كيف يقرأ "حزب الله" وعد العودة العربية إلى لبنان؟ | أخبار اليوم

كيف يقرأ "حزب الله" وعد العودة العربية إلى لبنان؟

| الثلاثاء 29 مارس 2022

 ميقاتي لا يخفي انه الاكثر ارتياحا لهذا التطور

"النهار"- ابراهيم بيرم

هل فعلاً ان "حزب الله" مرتاب حدّ التوجس من الكلام منذ فترة عن عودة عربية وشيكة الى مربّع التأثير والفعل في الساحة اللبنانية؟

هذا السؤال سارع البعض الى إثارته فور انطلاق الكلام السعودي - الكويتي الايجابي، والذي تجلّى في رد الرياض والكويت المتسم بالايجابية والسلاسة على تحية بعث بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والتي تجسدت في بيان شهيرحيال الدول الخليجية، وهي تحية حفلت بوعود بدت جازمة بوقف الاعتراض الذي يبديه اطراف لبنانيون فاعلون، وتحديدا "حزب الله"، على سياسات خليجية. وهو الاعتراض الذي طوّرت الدول الخليجية عملية الاحتجاج المطلق عليه والرفض له الى حد إشهار القطيعة مع لبنان ومغادرة سفرائها منه، واقترن بقطيعة اقتصادية مضافا اليها تلويح بخطوات اكثر تصعيدا.

وكما اعتبر "حزب الله" نفسه معنيا بدرجة اولى بقرارالقطيعة وسحب السفراء كونه اشير اليه على انه يتحمل الجزء الاكبر وربما الحصري من المسؤولية، فانه يجد نفسه معنيا ايضا بالكلام الايجابي الساري حديثا والمتضمن وعداً بسحب قرار إشهار المقاطعة واستبداله بقرار مغاير من مندرجاته عودة الى عمق الساحة موعدها شهر رمضان الذي بات صبحه قريبا.

ثمة من تحدث في الساعات القليلة الماضية عن وفدين خليجيين أمنيين (قطري واماراتي) حلّا في رحاب بيروت، وعلى رأس جدول مهماتهما الالتقاء بمسؤولين من "حزب الله"، الامر الذي لا يبدو للراصدين مفاجئا، اذ انه رغم عنف الهجمات الاعلامية لم توصد يوما بينهما ابواب التواصل وقنوات الحوار الخفية، واستطرادا لم تتوقف أشكال الأخذ والعطاء، خصوصا حول ما يتصل بالشؤون الامنية. لكن الذي يبدو جديدا هو تكرار الطلب من قيادة الحزب لعب دور الوسيط مع جماعة "انصار الله" المعروفة باسم "الحوثيين" بغية اقناعهم بالانزياح نحو مخرج يضع حداً للحرب في اليمن، انطلاقا مما قيل عن "مَونة كبرى" للسيد حسن نصرالله على قائد الحوثيين عبد الملك الحوثي. ومع ذلك فان هذا الكلام الساري، والذي لم تنفه مصادر الطرفين او تؤكده فبقي مجردا من اي سند مادي، يبدو منفصلا عن مسار الحديث المتجدد عن عودة الخليج الى لبنان.

واذا كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لا يخفي انه الاكثر ارتياحا لهذا التطور، لاسيما وقد عدَّه انجازا يمكن البناء عليه، وهو كان ينشده ويراهن عليه منذ اللحظة الاولى لدخوله السرايا الحكومية، فان لدى الحزب قراءة اعمق لهذا التطور النوعي لا يستبطن بالضرورة حفاوة، ولكنه لا يكتنز هلعا واستنفارا وفق تحليلات البعض.

لا تخفي الجهات عينها في الحزب ان قراءتها تتعدى ذلك كله الى ما هو اعمق واشمل، ويتصل تحديدا بمستقبل المعادلة الداخلية اللبنانية في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية الموعودة. لم يكن الحزب مرتاحا عندما صعّد الخليج الموقف في وجه الحكومة اللبنانية الجديدة في حينه على خلفية كلام منسوب الى وزير قبل تسميته لمنصبه، اذ اعتبره سلوكا يصب في خانة تشديد الحصار، لذا فان الحزب سيتعامل بالعمق مع وعود العودة الخليجية الى لبنان بقدر عال من الايجابية بصرف النظر عن الدوافع والنتائج العملية، وسيعتبره تطورا ايجابيا من شأنه ان يريح الساحة اللبنانية ويهدىء مخاوفها المتعالية يوما بعد يوم، وسيضع حداً للذين يرفعون عقيرتهم بالتخوف من عزل لبنان وفصمه عن محيطه العربي.

