البابا لاوون 14 لترامب: لا قيمة لتريليوناتك من دون الفقراء ولا لسلامك من دون أوكرانيا...
نادر: العالم أمام مرحلة يُعاد فيها تصويب السياسة الأميركية بعيداً من أي منحى راديكالي
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
إشارات عدة تتوالى منذ 9 الجاري، أي منذ يوم انتخاب "الحبر الأعظم" الجديد البابا لاوون الرابع عشر، أميركي الأصل، (إشارات عدة تتوالى) تؤكد أن علاقة الفاتيكان بالإدارة الأميركية الحالية خلال مدة حبريته قد لا تكون "سمناً على عسل" بحسب ما قد يعتقد البعض، وأنه لن يكون بإمكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يعتقد أن هناك امتداداً لسياساته على رأس الكنيسة الكاثوليكية، من خلال البابا الجديد، بإسم الانتماء الأميركي الواحد.
أوكرانيا... بداية أولى
فبعد افتتاح ترامب ولايته الرئاسية الثانية بانخراط كبير جارِح ومُهين في السلام الأوكراني، وبربطه هذا السلام بصفقات ومعادن نادرة وتجارة ومال واقتصاد، بعيداً من القِيَم، يبدو الملف الأوكراني أيضاً من أول وأكثر الملفات الدولية التي تحظى باهتمام البابا لاوون الرابع عشر في بداية حبريته أيضاً، ولكن بشكل مُخالِف لترامب كلياً، إذ شدد (البابا الجديد) في أولى إطلالاته (قبل نحو أسبوع) على الحاجة إلى إحلال سلام عادل ودائم في أوكرانيا، فيما كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أول الرؤساء الذين تحدث (البابا الجديد) إليهم عبر الهاتف، والذين تلقى دعوة رسمية منهم للقيام بزيارة، إذ دعاه (زيلينسكي) لزيارة أوكرانيا.
كما أطلع زيلينسكي البابا على آخر أجواء وقف إطلاق النار ومفاوضات السلام، وهو ما يعكس رغبة البابا الجديد بمتابعة آخر المستجدات هناك.
وفي سياق متصل، وبُعَيْد قداس تنصيبه وبدء حبريته رسمياً، استقبل البابا لاوون زيلينسكي برفقة زوجته، وذلك بعدما كرّر القول إن أوكرانيا المعذبة والشهيدة تنتظر مفاوضات من أجل سلام عادل ومستدام، أمس أيضاً.
ومجموع ما سبق ذكره، يؤكد أن بداية حبرية البابا "الأميركي" الجديد، تختلف عن بداية الولاية الرئاسية الجديدة للرئيس الأميركي (ترامب)، من حيث مقاربة الملف الأوكراني أولاً.
انتقاد مبطَّن
مسألة أخرى أيضاً، وهي أن البابا لاوون الرابع عشر انتقد خلال عظة قداس تنصيبه الكراهية والعنف والأحكام المُسبَقَة والخوف من المختلف عنّا، وهذه إشارات إضافية الى أن لا مجالات كبيرة للتلاقي بين البابا الجديد والإدارة الأميركية الحالية، العنيفة جداً تجاه كل مختلف عن أميركا، والتي تعمل وفق "بارانويا" أن الجميع (حتى أصدقاء أميركا) سرقوا الولايات المتحدة الأميركية في الماضي، وأنه يتوجب عليهم أن يدفعوا الثمن.
إشارة أخرى أيضاً الى أن البابا لاوون الرابع عشر لم ولن يكون مُعجباً بإبهار ترامب، ولا بسياساته وتريليوناته، هي أنه انتقد خلال قداس تنصيبه النظام الاقتصادي العالمي الذي يهمّش الأكثر فقراً، والأنماط الاقتصادية التي تستنزف موارد الأرض. وهذا انتقاد مبطّن وواضح لاستخفاف ترامب باتفاقيات وسياسات الحفاظ على البيئة والمناخ، وغيرها من الأمور، ولانسحابه منها، ولتوحّشه في العمل الاقتصادي، وفي السياسات التجارية والمالية.
احتواء الجنوح
رأى الخبير الاستراتيجي الدكتور سامي نادر أن "انتخاب بابا من أصول أميركية في الظروف الراهنة، قد ينسجم مع رغبة الفاتيكان باحتواء أي جنوح لدى الإدارة الأميركية، يكون بعيداً من الخط الفاتيكاني المعتدل والملتزم بحقوق الإنسان، وبعيداً من المبادىء المؤسِّسَة للسيادة الفاتيكانية، خصوصاً أن البابا الجديد هو من أتباع البابا فرنسيس، ويكرّس في خطابه الابتعاد عن العنصرية ورفض الآخر".
وأشار في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "إدارة ترامب عدّلت هي بدورها في سياستها، سواء بملف أوكرانيا، أو قطاع غزة. فلم نَعُد نرى اليوم هذا الاندفاع الهائل لدى ترامب لمراعاة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين. كما أن لا "شيك" على بياض لإسرائيل الآن، وسط تصريحات أميركية رسمية تقول إنهم لن يسمحوا بحصول مجزرة في غزة".
في مكان آخر
واعتبر نادر أن "العالم اليوم أمام مرحلة يُعاد فيها تصويب ودَوْزَنَة السياسة الأميركية، بعيداً من أي مواقف قاسية أو من أي منحى راديكالي، لا بل هناك إعادة توازن وتصويب في ملفات أساسية، منها حرب أوكرانيا وموضوع غزة".
وختم:"ما فعله ترامب في دول خليجية قبل أيام ليس سهلاً. فأن يزور ويكرّس شراكات للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وأن يحلّق فوق إسرائيل على طريقة "مرور الكرام"، ومن دون أن يزورها، فهذا أمر لم يَكُن يحدث سابقاً. وإذا جمعنا تلك النقطة مع ما يرشح عن حثّ أميركي مباشر لبوتين بشأن ضرورة وقف الحرب في أوكرانيا، فإننا سنجد أن هناك تغييراً في السياسة الأميركية بالمقارنة مع ما كانت عليه في بداية ولاية ترامب الثانية، وأن العالم اليوم في مكان آخر تقريباً عما كان عليه قبل أشهر".