غادة حلاوي - المدن
لم يعد كشف العملاء الذين كانوا يدّعون زورًا قربهم من حزب الله أمراً جديداً. لا يزال ملف أخيرهم محمد صالح محل دراسة وتحليل، فالكشف عن أمثاله وارد في أي لحظة، ولطالما تحمل حزب الله عواقب "ثرثرات" بعض أبناء قادته، والمقرّبين منه، والمنضوين تحت لوائه، مما تسبب بانكشافه ولو من دون قصد.
طريق كشف العملاء طويل، محفوف بالمآسي، لما يتضمنه من حقائق مريبة. وقد فتح حزب الله بسببه الجرح على وسعه، سعياً للمعالجة وكشف الخلل. فليس كل ما يُكشف يُقال. إذ يحاذر حزب الله الكشف عن أموره الداخلية.
لدواع أمنية، لم يستأنف الحزب بعد اجتماعاته المعتادة ولقاءاته، تحسّبًا لأي عدوان إسرائيلي محتمل. وحتى تشكيلاته، متى نضجت، فسيبقيها قيد الكتمان في المرحلة الحالية، علمًا بأنه لم يُنهِ إعدادها بعد بالكامل.
يتصدر أكثر من استحقاق جدول اهتماماته، من بينها التطورات السياسية المتسارعة في المنطقة، والسلاح، والضغوط، إضافة إلى وضعه الداخلي، وحاجته إلى ورشة تنظيمية كبرى لم يعد تحقيقها بعيد المنال.
في الجنوب، يواجه تحدي استمرار هجرة أهالي القرى والبلدات المتاخمة، وتأخر عملية إعادة الإعمار وتعقيداتها على أكثر من مستوى. يساعد، قدر الإمكان، في تأمين بدل إيجار للمهجّرين، لكنه يقف عاجزًا أمام عدم انطلاق ورشة الإعمار بسبب غياب التمويل، ويحمّل الحكومة ورئيسها مسؤولية ذلك، لرفضهم رصد الاعتمادات المطلوبة.
يتعاون مع الجيش بشأن السلاح جنوب الليطاني ووقف المظاهر المسلحة. أما تسليم السلاح، فلم يعد من السهل التباحث بشأنه. فمقاربته خاضعة لاعتبارات داخلية وخارجية.
حوار بشأن السلاح
داخل الحزب، هناك من يعتبر البحث في موضوع السلاح من سابع المستحيلات، في حين ترى وجهة نظر أخرى ضرورة خوض الحوار بشأنه، كعنوان عريض مع رئيس الجمهورية جوزاف عون حصراً، دون سواه. لم تتّضح بعد آلية الحوار، لكن المؤكد أنه سيكون ثنائيًا، بلا طرف ثالث سوى المعنيين به. ولم يتلقَّ حزب الله بعد الخطوط العريضة لهذا الحوار، وإن كان عون لا يسعى إلى الصدام مع الحزب، ويدرك استحالة إقناعه بتسليم سلاحه طالما أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال قائمًا في الجنوب. وكيف يمكن لحزب الله أن يسلم سلاحه، بينما السلاح الفلسطيني لا يزال موجودًا داخل المخيمات، ويصعب التعامل معه؟
مع اقتراب وصول الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى لبنان خلال أيام، يترقّب لبنان ما ستحمله معها، لا سيما أنها صرّحت قبل زيارتها أن المطلوب هو سحب السلاح من كل لبنان. وهو ما يشكّل تحديًا كبيرًا أمام رئيس الجمهورية، الذي أخذ على عاتقه معالجة مسألة السلاح بالحوار لا بالمواجهة.
لا يرفض حزب الله الانخراط في النقاش، لكنه يعتبر أن الأولوية هي للانسحاب الإسرائيلي أولاً، ثم إعادة المهجّرين إلى مناطقهم بعد إنجاز الإعمار. ويسعى لإعطاء رئيس الجمهورية ورقة قوة، إذ يحصر علاقته بالمسيحيين بالرئاسة الأولى والبطريركية المارونية، إلا أن الأمور تحتاج إلى روية.
ينظر حزب الله بريبة إلى التطورات المتسارعة في المنطقة. ولا شك أن الوضع اللبناني سيكون متأثرًا بثلاثة عوامل أساسية: المفاوضات الإيرانية- الأميركية، ونهاية الحرب في غزة، ومصير حركة حماس، فضلًا عن مستقبل الوضع في سوريا.
ورشة تقييم للحزب
فتح الحزب ورشة داخلية لكشف الثغرات. وبالموازاة، يجري مرحلة تقييم للأوضاع من حوله. وقد دخل حزب الله، منذ فترة، في تقييم عميق لمرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية. تتوزع الورشة على لجان متخصصة، لكل منها مهامها. وستختتم أعمالها بإصدار وثيقة شبيهة بتلك التي أعلنها عام 2009، تتضمن رؤيته للمنطقة في ضوء المستجدات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والمقاومة، والتسوية، والعلاقات الدولية والعربية، إضافة إلى نظرته لمفهوم الدولة، والدور الأميركي في المنطقة، وموقع لبنان، والأهم موقع المقاومة ودورها.
ومن المفترض أن تتبع هذه الوثيقة، عقد مؤتمر تأسيسي، بعد أن يكون الحزب قد خضع لورشة محاسبة ومكاشفة داخلية، وكشف الإخفاقات التي واجهها وأسبابها.
ينتظر حزب الله العودة إلى ظروف طبيعية تخوّله استئناف حركته بحرية، لإجراء إعادة هيكلة تنظيمية كبرى، تؤدي إلى تشكيلات جديدة وتراتبية حزبية محدثة. وقد منحته نتائج الانتخابات البلدية زخمًا معنويًا كبيرًا، وحملته إلى مرحلة جديدة من التفكير السياسي والتنظيمي.
تفاوض لا بد منه
أيام قليلة ستفصل عن فتح باب الحوار حول السلاح على مصراعيه. يدرك حزب الله أن أمراً كهذا لا بد من التفاوض بشأنه لكن تحت مسميات مختلفة وغير مستفزة. بالمقابل، يسجل لرئيس الجمهورية تعاطيه المسؤول مع الموضوع. وانفتاحه الايجابي والذي سيقابله حزب الله بخطوة قريبة باتجاه بعبدا ستكون بادرة حسن نية للعلاقة الايجابية بينهما.
بعبدا التي استضافت الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تريد أن تستبق بحث سلاح حزب الله بالاتفاق حول السلاح الفلسطيني في المخيمات. هذا السلاح الذي يقصد به سلاح حماس على وجه التحديد ولا يملك عباس قراره.
مصادر مطلعة على الشأن الفلسطيني تنصح بعدم تحميل الزيارة أكثر مما تحتمل، فهي زيارة بروتوكولية للتهنئة بالعهد الجديد، ولن يخرج الزائر الفلسطيني خلالها عن المواقف المعروفة، لا سيما في ما يتعلق بالسلاح الفلسطيني داخل المخيمات. سيكرر التأكيد على العلاقة مع الدولة اللبنانية، وضبط السلاح داخل المخيمات، إلا أن تسليم هذا السلاح أمر غير مطروح، وإن طُرح فهو غير قابل للتنفيذ، حتى لو أعلن عباس أنه تحت تصرف الدولة اللبنانية.
فالسلاح الفلسطيني ليس حكرًا على حركة "فتح"، بل المعنية الأساسية به هي حركة "حماس"، التي تتحفّظ على زيارة عباس، ومواقفه، والتزاماته الدولية التي ترى أنها على حسابها. بينما عين حزب الله على المفاوضات الإيرانية مع الأميركيين.