لبنان «بين سرعتين» في مقاربة «خريطة الطريق» الأميركية لسحب السلاح

لبنان «بين سرعتين» في مقاربة «خريطة الطريق» الأميركية لسحب السلاح

image

الراي- تسارعتْ وتيرةُ الاتصالات التي تواكب عملَ اللجنة التي تضمّ ممثلين لرؤساء الجمهورية جوازف عون والحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري والتي كُلّفت إعدادَ مسودةِ ورقة الردّ على خريطة الطريق «الثلاثية البُعد» التي أوْدعها السفير الأميركي لدى تركيا الموفد إلى سوريا توماس برّاك المسؤولين اللبنانيين كمدخلٍ لمعالجةٍ جذرية وبالتوازي لمسألتيْ السيادة والإصلاح واللتين يجمع بينهما تَحَوُّلُ سحْب سلاح «حزب الله» أشبه بـ «افتح يا سمسم» للدعم السياسي المالي لـ«بلاد الأرز».

وفي الوقت الذي من المتوقّع أن يعود براك الى بيروت الاثنين حيث يعقد لقاءات تستمر حتى الثلاثاء، عبّرت مصادر سياسية عن خشيةٍ من «سرعتيْن غير متساويتيْن» تَبَلْوَرَتا بإزاء الرسالة التي بات الجميع في لبنان بأجوائها، ومفادها بأن الوقتَ والهامش يضيق أمام تنفيذ «وَعْدِ» سَحْب السلاح وأن صبر الرئيس دونالد ترامب بدأ ينْفَد، وتالياً فإن النافذةَ لن تبقى مفتوحةً طويلاً لحلولٍ «على البارد» من شأنها أن تضع المفتاحَ في «القِفل» الذي يفصل الوطن الصغير حتى الساعة عن ضفةِ... الشرق الجديد.

ففي موازاة الاستعجالِ الأميركي، المدعوم عربياً ودولياً، تَبرز مَلامحُ سرعةٍ لبنانيةٍ «مخفَّفة» تُراعي تعقيدات الوضع الداخلي والعوامل غير المساعِدة التي يشكّلها إفراط إسرائيل في تظهير «تفوُّقها» الذي طَبَعَ مجمل مسار حرب لبنان الثالثة وصولاً لكيفية إدارتها «بالنار» مرحلة ما بعد اتفاق وقف النار (27 نوفمبر)، سواء لجهة استمرارها باحتلال 5 تلال في الجنوب أو لناحية مواصلة اعتداءاتها الجوية والاغتيالات وترسيخ «حرية الحركة» بإزاء كل ما تعتبره تهديداً وشيكاً أو في طور التشكّل.

ورغم أن لبنان محكومٌ بإنجاز الردّ على ورقة براك، التي تتمحور في جوهرها حول طيّ صفحة سلاح الحزب جنوب نهر الليطاني وشماله من ضمن روزنامة مُجَدْوَلة زمنياً، وفي خطوةٍ تُقابِلُها خطوةُ انسحاب تل أبيب وإطلاق الأسرى ووقف الاعتداءات وصولاً إلى تثبيت الحدود براً، ويوازيها مسارٌ مع سورية من أبرز نقاطه تحديد الحدود البرية كإطارٍ لحسْم هوية مزارع شبعا المحتلة، إلى جانب بند الإصلاحات، فإنّ ثمة انطباعاً بأنّ بيروت التي تجد صعوبةً في انتزاع موافقة من «حزب الله» على مبدأ تسليم السلاح، ليست قادرة على تحمُّل اتفاقٍ يبدأ بسحْب السلاح وليس الانسحاب الإسرائيلي.

وفي حين يَصعب تَصَوُّرُ أن يصوغ لبنان ردَّه على مقترَح براك في شكلٍ يَظْهَر معه وكأنه يُجْهِضُ المَسارَ الذي ترعاه واشنطن لنقْل «وَقْفِ الأعمال العدائية»، على هشاشته، إلى مرحلةٍ مستدامةٍ لا تتوانى الولايات المتحدة عن ربْطها حتى بأفق «سَلامٍ» تحدّث عنه الموفد نفسه «على المسارين السوري واللبناني»، فإنّ ثمة تَخَوُّفاً من أن يستعيد الردّ المرتقب من بيروت لعبة «قلْبِ الأولويات» في إطار محاولةٍ لتبديل تراتبية الطرح الأميركي وبالحدّ الأقصى الحض على تزامُنٍ في التطبيق وبضماناتٍ صريحة من إدارة ترامب تكون «بوليصة التأمين» لأي تفاهمات.

