مخاوف من بيع القطاع بثمن بخس: وزير الاتصالات يُشرّع الأبواب أمام «ستارلينك» ... اليكم الاسعار

مخاوف من بيع القطاع بثمن بخس: وزير الاتصالات يُشرّع الأبواب أمام «ستارلينك» ... اليكم الاسعار

image

مخاوف من بيع القطاع بثمن بخس: وزير الاتصالات يُشرّع الأبواب أمام «ستارلينك»

لم يعد هناك أي قيمة لسوق الاتصالات بلا خدمات «الداتا»

فؤاد بزي - الاخبار

وفقاً لمنطق الخصخصة البخسة، ثمة سعي واضح من المسؤولين عن قطاع الاتصالات إلى منح شركة «ستارلينك» ترخيصاً سيكون له وقع مزلزل في السوق، سواء على مشتركي الهاتف والإنترنت لدى القطاع العام، أو على المشتركين لدى القطاع الخاص. فهذه الشركة التي حاولت أن تفرض نفسها عبر «هبة» مشروطة بالتحوّل إلى عمل تجاري، الآن تحاول أن تروّج أن عملها في لبنان سيقتصر على العمل التجاري البحت. وهذا تحديداً ما يثير القلق، إذ إن وحشاً مثل ستارلينك سيتاح له الاستحواذ على ترددات نادرة كان يفترض بيعها بمليارات الدولارات، تمهيداً للاستحواذ على سوق خدمات الداتا في لبنان... بلا منازع.

من القمر الصناعي إلى المستهلك
ما لا تفهمه غالبية القوى السياسية من تنفيذيين وتشريعيين، أن سوق الاتصالات في العالم بات يتمحور حول «الداتا»، وليس حول خدمة الاتصال الخلوي أو الثابت. وبالتالي إن بيع الترددات لشركة ما هو خصخصة مباشرة لسلعة نادرة يفترض أن تؤمن إيرادات هائلة للخزينة العامة، وأن تدار عبر قوانين تحرّم الحصرية وترسم سقوفاً واضحة للأسعار من أجل الحفاظ على التنافسية. رغم ذلك، ها هي «ستارلينك» أصبحت أقرب من أيّ وقت مضى، على مسار الولوج إلى سوق الإنترنت في لبنان وسط غياب كل التشريعات التي تحمي المستهلكين والقطاع الخاص. فهذه الشركة الأميركية المملوكة من رجل الأعمال إيلون ماسك، قادرة على إقفال شركات مقدمي الخدمات في لبنان، وحتى على محو أثر القطاع العام في هذه الحلبة. لكن بكل بساطة فتحت لها الأبواب وزار وفد من الشركة رئيس الجمهورية جوزف عون برعاية وزير الاتصالات شارل الحاج.

في الأساس، تحوم «ستارلينك» حول الأجواء اللبنانية منذ مدّة ليست بقصيرة، فمنذ ما قبل الحرب الصهيونية الأخيرة، تحاول الشركة الحصول على أذونات حكومية خاصة لدخول سوق الإنترنت كونها ستقدم هبة للحكومة اللبنانية، إلا أنّ «القلق الأمني للأجهزة الأمنية من مخابرات وأمن عام ومعلومات» أسهم في تأخير ربط لبنان بالأقمار الصناعية الخاصة بـ«ستارلينك». ويعود قلق الأجهزة الأمنية إلى قدرة هذا النوع من الإنترنت على التفلت من الرقابة، إذ سيرتبط كلّ مشترك بالأقمار الصناعية مباشرةً من دون المرور عبر المزوّد الرئيسي للإنترنت في لبنان، أي أوجيرو. لكن «منذ دخول وزير الاتصالات شارل الحاج إلى مكتبه في الوزارة، تعهّد بأخذ أمر ستارلينك على عاتقه»، هكذا تقول مصادر متابعة للمفاوضات مع «ستارلينك». وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، «أكّد الحاج للشركة أنّه سيوصل الملف إلى مجلس الوزراء مع نهاية شهر أيار».

وبعد إخفاقه في طرح المسألة على طاولة البحث الوزارية، تمكّن الحاج من حجز مواعيد لمدير منطقة الشرق الأوسط في «ستارلينك» مع رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء مثل وزير الاقتصاد عامر البساط. وبدأ التحضير لترخيص الشركة لا كموزّع للإنترنت، بل كمزوّد للخدمة.
وهنا تلفت المصادر المتابعة إلى أنّ شركات الإنترنت التي يقال إن الحاج يملك فيها (أو كان يملك فيها) أسهماً مثل شركتي Waves وConnect لتوزيع الإنترنت، ستكون مساهمة بشكل رئيسي كموزعة لخدمات ستارلينك في لبنان.

هل يمكن للحكومة وحدها الترخيص لـ«ستارلينك»؟ مردّ السؤال أن هذه الشركة لا تشبه مقدّمي خدمات الإنترنت في لبنان، لأنها لا تستخدم خطوط الإنترنت التي تستجرّها أوجيرو لمصلحة وزارة الاتصالات، بل تستعمل السواتل، أو الأقمار الصناعية، لتأمين الاتصال بالشبكة. كما ستتعامل «ستارلينك» مع المستهلكين بشكل فردي، إذ لا تحتاج إلى الدخول عبر المحطات الأرضية في جورة البلوط أو العربانية، وفقاً للمرسوم 377، الصادر عام 1989، والخاص بتوزيع الإنترنت عبر السواتل الصناعية والترخيص باستعمال المحطات اللاسلكية الخصوصية واستثمارها.

