في زمن إعادة التكوين… لا عدالة بلا قضاة ولا عهد بلا ثقة

في زمن إعادة التكوين… لا عدالة بلا قضاة ولا عهد بلا ثقة

image

في زمن إعادة التكوين… لا عدالة بلا قضاة ولا عهد بلا ثقة
القضاء هو المكان الوحيد الذي من المفترض ان "لا يبيعك ولا يشتريك"


قليل من القضاة واجه مافيا الجريمة والمال والإرهاب والمخدرات. كالقاضي الايطالي جيوفاني فالكوني، والقاضي الاميركي جون روبرتس والقاضي الفرنسي فرانسوا مولان وغيرهم. ولكن وحتى مع ركام الأزمات السياسية والمالية والاجتماعية، يبقى حجر الأساس لبناء أي دولة هو العدالة. ولا عدالة بلا قضاة. ولا قضاة بلا استقلال. ولا استقلال إن استُهين بالتشكيلات القضائية وكأنها "تفصيل إداري".
لبنان، الذي ينتظر الكثير من العهد الرئاسي الجديد بقيادة الرئيس جوزف عون، لا يستطيع أن يبدأ من فوق، بينما أسس الدولة القضائية تترنّح تحت وطأة التهميش، التدخل، والتسويات من تحت. لذا فإن التشكيلات القضائية ليست ورقة لتوزيع المناصب، بل هي خارطة طريق وطنية لتوزيع الثقة، لحماية الحقوق، ولمنح المواطن ما حُرم منه لسنوات: العدالة.
ولا بد من الاشارة الى أنّ القضاء هو المكان الوحيد الذي من المفترض ان "لا يبيعك ولا يشتريك"، والمؤسّسة الوحيدة التي يجب أن تكون أسمى من الطائفية، المحسوبيات، وتجار الولاءات.
لذا الشعب اللبناني، كما المجتمع الدولي، ينتظر من هذا العهد خطوة سيادية جذرية: إطلاق التشكيلات القضائية المستقلة، بشفافية، بقيادة الرئيس الأول سهيل عبود والنائب العام التمييزي جمال الحجار ورئيس التفتيش القضائي أيمن عويدات، وهذه التشكيلات ستكون بعيدة عن المحاصصة السياسية. وبالتالي لا يُمكن بناء عهد ثقة في الداخل والخارج، في ظل قضاء معطّل، ملفات مجمّدة...
وعلى الرغم من الضبابية حول الكثير من الاسماء المطروحة لتولي المناصب القضائية، الا ان القضاء يزخر بالشرفاء، منهم قاضٍ لم يكن يومًا جزءًا من الصفقة، انه قاضٍ لا يُساوم، لا يُهادن، ولا يخاف. انه قاضي التحقيق في الشمال داني الزعني، الذي قرر أن يكون في صف لبنان، لا في صف السلطة.... فماذا نعرف عنه؟

من الميدان إلى المنصة القضائية
من الأشرفية، بيروت، وُلد عام 1969. بدأ في قوات الفهود – النخبة الأمنية، ثم تخرّج من المعهد الوطني للقضاء عام 1996، ليبدأ مسيرة قاسية في ملفات لا يجرؤ كثيرون على لمسها، من ملف أحمد الأسير بعد أحداث عبرا، الى ملاحقة خلايا داعش وتفكيك شبكات نائمة في الشمال والبقاع. الى تفكيك شبكة تبييض أموال مرتبطة بداعش، كما حقق نجاحا لافتا في تتبّع التحويلات المالية عبر شركات وهمية، وأسهم في إقفال مكاتب مالية تابعة للتنظيم الإرهابي في بيروت وعدة عواصم عربية، بالتعاون مع الإنتربول وجهات أمنية.
ولم تكن معركة القاضي الزعني مع تجّار السموم محدودة بالسجون فقط، بل شملت الشارع والمدارس. ففي سجن رومية، كشف عن شبكات مخدرات عابرة للقارات، مرتبطة بتجّار من الإكوادور وأميركا الجنوبية، يعملون من داخل الزنازين بالتنسيق مع الخارج.
أما الأخطر، فكان ما كشفه لاحقًا في ما يتعلق بـ"ملف ترويج المخدرات في المدارس اللبنانية"، الذي يهدّد الجيل اللبناني المقبل، حيث تبيّن عبر التحقيقات أن بعض الشبكات تستهدف تلاميذ الثانويات وتغريهم بمادة “الكبتاغون” و”الحشيش” تحت غطاء “حبوب طاقة”. وعندها اتخذ القاضي الزعني إجراءات رادعة، وأوقف مروّجين معروفين على صلة بعصابات خارجية، وأحال المدارس المتورطة للمساءلة،

