تقرير اسرائيلي تحدث عن فشل الخطّة الإيرانيّة المرتبطة بوكلائها في المنطقة
المصدر- "المدن"
نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيليّة تقريرًا جديدًا تحدّثت فيه عن فشل الخطّة الإيرانيّة المرتبطة بوكلائها في المنطقة، وذلك إبّان الحرب التي خاضتها إيران ضدّ إسرائيل خلال شهر حزيران الجاري. ويقول التقرير إنّ استراتيجيّة إيران لكسب الهيمنة في الشرق الأوسط "تتألّف من ثلاثة مكوّنات رئيسيّة: المشروع النوويّ، برنامج الصواريخ الباليستيّة، والحفاظ على شبكة من المنظّمات السياسيّة والعسكريّة بالوكالة كأداة سياسيّة في أنحاء المنطقة".
مكوّنات الاستراتيجيّة الإيرانيّة
وأردف التقرير: "لقد جرى تقليص العنصرين الأوّلين من هذه الاستراتيجيّة تقليصًا كبيرًا، على الرغم من عدم تدميرهما، خلال الحرب التي دامت اثني عشر يومًا هذا الشهر. أمّا العنصر الثالث، أي الوكلاء، فقد ظلّ بعيدًا عن الساحة إلى حدٍّ كبير خلال الأسبوعين الماضيَيْن، غير أنّ المراقبة الدقيقة لسلوك المنظّمات السياسيّة والعسكريّة التابعة لإيران خلال الأسبوعين الماضيَيْن والأشهر العشرين الفائتة من الصراع تشير إلى ضرورة مراجعة بعض الافتراضات الشائعة حول هذه الجماعات ودورها في مساعي إيران لبسط نفوذها".
ويعود استخدام إيران للوكلاء إلى الأيام الأولى للجمهوريّة الإسلاميّة، إذ كان من أوائل روّاد فكرة توسيع نطاق الثورة الإسلاميّة أسماء غير معروفة في الغرب، مثل مصطفى شمران ومحمد منتظري، ومنها انبثقت استراتيجيّة الوكالة. وكانت أولى محاولات إيران المتعثّرة لشنّ حرب بالوكالة في البحرين عام 1981، ولكنّ تأسيس حزب الله اللبناني عام 1982 وتمرّده اللاحق ضدّ إسرائيل شكّلا النموذج للحرب بالوكالة الإيرانيّة. وتحت قيادة الراحل قاسم سليماني، بدءًا من عام 1998، حوّل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الحربَ الثوريّة والحربَ بالوكالة إلى أداةٍ رئيسةٍ لفرض النفوذ الإيرانيّ.
الهدف من الوكلاء على الحدود الإسرائيليّة
كانت الفكرة الأساسيّة وراء استراتيجيّة سليماني "بسيطة ورائعة في آنٍ معًا"، إذ إنّ إيران ستنشئ منظّماتٍ تجمع بين القدرات السياسيّة والعسكريّة في الدول الأجنبيّة – أو تحدّد حركاتٍ قائمةً على هذا النحو – ثمّ تعزّز قوّتها عسكريًّا وماليًّا وسياسيًّا، لتحويلها إلى أدواتٍ لبناء النفوذ الإيراني في المنطقة المعنيّة. وبحسب عبارة محلّلٍ لبنانيّ، كانت فكرة سليماني "إدخال نوعٍ من الدولة العميقة الخاضعة لسيطرة إيران في جسد دولةٍ قائمة".
وكان الهدف من هذه الاستراتيجيّة بسط النفوذ في المنطقة، بينما تمثّل الهدف في السياق الإسرائيلي تحديدًا في زرع منظّماتٍ كهذه على حدود إسرائيل بحيث يمكن تفعيلها في الوقت المناسب، ولا سيّما إذا قرّرت إسرائيل توجيه ضربةٍ إلى المنشآت النوويّة الإيرانيّة.
ويرى التقرير أنّ إيران كانت منخرطةً في استراتيجيّة "حربٍ طويلة الأمد" ضدّ إسرائيل يفترض أن تنتهي بانهيار الدولة اليهوديّة. وكان الهدف من "الجيوش التابعة" على طول الحدود إبقاء المجتمع الإسرائيلي في حالة "لا سلم ولا حرب"، وإضعاف صموده، انطلاقًا من الفكرة القوميّة العربيّة والفلسطينيّة التي تعتبر إسرائيل مجتمعًا مصطنعًا يفتقر إلى تماسكٍ داخليٍّ قويٍّ أو ولاءاتٍ وطنيّةٍ راسخة.
