحد واقتصاد شفاف ومؤسسات مستقلة. وهي تدرك أن هذه المطالب تصطدم بالتركيبة الطائفية السياسية العسكرية في لبنان. لذلك تتعامل غالباً بسياسة الضغط التدريجي والعقوبات الناعمة، بدل التدخل المباشر الذي كانت تستخدمه المندوبة السابقة مورغان أورتاغوس. فهي تضغط بنعومة لتوسيع صلاحيات الدولة في الجنوب. وسياسة الخطوة خطوة لا تتطلب نزع السلاح على كامل الأراضي اللبنانية بل الانتقال من منطقة إلى أخرى.
غير أن عودة الدولة المركزية يواجهها موقف الحزب الذي لا يزال يرفض المطالب الأمنية والسياسية، فيرفض تسليم سلاحه لأنه جزء من معادلة الردع التي تحمي لبنان ما لم يتم تحديد مستقبل الشرق الأوسط، ويعتبر أن واشنطن تحاول إعادة لبنان إلى الحضن الغربي وتضغط لعزله. وكان قد وافق على الترسيم البحري ضمن معادلة أن المقاومة تحمي حقوقه، وهو يرفض فكرة الحياد.
لكن وقف القتال بين إيران وإسرائيل وتعزيز الدور الأميركي راعياً للتسوية الإقليمية سيؤدي حتماً إلى تسوية إقليمية ترعاها واشنطن تشمل وقف إطلاق النار وتهدئة الجبهات المشتعلة وترتيباً طويل الأمد في الجنوب كتحديث القرار الدولي ١٧٠١ وتعديل ولاية القوات الدولية وإعادة رسم دور العديد من القوى السياسية.