رغم تعذّر تحديد الأرقام الدقيقة... خسائر الاقتصاد نتيجة المواجهة الاقليمية كبيرة!

رغم تعذّر تحديد الأرقام الدقيقة... خسائر الاقتصاد نتيجة المواجهة الاقليمية كبيرة!

image

رغم تعذّر تحديد الأرقام الدقيقة... خسائر الاقتصاد نتيجة المواجهة الاقليمية كبيرة!
تتجاوز السياحة إلى مروحة واسعة من القطاعات


رماح هاشم - "نداء الوطن"

رغم توّقف الحرب الإسرائيلية - الإيرانية التي اجتاحت المنطقة وأثّرت بشكلٍ مباشر على لبنان، لا تزال تداعياتها تُلقي بظلالها على الاقتصاد اللبناني. ورغم أن لا دراسات موثوقة حتى اليوم، حول حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد اللبناني جراء هذه المواجهة، إلا أن بعض الخبراء يقدرونها بشكل أولي بحوالى  700 مليون دولار، وهذه مشكلة تُضاف إلى المشاكل القائمة.

من الواضح أن القطاع الأكثر تأثرًّا في الحرب الإقليمية الأخيرة هو القطاع السياحي الذي لم يستطع أنْ يلتقط أنفاسه حتى جاءت الحرب وبدّدت أحلامه. ولكن السؤال المطروح اليوم، هل يمكن التعويل على ما تبقّى من الموسم،  لضمان إيرادات سياحية تدعم الحركة الاقتصادية في البلد في هذه المرحلة الصعبة؟


تضرّر كافّة القطاعات

الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة يشير لـ "نداء الوطن"، إلى أنّ "النقطة الأولى والجوهريّة والتي يجب التوّقف عندها هي أن الاقتصاد اللبناني، بكافّة قطاعاته تضرّر نتيجة الحرب الإسرائيليّة من جهة، إضافةً إلى الأزمة الاقتصادية المستمرّة من جهة أخرى. الواقع الاقتصادي مثل سيارة ما زالت تتحرّك بقوّة الدفع الذاتي: البنزين نفد، لكن السيارة لا تزال تكرّ وحدها".
ويعود عجاقة إلى عام 2023 حيث يعتبر أنّ "بعض المؤشرّات أوحت باستنهاض الواقع الاقتصادي مُجدّدًا، إلى أنْ عادت الأزمة واندلعت بعد المواجهة مع إسرائيل، لتُعيد الوضع إلى التردّي من جديد".

ويؤكّد أنّ "أغلبيّة القطاعات إن لم تكن بأكملها قد تضرّرت، ومن الصعب الحديث عن قطاع لم يطله التأثير السلبي".

وفي ما يتعلق بالمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية، يُوضح أنّها "أرخت بظلالها على كافّة القطاعات من باب ارتفاع الأسعار نتيجة عامليْن أساسيين: أولًا، ارتفاع أسعار النفط، وثانيًا، ارتفاع "علاوة المخاطر" أو ما يُعرف بالـ Risk Premium، ما انعكس مباشرة على كلفة التأمين والشحن، وبالنتيجة على أسعار البضائع، وهنا، دخلت القدرة الشرائية للمواطن في دائرة الخطر، فأي متسوّق بسيط يمكنه ملاحظة الفرق الشاسع في الأسعار قبل الأزمة وبعدها.

الأسعار ترتفع… ولا تنخفض

يستبعد عجاقة "العودة إلى ما كانت عليه الأمور في السابق في ما يخصّ الأسعار، وذلك لأن الأسعار في لبنان ترتفع تقليديًّا من دون أن تعاود الانخفاض حتى بعد انتهاء الأزمة، والسبب بكل بساطة هو الاحتكار. ففي غياب المنافسة الحقيقية، لا وجود لقوى ضغط تسمح بانخفاض الأسعار كما يحصل في الأسواق الطبيعية".

القطاع السياحي تضرر بشكل مباشر، وهو "من أبرز القطاعات التي تلقّت الضربة الأولى. فقد تمّ إلغاء عدد كبير من الحجوزات، ما أفشل الموسم السياحي المنتظر. رئيس نقابة أصحاب المؤسسات السياحية جان بيروتي كان قد أشار إلى حجم الخسائر الناتجة عن هذا الإلغاء المفاجئ، ما أدّى إلى شلل شبه كامل في حركة الوافدين".