لأعوامٍ عدّة، بدا أنّ هذه الاستراتيجيّة تسير بخطى حثيثة: فقد دفع حزب الله إسرائيل إلى الانسحاب الأحادي من جنوب لبنان عام 2000، وخاض حربًا غير حاسمةٍ ضدّها عام 2006، ثمّ برز بعد عام 2008 كأقوى قوّة سياسيّة وعسكريّة في لبنان. كذلك فازت حركة حماس، المتحالفة مع إيران منذ أوائل تسعينيّات القرن العشرين، بالانتخابات الفلسطينيّة عام 2006 ثمّ تولّت السيطرة الحصريّة على غزة اعتبارًا من 2007. وفي العراق، برزت وحدات الحشد الشعبي الشيعيّة الموالية لإيران كأقوى قوّة سياسيّة وعسكريّة بعد الحرب على "داعش"، بينما سيطرت ميليشيا الحوثيّين الموالية لإيران في اليمن على العاصمة صنعاء وجزءٍ كبيرٍ من الساحل عام 2015 ولا تزال تسيطر عليه منذ ذلك الحين. أمّا في دمشق، فقد لعبت الجماعات الإيرانيّة دورًا محوريًّا في الحفاظ على حكم حليف إيران الوحيد في العالم العربي، نظام الأسد في سوريا.
غياب التخطيط المركزيّ وفشل الوكلاء
قتل قاسم سليماني نفسه على يد الولايات المتحدة في كانون الثاني 2020، غير أنّه عشية 7 تشرين الأوّل 2023 بدا وكأنّ رؤيته الاستراتيجيّة قد حقّقت للنظام الإيراني ما أراده تمامًا: صيغةً لإبراز القوّة والنفوذ والاحتفاظ بهما في جميع أنحاء المنطقة. لكنّ الأحداث اللاحقة كشفت عن قيودٍ صارخةٍ واجهها نهجه؛ إذ إنّ الخلل الرئيس، كما ظهر في سلسلةٍ من الحلقات، تمثّل في فشل الاستراتيجيّة في مراعاة إمكان أن الوكلاء – بعد حصولهم على السلطة والنفوذ بمساعدةٍ إيرانيّة – سيوظّفون قدراتهم لخدمة رؤاهم ومصالحهم الخاصة لا رؤى ومصالح راعيهم.
يبدأ هذا النمط مع هجمات 7 تشرين الأوّل 2023: فعلى الرغم من اعتماد حماس على إيران في الخبرة العسكريّة، لا يبدو أنّ تلك الهجمات كانت منسّقةً مسبقًا مع طهران، ولا توجد مؤشّراتٌ على أنّ الأخيرة قرّرت أنّ الوقت قد حان لشنّ حرب. فقد اتّخذت حماس هذا القرار بنفسها، متوقّعةً – على ما يبدو – تدخّل حلفائها لنجدتها. في الواقع، جاءت تعبئة حلفاء حماس جزئيّةً ومتقطّعةً ومن دون قرارٍ مركزيّ؛ إذ قدّم كلٌّ من حزب الله في لبنان، والحوثيّين في اليمن، والجماعات الشيعيّة في العراق، وأخيرًا إيران نفسها، "لفتته" الخاصّة الداعمة لحماس.
أتاح غياب خطّةٍ مركزيّةٍ واضحةٍ لإسرائيل أنّ تتعامل مع كلّ معتدٍ على حدَة وتوجّه إليه ضرباتٍ قاصمة، ويعَدّ الهجوم الإسرائيلي على إيران قبل أسبوعَيْن الذروةَ في هذا النهج.
ad
ويخلص التقرير إلى أنّ ردَّ فعل الوكلاء على ذلك الهجوم يقدّم دليلًا إضافيًّا على الخلل في استراتيجيّة سليماني: فبعد سنواتٍ من الافتراض بأنّ تلك الجماعات جرى إعدادها لهذه اللحظة تحديدًا، قرّر جميع الوكلاء – من دون استثناء – البقاء خارج القتال عندما حان موعد اختبارهم في الدفاع عن الراعي الإيراني.