معركة المجالس البلدية في الجنوب والبقاع: المستقلون يواجهون التقليديين

معركة المجالس البلدية في الجنوب والبقاع: المستقلون يواجهون التقليديين

image

معركة المجالس البلدية في الجنوب والبقاع: المستقلون يواجهون التقليديين
رغم التحديات التي يواجهها الناشطون المستقلون هناك فرصة لتغيير تدريجي في إدارة البلديات

إبراهيم الرز - المدن
تقترب الانتخابات البلدية في لبنان في وقت حساس، حيث تتأثر مجريات العملية الانتخابية بالتحولات الداخلية والإقليمية التي تهز لبنان بشكل عام، وجنوبه والبقاع بشكل خاص. ويَنظر البعض إلى هذا الاستحقاق الانتخابي في هاتين المحافظتين كفرصة لتعديل الواقع السياسي والاجتماعي، في ظل استمرار قوة حركات مستقلة تسعى لإحداث تغيير بعيدًا عن النفوذ التقليدي الذي يمثله الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل.

جهود المعارضة: ائتلافات شبابية 
في هذا السياق يقول أحد الأعضاء في تيار التغيير في الجنوب خليل ريحان لـ"المدن" إن "المرحلة الحالية، رغم البطء النسبي كون الانتخابات في الجنوب تأتي في الجولة الأخيرة، تشهد عملاً متواصلاً بهدوء وثبات، مع تركيز أساسي على تجميع قوى المعارضة لمواجهة الثنائي الشيعي بهدف خلق توازن فعّال داخل المجالس البلدية". ويوضح ريحان أن "التوجه الأساسي اليوم يتمحور حول تشكيل ائتلافات بلدية مع رؤساء مستقلين، معتبرًا أن هذه الخطوة تشكّل مفتاحًا أساسيًا لإحداث تغيير حقيقي وإعادة تصويب العمل البلدي نحو خدمة الناس بعيدًا عن الحسابات الحزبية الضيقة، مع الإشارة إلى التحدي الأساسي القائم في القدرة على تأمين تفاهمات محلية واسعة تضمن صمود هذه الائتلافات أمام الضغوط السياسية المتوقعة."

من جهته، يرى الناشط السياسي الدكتور علي مراد أن "أهل الجنوب والبقاع أصبحوا أكثر وعيًا، مدركين لحجم الأخطاء السياسية الكبرى التي وقعت، ولا يمكن القفز فوق هذه الأخطاء أو تجاهل النقاش العام حولها. ويضيف أن شبكات الزبائنية والضغط السياسي لا تزال موجودة بقوة، بل ربما ازدادت حدّةً في بعض الأماكن، مشيرًا إلى أن هناك ضغوطًا فعلية تُمارس على الكثيرين في القرى والبلدات، خصوصًا لمنعهم من الترشح خارج لوائح القوى التقليدية."

ويؤكد مراد لـ"المدن" أن "حزب الله وحركة أمل لا يزالان يتمتعان بنفوذ كبير، غير أن تبدل المزاج الشعبي بات واضحًا، وهو ما يحدّ من اندفاعهما. ويلفت إلى أن بعض القوى تحاول افتعال معارك وهمية وخطاب تعبوي لتأمين ظروف انتخابية مضبوطة، تخنق إمكانية خوض معركة بلدية حرة وديمقراطية".

التحضيرات الانتخابية: معوقات كثيرة
وفي حين يرى مراد أن "الانتخابات البلدية المقبلة تأتي بعد أشهر قليلة من منعطف تاريخي على المستوى الوطني والإقليمي"، يشير إلى أن "التغييرات الداخلية والإقليمية التي ستنتج عن هذا الواقع لن تكون سهلة، بل ستتضح معالمها خلال المرحلة المقبلة".

ويقول مراد: "علينا، خصوصًا في الجنوب، الانطلاق من واقع صعب يعيشه الناس اليوم، حيث يسود إحساس عميق بالفقدان والخسارة، وتسود محاولات للملمة الجراح التي بلغت ذروتها. ويضيف أن النسيج الاجتماعي تضرر بشكل بالغ، وأن العلاقات العائلية والاقتصادية التي كانت تجمع الناس تدمرت إلى حدّ كبير".