أما القطاع الثاني فهو قطاع النقل، حيث يلفت عجاقة إلى أنّ "الارتفاع في كلفة النقل، خاصّة مع ارتفاع أسعار المحروقات، يعني تلقائيًا تراجعًا في النشاط. فشركات الشحن والطيران، بدلًا من أن تتحمّل الزيادة، تُعيد تحميلها للمستهلك، بمّا يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار مُجددًا، وبالتالي تراجع القدرة الشرائية وانخفاض الاستهلاك، ما ينعكس خسارة على القطاع نفسه".

والقطاع الثالث، هو القطاع التجاري. "فكما هو معروف، في أوقات الأزمات، يتجّه المستهلكون نحو شراء المواد الأساسيّة فقط، متجنّبين المنتجات الثانوية أو الكمالية. وعلى الرغم من أن الأزمة الأخيرة لم تدم طويلًا (12 يومًا فقط)، إلّا أنّ تداعياتها ظهرت في تراجع ملحوظ في استهلاك السلع غير الأساسية"، وفق ما يلفت عجاقة.

الصادرات تتراجع

يضيف: "إلى جانب السياحة والتجارة، تضرّرت قطاعات أخرى من تبعات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، ولا سيّما القطاع الزراعي والقطاع الصناعي، نتيجة انخفاض الصادرات وارتفاع الكلفة التشغيلية عليهما. صحيح أنّ فترة الاشتباك لم تتجاوز 12 يومًا، إلّا أن تداعياتها كانت ملموسة".

وفي هذا الإطار يؤكّد أنّ "حركة التصدير خلال فترة الحرب شهدت تباطؤًا ملحوظًا، نتيجة القلق الأمني من جهة، والإجراءات التي اتُّخذت من قبل شركات الطيران العالمية وبعض شركات الشحن البحري التي حجبت أجواءها عن المنطقة من جهة ثانية. وبرز ذلك بشكل واضح في القطاع الزراعي، حيث تُعدّ سرعة التصدير عاملًا أساسيًا للحفاظ على جودة المنتجات الطازجة. ومع تعذّر الشحن الجوي والبحري لبعض الفترات، تكدّست البضائع، ما أدّى إلى خسائر مباشرة".

يضيف: "من بين القطاعات التي طالتها تداعيات الأزمة أيضاً، قطاع السياحة التجميليّة، الذي يُشكّل رافدًا مُهمًا للدولار في لبنان. فالبلد لطالما استقطب زوّارًا من الخارج لإجراء عمليات تجميليّة. إلَّا أنّ هذه الفترة شهدت إلغاء عدد لافت من الحجوزات المُرتبطة بهذا النوع من السياحة، وهو ما انعكس سلبًا على هذا القطاع".

خسائر تقديريّة تُظهر حجم الضرر

وإذ يُشدّد عجاقة على أنه "ليس هناك حتى اللحظة رقم دقيق للخسائر التي لحقت بالاقتصاد اللبناني خلال هذه الأزمة، أوّلًا بسبب غياب الاحصاءات الرسمية أو الجداول الموثوقة في الدولة، وثانيًا لأنّ الفترة الزمنية كانت محدودة (12 يومًا فقط). إلّا أنّه يؤكّد أنّ "لبنان تكبّد خسائر فعلية ومباشرة نتيجة هذه التطورات". وهنا يقدّر الخسائر الناتجة عن الصراع الإيراني – الإسرائيلي خلال فترة 12 يومًا بـ "نحو 700 مليون دولار" مشيرًا إلى أنّ "هذا الرقم هو تقديري، ويتضمّن الخسائر غير المباشرة، أو ما يُعرف بالخسائر الاقتصادية التي أصابت حركة الإنتاج، التصدير، الاستهلاك، والسياحة في مختلف وجوهها".

في المحصّلة، الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد هشّ، يتلقّى الضربات من كافّة النواحي والاتجّاهات، إلّا أنّه يستمرّ في التحرك بالحدّ الأدنى من طاقاته، وسط غياب الإصلاحات والمُنافسة الحقيقيّة.