ورغم ذلك فان الحزب، وفق الجهات اياها، يأخذ وقته في التبصر في خلفيات الحدث والدواعي التي حدت بالدول الخليجية الى المجاهرة فجأة بانها قد "عفت وصفحت" عن لبنان وجريرته بعد بيان الرئيس ميقاتي.

فالحزب، بطبيعة الحال، لا يأخذ التحليل القائل بان قرار العودة قد اتُّخِذ بناء على بيان حافل بالنيات الطيبة صدر عن رئيس الحكومة، او حتى بناء على الوساطة الكويتية التي انطلقت سريعا بُعيد بروز نذر ازمة العلاقات الخليجية - اللبنانية، فالامر لا يعدو في نظره إخراجا ليس إلا وان وراء أكمة قرار العودة ما وراءها من معطيات، كما كان وراء أكمة قرار الخروج ما وراءها من مؤشرات ودلائل. لذا فان الحزب يرى ان قرار الخروج كان الى حد بعيد قرارا أُخِذ في ساعة غضب، ولكن قرار العودة قرار عقلاني متروٍّ يشفّ عن أمرين اثنين:

- ان قرار الخروج ادى الى نتائج سلبية على مجمل التوجهات السياسية الخليجية حيال لبنان، وعلى وضع الشريحة اللبنانية التي توالي هذه السياسة وتمضي في ركابها. وبمعنى آخر ان حسابات حقل رهانات الخروج المتعجل لم تتوافق تماما مع حسابات بيدر النتائج والحصاد المرتجى.

- يفترض الحزب، كما سواه، ان يكون قرار العودة مقرونا بخطة عملانية لاستعادة الدور الذي كاد ان يُفقد ويضيع. لذا فان السؤال هو: ما مضامين هذه الخطة، وهل ستكون عبر العودة الى مسار الانتخابات برؤية مختلفة، ام ماذا؟ وبذا يكون همّ الحزب هو استشراف مبكر لنوعية الاداء الذي ستتقرر عليه العودة الخليجية الى الساحة اللبنانية في قابل الايام.

وأبعد من ذلك، ان العودة بحد ذاتها ستكون تلافيا مبكرا لتطورات مرتقبة في الاقليم عموما في ضوء المستجدات المنتظرة والتي بدأت نذرها تطلّ منذ انعقاد الحوار الغربي - الايراني حول ما يسمى الملف النووي وانعكاساتها المتوقعة، والتي من شأنها ان تبسط ظلالها على الساحة اللبنانية تعزيزا لرهانات البعض واخفاقا لحسابات البعض الآخر.

وفي كل الاحوال، تقيم الجهات عينها على تقييم فحواه ان امر الخروج من الساحة ومن ثم قرار العودة اليها ينمّ عن ارباك في السياسات والرؤى العربية وربما الغربية تجاه لبنان والاقليم، ويدل على ان تلك السياسات لم تستقر على رؤية موحدة وثابتة بعد. وفي العموم فان الجهات اياها تؤكد ان الحزب لا يقيم على "توجّس" من العودة الخليجية المحكي عنها الى لبنان، فالخليج كان الى الأمس القريب حاضرا بقوة وصلابة في هذه الساحة وله فيها تأثير ومروحة انصار، وكان شريكا على نحو او آخر في معادلات هذه الساحة وشكّل الجزء الآخر من نصابها. ولكن الذي حصل يلخص ان المنظومة الخليجية هي مَن قرر القطيعة في لحظة شديدة الاحتدام والتعقيد.

ولا تخفي الجهات عينها ارتياحها الى الوعود المرسلة بتقديم مساعدات للبنان، وإنْ كان الامر عبر الجمعيات وليس المؤسسات الرسمية، لان ذلك من شأنه ان ينعكس "بردا وسلاما" على اللبنانيين المكتوين بنار الازمات. والمهم بالنسبة للجهات عينها اقتناع البعض في الداخل والخارج بان هذا البلد لن يكون يوما نسخة طبق الاصل عن سواه، وان التنوع وحرية الرأي والتعبير فيه جزء اساسي من شخصيته وهويته الحضارية.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار