حربٌ جديدة... هل تكون فرصة لنهضة أوروبا؟

حربٌ جديدة... هل تكون فرصة لنهضة أوروبا؟

image

حربٌ جديدة... هل تكون فرصة لنهضة أوروبا؟
مخاوف من تصاعد التوترات بين ترامب والاتحاد الأوروبي

رمزا زخريا - المدن
هدأت الجبهة الأميركية الصينية نسبيًا لتشتعل من جهة أخرى التوترات التجارية بين واشنطن والاتحاد الأوروبي. فقد هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب حلفاءه التاريخيين من الدول الأوروبية بفرض رسوم تصل إلى خمسين في المئة على البضائع التي تدخل الأسواق الأميركية. يأتي ذلك في وقت تتواصل فيه المفاوضات بين الإدارة الأميركية وبكين لتحديد سقف للرسوم الجمركية عند نسبة 30 في المئة.

صراع الشركاء التاريخيين
تبدو الأزمة أكثر تعقيدًا على الجبهة الأوروبية الأميركية، فالدول الأوروبية هي الشريك التجاريّ الأول لواشنطن، ولا تقع الأزمة في هذا الإطار بين دولتين، إنما تقع بين أكبر قوّة اقتصادياً في العالم وبين سبع وعشرين دولة تنطوي تحت مظلة الاتحاد الأوروبي. وبطبيعة الحال، تظهر الاختلافات والمسارات السياسية والاقتصادية المتعددة. هذا وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين خلال العام الماضي أكثر من تريليون دولار.
الشراكة التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تتخطى التجارة بين واشنطن وكلّ من المكسيك وكندا والصين، حيث بلغت قيمة واردات الولايات المتحدة من دول الاتحاد خلال عام 2024 نحو 606 مليارات دولار، مقابل صادرات قُدّرت بـ370 مليار دولار، الأمر الذي دفع العجز التجاري نحو قمّة جديدة بلغت 236 مليار دولار في مجال السلع فقط. وتجدر الإشارة إلى أنّ العجز التجاري بين أميركا والاتحاد الأوروبي يتقلّص في حال احتساب قطاعات الخدمات.

بلغ عجز الولايات المتحدة الإجمالي، بما في ذلك الخدمات، نحو 161 مليار دولار، وتصل قيمة الصادرات الخدمية من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي إلى نحو 277 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة وارداتها 201 مليار دولار.

إلى ذلك، يتزايد القلق في قطاع الأدوية الذي هدده ترامب برسوم جمركية ضخمة، وقد بلغت واردات الولايات المتحدة من المنتجات الدوائية الأوروبية نحو 127 مليار دولار خلال العام الماضي.

من جهة ثانية، تشكّل خدمات التكنولوجيا، التي تقدمها الشركات الأميركية الكبرى، إحدى نقاط التوتر الأساسية في حال اندلعت الحرب التجارية الأميركية الأوروبية.

مهلة المحادثات وشروط ترامب
أسابيع قليلة تفصلنا عن القرارات الكبرى في إطار التوترات الأميركية الأوروبية، فقد أعطى ترامب مهلة حتى التاسع من شهر تموز المقبل لإجراء محادثاتٍ ومحاولة التوصل إلى اتفاق يقلّص العجز الضخم في التجارة بين الطرفين والذي يعتبره ترامب مجحفًا بحق بلاده.

وفي هذا الاطار، يستخدم ترامب أوراقًا عدة للضغط على الحكومات الأوروبية، أبرزها ورقة الطاقة، فهو يريد من الدول الأوروبية شراء المزيد من مصادر الطاقة من الولايات المتحدة. وتسانده في ذلك ظروف الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات التاريخية التي فرضت على موسكو واستمرار القطيعة الأوروبية الروسية، التي حرمت الدول الأوروبية من مصادر الطاقة الروسية.

من جهة ثانية، يطالب ترامب الشركات بنقل المصانع إلى الولايات المتحدة، لتعزيز الاستثمارات وتحفيز أسواق العمل والصناعة داخل أميركا. لكنّ هذه الخطوات معقدة اقتصادية ولوجستيًا.

إذًا، تبدو الحلول التي تريدها الإدارة الأميركية صعبة المنال في المدى المنظور، وإن لم يتمكّن الطرفان من التوصل إلى صيغة جديدة للعلاقات التجارية بينهما، فستشتعل أسعار السلع في الأسواق. وستخضع السلع الأوروبية لرسوم بنسبة خمسين في المئة، وستتعرض السلع الأميركية لرسوم أوروبية انتقامية.