«ضمانات حقيقية»

وفيما يسود ترقُّب مشوب بالحذر الشيديد لتزامُن عودة براك إلى بيروت مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن على وقع محاولةِ تبريدِ «حريق غزة» بشروط تل أبيب، لم يكن عابراً ما نُقل عن سلام من أن على المبعوث الأميركي «الحصول على ضمانات حقيقية تؤدي لانسحاب إسرائيل» موضحاً أن الأخير «قدم لنا رؤيته ولم تكن على شكل إنذار»، ومعتبراً «أن التوصل لرد موحّد وتقديمه لموفد واشنطن يصب بمصلحة لبنان».

وترافق ذلك مع معلومات عن استمرار اللجنة الثلاثية التي تضمّ ممثلين لعون وسلام وبري في عملها وأنها تقترب من إنهائه في ظل تناغم بين أعضائها وأنها تنسّق الأفكار مع الحزب بواسطة رئيس البرلمان لصوغ ردّ يتناول النقاط الثلاثة في مقترح براك، وسط نقل قناة «الجديد» عن مصادر معنية «أن الموقف لايزال موحّداً حول ضرورة انسحاب العدو من المناطق الجنوبية المحتلة ووقف الاعتداءات إفساحاً في المجال أمام لبنان لتطبيق ما تبقى من اتفاق وقف النار والقرار 1701».

اللجنة الخماسية

وإذ يُنتظر أن يُعقد اليوم اجتماع بين سفراء اللجنة الخماسية (تتألف من الولايات المتحدة، السعودية، فرنسا، مصر وقطر) المولجة متابعة الملف اللبناني في مقر السفارة الأميركية في عوكر لمواكبة مسار التحضيرات للردّ على ورقة براك ومعاودة التشديد على عنوانيْ «السلاح والإصلاح معاً»، ذكرت القناة نفسها أن السفيرة الأميركية ليزا جونسون «تسعى مع المسؤولين اللبنانيين لوضعهم أمام مسؤولية العناوين التي يَنتظر المجتمع الدولي من لبنان أن ينجزها في شكل فوري»، لافتة إلى «أن هذه المساعي تأتي مع كلام براك أخيراً عن أن على حزب الله أن يختفي عسكرياً ويجب أن يختفي».

وكان سلام قال أمام المجلس الاقتصادي الاجتماعي إنه «لا يمكن تحقيق الاستقرار طالما استمرّت الانتهاكات الإسرائيلية، وبقي الاحتلال قائماً لأجزاء من أرضنا، وأسرانا في سجون العدو»، موضحاً «من هذا المنطلق، نكثّف الضغوط السياسية والدبلوماسية لتنفيذ القرار 1701، ونوفّر كل ما يلزم لضمان العودة الكريمة لأهلنا، وإعادة إعمار ما دمّره العدوان».

وأضاف «في موازاة ذلك، تواصل الدولة، انسجاماً مع اتفاق الطائف وبيان حكومتنا الوزاري جهودَها لبسط سلطتها الكاملة على كل أراضيها بقواها الذاتية، بهدف حصر السلاح في يدها وحدها. وقد عزّزْنا السيطرة على مطار رفيق الحريري الدولي والطريق المؤدي إليه عبر إجراءات إدارية وأمنية صارمة للحد من التهريب وتعزيز السلامة العامة، كما أطلقنا تعاوناً مباشراً مع الجانب السوري لضبْط الحدود، ومكافحة التهريب، وتأمين العودة الآمنة والكريمة للنازحين».

مجموعات مسلّحة

ورغم تطمينات رئيس الحكومة، وقبْله الجيش اللبناني إلى الإجراءات على الحدود مع سوريا بقاعاً وشمالاً، فإن ثمة ارتياباً متصاعداً في بيروت من الضخّ الإعلامي عن مجموعات مسلّحة، وبينهم من الإويغور والشيشان وتركمانستان و«داعشيون»، سواء يَحتشدون على هذه الحدود أو عَبَرَ قسم منهم إلى الداخل اللبناني كـ «خلايا نائمة» تتحضّر لعملياتٍ إرهابية.

وما عزّز المخاوفَ التعاطي مع هذا الضخّ المبرمج من البعض، على أنه في إطار رفْع الضغوط على الحزب من خَطَرٍ آتٍ قد يزيد من إرباك الساحة الداخلية، في موازاة اعتباره من خصوم الحزب في سياقِ إحياء «فزاعة داعش والإرهاب» لحرف الأنظار عن ملف سلاحه وتبرير التمسُّك به ومن بابٍ آخَر لـ «قلْب الأولويات».