“سفاح التاكسي”
من جهة اخرى، عام 2011، دوّى الرعب في شوارع العاصمة بعد اغتيال عدد من سائقي سيارات الأجرة. تولّى القاضي الزعني التحقيق، وفكّ لغز الجريمة المعقّدة حتى تم توقيف الجانين، علما ان هذه القضية تحوّلت لاحقًا إلى فيلم وثائقي عُرض على قناة الجزيرة الوثائقية، وظهرت فيه دقة التحقيقات القضائية التي قادها الزعني. هو وجه إنساني… لا يختبئ خلف هيبة المنصب مما دفع به إلى دفع كفالة عدة موقوفين شخصيًا. وبالتالي جسّد "هيبة بلا قسوة. قانون بلا إذلال. إنسانية لا تتعارض مع العدالة".


ملف مرفأ طرابلس… فتح بابًا في جدار الصمت
ومن القضايا التي ترك فيها بصمات واضحة، تمثلت بفتح ملف البضائع المهملة في مرفأ طرابلس وأطلق مزايدات علنية لاسترداد المال العام، رغم محاولات التعطيل من جهات سياسية وتجارية، الامر الذي ادى الى ضبط المال العام في هذا المرفق.
وبكل شجاعة، أعاد هيكلة دائرة التنفيذ في طرابلس، ورتّب أرشيفها المتروك منذ العام 2000، وأعاد توزيع المهام بناءً على الكفاءة.

حملة تشويه… وفشل فادح لمن أطلقها
بسبب مواقفه، تعرّض القاضي الزعني لحملة افتراء مفبركة، نسبت إليه زورًا تهم تحرّش لا أساس لها. وهنا تدخلت نقابة المحامين في الشمال والمحامية المعنية فأصدرتا بيان نفي قاطع، وأعلنتا الملاحقة القانونية بحق مطلقي الشائعة.


تكريمات من الداخل والخارج… لشخص يستحق
وامام ما سجله من انجازات على المستوى القضائي، فان تكريم الزعني ليس بالامر المستغرب، والابرز في هذا المجال: منظمة الإنتربول الدولية: تكريم خاص عن دوره في مكافحة الشبكات العابرة للحدود.

انطلاقا من كل ما تقدم، ليس كل قاضٍ يشبه السلطة. وليس كل صمت حيادًا.
فالقاضي داني الزعني، وقف في وجه الإرهاب، واجه تجّار الدم والمخدرات، وحمى أولادنا في المدارس، ودافع عن أموالنا في المرفأ.
لم يطلب شيئًا لنفسه. لكنه دفع ثمنًا باهظًا: تهديد، شائعات، عزل… لكنه لم ينكسر.


فهل يوجد في السلطة من يردّ التحية بالمثل؟!
في هذا المجال، تقول اوساط قضائية ان الفرصة قد تكون متاحة من خلال التشكيلات القضائية، فهي ليست ورقة إدارية، بل هي صوت الشعب على ورق الدولة، لذا على القيمين على هذا الملف منح أمثال داني الزعني مواقعهم الطبيعية وليس أمثال الذين تنقلوا من حضن الى آخر. واعتبرت ان كل تأخير في التشكيلات هو تأخير في منح الناس حقوقهم، كما ان أي استخفاف بالجسم القضائي هو استخفاف بجسم الوطن نفسه.
وشددت على ان لبنان لا يحتاج وجوهًا جديدة فحسب، بل ضمائر حقيقية في مراكز القرار. كالقضاة رجا الحاموش وكلود غانم وربيع حسامي ونقولا منصور وسامي صادر وسامر ليشع وزياد الشعراني ونازك الخطيب وغيرهم من القضاة.
وختمت: لا خلاص إلا إذا عادت العدالة سيّدة القرار، وأُعطي لكل قاضٍ نزيه، مكانه المستحق.
على أمل…