السلطات الإيرانية تهرب من ‏‏أزمتها الاقتصادية بإلغاء "دوريات الآداب"؟

السلطات الإيرانية تهرب من ‏‏أزمتها الاقتصادية بإلغاء "دوريات الآداب"؟

image

يُعدّ قانون الحجاب الجديد من القضايا المثيرة للجدل في إيران، إذ قسّم ‏الجدال الدائر حوله النخبة السياسية، و‏وضعت عدة مقترحات لتعديل ‏أسلوب تطبيقه. ‏

وفي أواخر العام 2024، وافق البرلمان الإيراني على ما سماه مشروع ‏‏"قانون الحجاب والعفة"، الذي  قدّمه إلى البرلمان متشددون إسلاميون ‏وهو ينص على فرض عقوبات صارمة على النساء اللواتي ينتهكن ‏الالتزام بالحجاب الإجباري. ‏

وتشمل هذه العقوبات فرض غرامات مالية عالية، والحرمان من الخدمات ‏العامة، واتخاذ إجراءات محددة ضد الشخصيات البارزة مثل حظر العمل ‏أو السفر خارج البلاد، وكذلك مصادرة ما يصل إلى خمسة بالمئة من ‏الممتلكات.‏

واعترض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، حينها، على هذا القانون - ‏وطلب التدخل من مجلس الأمن القومي - وهو أعلى هيئة تتخذ القرارات ‏في جمهورية إيران الإسلامية حول المسائل الأمنية. ‏


تصميم نساء إيران على التغيير
يذكر أنه منذ الثورة الإسلامية عام 1979، أصبح مفروضاً على النساء ‏في إيران تغطية شعرهن في الأماكن العامة. إلاّ أنهن مصممات على ‏التغيير، وقد شكّلت احتجاجات 2022 نقطة تحوّل،‎  ‎بعد أن أشعل مقتل ‏الشابة مهسا أميني على أيدي "شرطة الأخلاق" بحجة ارتدائها لباساً غير ‏‏"لائق"، غضباً شعبياً عارماً في إيران. ‏

وكانت مهسا قد تعرضت أثناء احتجازها في مقر "شرطة الأخلاق" إلى ‏الاعتداء بالعنف والضرب المبرح. وفارقت الحياة بعد 3 ثلاثة أيام من ‏توقيفها.‏

 

وبعد ساعات قليلة فقط من الإعلان عن وفاتها، خرجت تظاهرات شعبية ‏عفوية بدأت في مدينة ساكيز في كردستان العراق، مسقط رأس مهسا قبل أن تنتقل إلى العاصمة طهران ومنها إلي ثلاثين مدينة ‏أخرى. وقامت النساء بإضرام النيران في حجابهن في الأماكن العامة ‏واشتبكن مع القوات الأمنية، مما تسبب في وفاة العديد من المحتجين ‏وتوقيف آخرين.‏

إلغاء شرطة الآداب
وفي خطوة مفاجئة، أعلن رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قالیباف في ‏آذار/مارس تعديل قانون "العفاف ‏والحجاب"، موضحاً أن القانون الجديد ‏ينص على الإلغاء الكامل ‏لدوريات "الإرشاد" أي شرطة الآداب.‏  ‏وبحسب قاليباف فإن هذه التعديلات ‏تهدف إلى تغيير أساليب التعامل مع ‏قضية الحجاب وتحقيق توافق ‏عام بشأنها. ‏

وفي هذا السياق، يوضح الباحث في الشؤون الايرانية الدكتور خالد الحاج ‏في حديث لـ"النهار" أنه "بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام ‏‏1979، كان الحجاب أحد أبرز القضايا التي شهدت تحولات جوهرية". ‏

ويقول: "لقد فرَض النظام الجديد قوانين تلزم النساء بارتداء الحجاب في ‏الأماكن العامة، استناداً إلى رؤية الدولة الإسلامية التي أسسها آية الله ‏الخميني. ومع مطلع الثمانينيات، تم تشكيل هيئات رقابية لتنفيذ هذه ‏القوانين، مثل "شرطة الإرشاد" التي عملت على مراقبة الامتثال لقواعد ‏اللباس الإسلامي، و"اللجان الثورية" التي لعبت دوراً صارماً في فرض ‏النظام الجديد".‏

ويضيف: "مع مرور العقود، استمر الحجاب الإلزامي كمبدأ أساسي في ‏سياسة الدولة، لكنه واجه رفضاً متزايداً من بعض الفئات، خصوصاً بين ‏الأجيال الشابة". ‏

 

ويذكّر الحاج بأن التوترات بلغت ذروتها في أيلول/سبتمبر 2022 عندما ‏توفيت الشابة مهسا أميني بعد احتجازها من قبل شرطة الأخلاق بتهمة ‏‏"عدم الامتثال لقواعد الحجاب".‏

النظام الإيراني أمام تحدٍّ جديد
ويلفت الى أن "هذه الحادثة أثارت احتجاجات شعبية غير مسبوقة، حيث ‏تحوّلت إلى حركة أوسع ضد القيود المفروضة على الحريات الشخصية، ‏مما وضع النظام أمام تحدٍّ جديد".‏

و"في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها إيران اليوم، ومع ‏تراجع مستوى المعيشة وارتفاع معدلات البطالة، تسعى الحكومة إلى ‏امتصاص الغضب الشعبي، خاصة بين النساء والشباب، من خلال ‏سياسات أكثر مرونة في تطبيق قانون الحجاب"، بحسب الحاج الذي يرى ‏أنه "رغم استمرار الرقابة، هناك محاولات لإيجاد توازن يخفف من ‏الاحتقان الشعبي ويمنع تكرار سيناريو مشابه لحادثة مهسا أميني". ‏

قطع الطريق أمام الاحتجاجات
وعن خلفيات قرار الحكومة الإيرانية الأخير بشأن الحجاب وأبعاده يقول ‏الحاج: "يبدو أنه خطوة استباقية تهدف إلى الحد من تصاعد التوترات، ‏وقطع الطريق أمام تحركات احتجاجية قد تستغل الأزمة الاقتصادية لخلق ‏موجة جديدة من الاضطرابات".‏

وبرأي الحاج، "يبقى الحجاب في إيران مسألة سياسية واجتماعية حساسة، ‏تعكس العلاقة المتوترة بين الدولة والجيل الجديد، وتكشف عن محاولات ‏النظام لإعادة ضبط سياساته بما يضمن استمراريته في ظل المتغيرات ‏الداخلية والخارجية".‏

تحت شعار "امرأة حياة حرية" اندلعت موجة احتجاجات واسعة دعماً ‏لحقوق المرأة في كافة أنحاء إيران عقب مقتل مهسا أميني، فهل يكون ‏هذا الحدث المأساوي الذي أجّج الشارع الإيراني سبيلاً لمزيد من ‏الحريات في إيران؟...‏