صعوبة المفاوضات
ليست هذه المرة الأولى التي نشهد فيها نزاعات تجارية بين واشنطن وبروكسيل، فقد سبق أن اشتعلت التوترات بين الطرفين في محطات تاريخية عديدة، وآخرها كان في عام 2018 حين فرض ترامب، خلال ولايته الأولى في الرئاسة الأميركية، رسومًا جمركية بنسبة 25 في المئة على الفولاذ و10 في المئة على الألمنيوم. أما الاتحاد الأوروبي فقد ردّ برسوم جمركية على بضائع أميركية بقيمة تتخطى 3 مليارات دولار.

واستمرت تلك الرسوم إلى أن توصلت إدارة الرئيس جو بايدن في العام 2021 إلى اتفاق مع بروكسل، حيث وافقت واشنطن على إعفاء كمية محدّدة من واردات الصلب والألمنيوم الأوروبي من الرسوم، مقابل تعليق الاتحاد الأوروبي رسومه الانتقامية.

لقد باشر الاتحاد الأوروبي بخطوات لتسريع المفاوضات مع الإدارة الأميركية، وهو ما اعتبره ترامب خطوة إيجابية. لكنّ ذلك لا يعني سهولة المفاوضات، فبين دول الاتحاد الأوروبي خلافات واختلافات وأولويات متعددة، تجعل المهمّة أكثر تعقيدًا. لذا، المطلوب اليوم هو أن ينجح الطرفان بإرساء أسس للهدنة التجارية بينهما، وإلا سيبقى الاقتصاد العالمي في مرمى الرسوم الجمركية وتعود مخاطر الركود إلى الواجهة في أكبر اقتصادات العالم.

تجدر الإشارة الى أن التبادل التجاري في السلع والخدمات بين أميركا والاتحاد الاوروبي بلغ نحو 4.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في عام 2024، متفوقًا على التجارة مع الصين التي شكّلت 2.2 في المئة من الناتج المحلي الأميركي.

من هنا نقرأ ارتفاع مؤشرات الخوف في الأسواق والقلق من الرسوم التجارية التي تحدث ردودًا انتقامية بين الدول، في وقت يكافح فيه الناس أزمات التضخم وتآكل الأجور، كما يحاول المستثمرون قراءة التقلبات في الأسواق.

هل يتفوّق اليورو على الدولار؟
الجميع يراقب بحذر تراجعات الدولار وخطوات الفدرالي الأميركي، وتُطرح التساؤلات حول موقع العملة الأميركية، وإن كانت ستتفوّق عليها عملات أخرى في سلّم الريادة عالميًا.

تجدُ رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، في ضغوط ترامب التجارية فرصة للدول الأوروبية للملمة قواها وإعادة ترتيب بيتها الداخليّ لتعزيز قدراتها الاقتصادية وقوّة عملتها اليورو. وذهبت لاغارد أبعد من ذلك معتبرةً أنّ أمام اليورو فرصة لأخذ مكانة الدولار في التجارية الدولية. فهل هذا ممكن فعلاً؟

في الواقع، أثبتت الأحداث الاقتصادية على مدى السنوات الماضية أنّ الدولار الأميركي لن يكون قادرًا على الاستمرار في موقعه الدولي طويلًا. إلّا أنّ اليورو لا يتمتّع بالجهوزية الكافية لينتزع من الدولار موقعه الدوليّ، في ظل الظروف الاقتصادية والمعطيات السياسية والقدرات العسكرية والأمنية لدول الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من أنّ حصة الدولار من احتياطيات البنوك المركزية العالمية انخفضت إلى 58 في المئة، وهي الأدنى منذ عقود، إلّا أنّ حصة اليورو لا تتخطى نسبة 20 في المئة، فيما تبلغ حصة العملات الأخرى من الاحتياطيات الدولية 20 في المئة أيضاً، ومنها اليوان الصينيّ.

ويرى البيت الأبيض أن الكرة اليوم في ملعب الدول الأوروبية للتنسيق فيما بينها والتوصل إلى ورقة مفاوضات موحّدة وواضحة، ليتمكن بالتالي الطرفان من المضيّ قدمًا في المفاوضات، وإلّا فستُفرض الرسوم التي لا تُحمد عقباها.