لذا، ستحتاج «ستارلينك» إلى ترخيص خاص بها لا يقتصر على صدور قرار عن وزير الاتصالات. بل يعدّ الأمر امتيازاً يحتاج إلى قانون في مجلس النواب بناء على الدستور اللبناني، وهو أمر لا يمنح إلا باستثناءات كبيرة جداً. فمهما كانت الوعود الصادرة عن الحاج لـ«ستارلينك»، يبقى قانون الاتصالات أقوى منها، إذ لا يسمح ببيع الترددات اللاسلكية، وفقاً للمادة 15 من قانون الاتصالات 431. ولا يمكن تأجيرها أو الترخيص باستخدامها إلا بموافقة الهيئة الناظمة للاتصالات، وهي غير موجودة حالياً.

تذويب القطاع الخاص
أما على مستوى المنافسة، فدخول «ستارلينك» إلى سوق الإنترنت في لبنان هو بمنزلة إدخال حوت كبير قادر على ابتلاع الأسماك الكبيرة، وهي شركات تقديم خدمات الإنترنت، أو «ISPs». لذا، ما إن انتشر خبر مجيء «ستارلينك» بشكل رسمي إلى لبنان حتى وقّعت 7 شركات تقديم خدمات إنترنت، وهي «Inconet، Transmog، Terranet، Broadband، CableOne، Cedarcom، Globalcom»، على رسالة اعتراض على أصل حضور الشركة إلى لبنان. وأبلغ محتوى الكتاب إلى رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء، واللجنة النيابية للاتصالات.

وطلب مقدمو خدمات الإنترنت «تنظيم دخول ستارلينك إلى سوق الإنترنت بشكل مدروس، ومتدرج». وظهر خوف هذه الشركات واضحاً من قدرات «ستارلينك» التنافسية عندما أكّدت مطلب «وضع الشركة الوافدة على قدم المساواة في الإطار التنظيمي لمقدمي الإنترنت في لبنان». فهم غير مهيّئين للتعامل مع تقنيات الإنترنت الفضائية، بحسب الرسالة.

وفي رسالتها، دافعت الشركات لأول مرّة عن «Liban Telecom»، ورأت في دخول «ستارلينك» تأثيراً سلبياً على مداخيل شركات الاتصالات الأساسية في لبنان مثل أوجيرو وألفا وتاتش. وعبّرت عن قلق من قدرتها على مجاراة «ستارلينك»، إذ سيؤدي دخولها سوق الإنترنت في لبنان إلى تراجع في الإيرادات وتهديد فرص العمل في قطاع الاتصالات برمته. وقدّرت شركات الإنترنت أنّ «ستارلينك» ستحرمها من 25% من زبائنها، خاصة المؤسسات والشركات. وستنخفض مداخيلها بنسبة 27%، ما يعني حكماً انخفاض الدخل المحقق للدولة، محذرةً من تحويل أموال الإنترنت إلى الخارج مباشرةً من دون المرور بالخزينة.

ورغم تغليف الرسالة بلبوس الاهتمام بوضع القطاع العام وديمومته، إلا أنّ مقدّمي خدمات الإنترنت لم يمرّروا الرسالة من دون مهاجمة أوجيرو، وإن بشكل غير مباشر، إذ حمّلوا الهيئة المسؤولية المباشرة عن عدم قدرتهم على منافسة «ستارلينك». فبحسب رسالتهم، «تدفع شركات الإنترنت 14 دولاراً مقابل كل Gbps للسعات الدولية، وهذا السعر أعلى من الأسعار الرائجة في الدول المحيطة».

وذكر مقدّمو خدمات الإنترنت بأنّ الدول المجاورة، مثل السعودية، لم تفتح سوق الإنترنت فيها بشكل كامل لـ«ستارلينك»، بل حدّدت استخدامها في قطاعات خاصة ومحدودة مثل الملاحة الجويّة والبحريّة. فيما لا تتمكن «ستارلينك» في البلدان، حيث الإنترنت الفائق السرعة متاح في كلّ الأمكنة، من منافسة شركات الاتصالات العادية.

42 دولاراً الاشتراك الشهري للمنازل

بحسب متابعين لملف «ستارلينك» في لبنان، يراوح سعر العدّة الأساسية المطلوب تركيبها للاشتراك بالإنترنت عبر «ستارلينك» بين 350 دولاراً و500 دولار، وهو مبلغ يُدفع لمرّة واحدة عند شراء الصحن اللاقط مع جهاز توزيع الإنترنت في المنزل. وبعد ذلك يدفع المشترك العادي مبلغاً يراوح بين 42 دولاراً و56 دولاراً مقابل الاشتراك الشهري للمنازل. أما الشركات الراغبة في الاشتراك مع «ستارلينك»، فستدفع مبالغ إضافية، إذ تبلغ قيمة الاشتراك الشهري بسعة 500 Gb نحو 111 دولاراً شهرياً.