ويشدد مراد على أن الحديث عن "التزكية" و"التوافق" في الانتخابات البلدية ليس مرفوضًا من حيث المبدأ، لكنه يدعو إلى التمييز بين نوعين من التوافق: فإن كان التوافق يهدف إلى تسهيل معالجة تداعيات الدمار وإعادة الإعمار، وتعزيز دور البلديات في خدمة المجتمع، فهو توافق يصب في مصلحة الناس. أما إذا أُريد له أن يكون أداة سياسية للالتفاف على مشروع التغيير وإعادة إنتاج منظومة سياسية قائمة، فهو مرفوض.

أما في ملف إعادة الإعمار، فيوضح مراد أن هناك مسعى مكشوفًا لتحويله إلى أداة للزبائنية السياسية. وفي هذا السياق قام مجلس الجنوب مؤخرًا بجولات وكشوفات، ولكن القاسي والداني يعلم أن عملية إعادة الإعمار ما تزال بعيدة المنال، ومعلقة على تطورات إقليمية وسياسية معقدة. ويضيف أن محاولات بعض الجهات لتسييس هذا الملف تمثل حرفًا واضحًا لمطالب الناس الحقيقية.

ويشدد مراد على أن "الانتخابات البلدية المقبلة يجب أن تُخاض حيثما أمكن، وأن التوافق إذا تحقق يجب أن يكون وفق شروط تضمن مصلحة الناس الاجتماعية لا مصلحة الطبقة السياسية القائمة، محذرًا من أن أي توافق لإعادة إنتاج السياسات الفاشلة لا يمكن أن يُسمى توافقًا حقيقيًا".

من جهته، يعتبر ريحان أن "تيار التغيير يعمل حيث هناك امكانية لتشكيل ائتلاف مع رئيس مستقل للمجالس البلدية، مع التشديد على اختيار عناصر تتمتع بالكفاءة والنزاهة، وإعطاء أولوية خاصة للشباب والنساء، دعمًا لتجديد الحياة السياسية على المستوى المحلي".

ويشير إلى أن "التجاوب مع هذا الطرح لا يزال متفاوتًا، حيث يظهر بعض عناصر حزب الله تفهمًا أكبر للمتغيرات التي شهدها الجنوب، فيما تتمسك حركة أمل بدورها التقليدي، متعاملة مع المشهد وكأن شيئًا لم يتغير".

ويؤكد أن "تجربة المجالس البلدية السابقة كانت مريرة، إذ سادت المحاصصة الصارخة بين أمل وحزب الله عبر تقاسم المجالس أو التناوب على رئاستها، ما أدى إلى فشل ذريع في إدارة الخدمات الأساسية كجمع النفايات وصيانة الطرقات وتقديم أدنى متطلبات التنمية. معتبراً أن الدرس الأبرز من تلك المرحلة يتمثل في ضرورة الابتعاد عن الاصطفافات التقليدية وإعطاء فرصة حقيقية للقوى المستقلة. وأضاف أن العديد من القرى الجنوبية باتت اليوم مهيأة لمناخ مختلف، مع بروز تصميم شعبي واضح على التغيير".

ويشير إلى أن "مظاهر الإهمال البيئي المتفشية، من أكوام النفايات المكدسة إلى المشاريع المتوقفة، لم تعد قابلة للتجاهل، بل باتت تدفع الناس دفعًا نحو المطالبة بإدارة بلدية جديدة تستجيب لطموحاتهم. وهنا تبرز الحاجة، بحسب ريحان، إلى تنظيم هذا الغضب الشعبي بطريقة مدروسة لبناء معارضة بلدية قوية وقادرة على تحقيق نتائج ملموسة".

ويلفت ريحان حديثه إلى "أن الفرصة لا تزال قائمة لبدء عملية تغيير حقيقية في الجنوب، شرط أن يواصل الناشطون المستقلون عملهم بجدية ومنهجية، مع وضع خطط محكمة لإدارة الحملات الانتخابية المحلية بحكمة وعقلانية". مشددًا على "أن تيار التغيير في الجنوب ملتزم بهذا النهج رغم كل التحديات، وعلى قناعة بأن الحراك الذي يتواصل في القرى والبلدات الكبرى قادر على تعديل ميزان القوى التقليدي لصالح الناس، بما يخدم مصالحهم ويحسن حياتهم اليومية".

