نواف سلام يُعلنها: لا سلاح خارج الدولة... وحزب الله يرسم خطوط الاشتباك المبكر
مرحلة تجاذب عنوانها مستقبل سلاح الحزب ومكانة الدولة كمفهوم لا كشعار
شادي هيلانة - "أخبار اليوم"
شكّل رئيس الحكومة نواف سلام، من خلال مشاركته في "قمّة الإعلام العربي" في دبي، حالة سياسيّة لافتة، تجاوزت الطابع البروتوكولي للمؤتمر لتلامس صلب الازمة اللبنانيّة. ففي كلمته، وجّه سلام رسالة واضحة المعالم، مفادها أن الدولة التي نريدها ليست دولة محاصصة وزبائنية، بل دولة قانون ومؤسسات؛ لا دولة ازدواجية السلاح والقرار، بل دولة سيادة مكتملة، تمتلك وحدها سلطة الحرب والسلم. كانت لهجته حازمة، وواضحة في التوجّه نحو مواجهة مفصلية مع منطق "الدولة داخل الدولة"، مكرساً بذلك انتقالاً تدريجياً إلى مرحلة جديدة من الاشتباك السياسي الهادئ مع حزب الله.
كلام سلام لم يأتِ من فراغ بل يعكس مساراً حكومياً يُفترض أنه آخذ بالتشكّل، يتمسك بالشرعية وحدها كمصدر وحيد للسلاح، ويرفض التبريرات الدائمة تحت مظلة "المقاومة" لتحييد الحزب عن المحاسبة، وعن واجب الانضواء تحت سقف الدولة. وفي قراءة سريعة للمشهد، فإن هذا الخطاب يُنذر بمرحلة تجاذب جدّي قادمة، على مستويات متعدّدة، أبرزها مستقبل سلاح الحزب، ومكانة الدولة كمفهوم لا كشعار.
على المقلب الآخر، لم يتأخر الحزب في الرد، وإن بطريقة غير مباشرة، فقد رأى مصدر سياسي مطّلع، عبر وكالة "أخبار اليوم"، إن الحزب استبق أي حراك محتمل لرئيس الحكومة بلقاء "ودّي" مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، في خطوة اعتُبرت ذات طابع استعراضي سياسي، تحمل في طيّاتها أكثر من رسالة. اللقاء، بحسب المصدر، لم يكن عابرًا، بل محمّل بشروط ضمنيّة، أعاد فيها الحزب طرح معادلته التقليدية: أي نقاش في السلاح يجب أن يُقابل بانسحاب إسرائيلي كامل، وقف شامل للخروقات، والإفراج عن الأسرى. باختصار، الحزب يُمسك بأجندته وحده، ويُحدّد قواعد التفاوض سلفاً، قبل أن تبدأ المعركة الفعلية على طاولة النقاش.
ورغم وصف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد اللقاء مع عون بالـ"إيجابي"، مؤكداً أن الأبواب مفتوحة، إلا أن المضمون الفعلي يُظهر أن الحزب لا يتعامل مع الرئيس عون كرئيسٍ مكلف بإرساء هيبة الدولة، بل كشريك تفاوضي يملك تأثيراً في صياغة الخارطة السياسية والأمنية المقبلة، لا سيما في ملف السلاح. الأهم من ذلك، أن التوقيت لم يكن بريئاً، إذ جاء هذا اللقاء بعد ساعات من انتهاء الانتخابات البلدية، وهو الموعد الذي كان العهد الجديد قد حدّده لبدء معالجة ملف السلاح غير الشرعي، بما في ذلك ملف نزع سلاح المخيمات الفلسطينية.
وفي هذا الإطار، أفادت معلومات خاصة أنّ الرئيس عون ماضٍ في تنفيذ خطة الدولة اللبنانية لمعالجة السلاح في ثلاثة مخيمات فلسطينية في لبنان ضمن مهلة زمنية محددة، وإن كان الامر تدريجياً وعلى مراحل عدة. لكن في المقابل، الحوار مع حزب الله لا يزال بلا جدول زمني واضح، ولا آلية عمل محدّدة، وسط تلميحات إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يتولّى لعب دور الوسيط بين الجانبين، من دون أن تتوافر ضمانات حقيقية بأن النقاش المرتقب سيكون جدياً أو قابلاً للتحقيق ضمن ظروف الداخل والإقليم.
وبين خطاب نواف سلام المتقدم، وموقف الحزب المتحفظ، تبدو البلاد مقبلة على مرحلة توازنات دقيقة، حيث كل طرف يُعيد رسم تموضعه على ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية. لكن الاكيد أن الخطاب الذي أطلقه رئيس الحكومة لن يمر من دون أثر، وهو يُكرس بداية مسار صعب نحو استعادة مفهوم الدولة، ولو كان ذلك عبر المواجهة الناعمة.