الانتخابات في البقاع: واقع اجتماعي متأزم
في محافظة البقاع، تبدو المنافسة في الانتخابات البلدية مقبولة إلى حد ما، رغم أنها تشكل تنافسًا عائليًا أكثر منها صراعًا سياسيًا كما هو الحال في الانتخابات النيابية، بحسب ما يؤكد  أمين سر اتحاد جمعيات بعلبك الهرمل مرحب حمية لـ"المدن". يضيف أن "الثنائي الشيعي لا يزال يمارس الضغوط على بعض القرى والمدن التي يعتبرها خزانًا لقراره السياسي، سواء في الجنوب أو في البقاع. على عكس بيروت، التي لها خصوصية متميزة نظرًا لتنوع القاعدة الناخبة فيها، حيث يشكل الناخبون السنّة النسبة الأكبر، مما يجعل الصوت الشيعي أقل تأثيرًا مقارنة بسائر المدن. ولو تحالف الناخب السني والمسيحي، لما كان للصوت الشيعي تأثير فعّال في انتخابات بيروت، إلا أن التحالفات السياسية القائمة تجعل لهذا الصوت مكانًا مهمًا في تشكيل اللوائح الانتخابية في العاصمة".

ويشير حمية إلى أن "الثنائي في الجنوب يسعى إلى تسويات مع بعض العائلات، بعيدًا عن المعارك الانتخابية المباشرة، مستخدمًا شعارات سياسية ودماء الشهداء ذريعة، بهدف الحفاظ على التحالف بين أمل وحزب الله، والوصول إلى تزكية العدد الأكبر من القرى الجنوبية، بحيث يبقى القرار بيد الثنائي". ويشير إلى أن "مزاج الناس لم يتغير كثيرًا، بفعل الضخ الإعلامي الذي يمارسه الثنائي، حيث يعتمد على عناوين دينية ذات أهداف سياسية وانتخابية بحتة. ومع ذلك، هناك بعض القرى التي بدأت تشهد تحركًا شبابيًا محدودًا، وإن كان ضمن الأطر المسموح بها للمجموعات الشبابية التي لا تزال تدور في فلك الثنائي".

ويؤكد حمية أن "اتحاد جمعيات بعلبك الهرمل ينطلق من أهداف إنمائية اجتماعية، بعيدًا عن العناوين السياسية، معتمدًا على استراتيجية تنافس شبابي عائلي، وحرصًا على إشراك العنصر الشبابي في اتخاذ القرار البلدي داخل القرى. ويرى أن هذا التوجه يلقى استحسانًا ملحوظًا لدى شريحة واسعة من أبناء محافظة بعلبك الهرمل، خصوصًا مع طرح برامج خدمية واضحة، والتركيز على اختيار عناصر شبابية ذات مستوى علمي جامعي، وتحظى بقبول عائلي، بهدف جذب الأصوات التغييرية ومنافسة القوى الحزبية التي تسيطر على المجالس البلدية منذ سنوات من دون تقديم أي مشاريع خدمية حقيقية، مستغلة هذه المواقع لمصالح حزبية وسياسية".

ويضيف حمية أن "التحديات التي تواجه هذا المسار كبيرة، خصوصًا لجهة غياب الدعم المالي، إذ إن أي انتخابات تغييرية تحتاج إلى تمويل لتغطية نفقات الترشيح والمندوبين وتأمين الحماية للأصوات الانتخابية. ويشرح أن في العديد من قرى بعلبك، هناك عشرات المرشحين الساعين إلى التغيير، إلا أن معظمهم يعجز عن تسديد رسوم الترشح، مما يشكل عائقًا أساسيًا أمام القوى الشبابية التغييرية. ويرى أن الأمور اللوجستية يمكن معالجتها عندما يتوفر المال، لكن تبقى الضغوط النفسية كبيرة، سواء على الناخبين أو على بعض المرشحين لدفعهم إلى الانسحاب لصالح لوائح السلطة".

نحو تغيير تدريجي
مع اقتراب موعد الانتخابات، تظل معركة المجالس البلدية في الجنوب والبقاع مفتوحة على الاحتمالات المتعددة. ورغم التحديات الكبيرة التي يواجهها الناشطون المستقلون، يبقى الأمل بأن يشكل هذا الاستحقاق فرصة حقيقية لنجاح تغيير تدريجي في إدارة البلديات المحلية. على الرغم من أن القوى التقليدية لا تزال تسيطر على المشهد، إلا أن الضغوط الشعبية والحراك الشبابي قد يفتحان أفقًا جديدًا للمستقبل السياسي في هذه المناطق.