بين الشارع والشرعية الدولية.. بري يوازن جنوباً لتفادي التصعيد

بين الشارع والشرعية الدولية.. بري يوازن جنوباً لتفادي التصعيد

image

داود رمال - الانباء

قال مصدر ديبلوماسي بارز في بيروت لـ«الأنباء»: «الموقف الذي عبر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري بقوله إنه مع قوات اليونيفيل ظالمة أم مظلومة، يحمل أبعادا رمزية وسياسية تتجاوز التصريح العابر، ويعكس مقاربة متقدمة تنطلق من إدراك دقيق لمعادلة الجنوب اللبناني المتشابكة بين الواقع الشعبي والالتزامات الدولية».

 
وأشار المصدر إلى «أن كلام بري جاء في توقيت بالغ الخطورة عقب الحوادث المتكررة وآخرها في بلدة صديقين الجنوبية، حيث اعترض عدد من الأهالي دورية تابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) خلال دخولها إلى منطقة جبل الكبير من دون مرافقة الجيش اللبناني، ما كاد أن يؤدي إلى تصعيد ميداني لولا تدخل سريع من الجيش».

وبحسب المصدر، «فإن الرئيس بري، بصفته زعيما جنوبيا لطالما كان قريبا من نبض القرى الجنوبية، يعرف جيدا حجم التوتر التاريخي الكامن بين قوات اليونيفيل وبعض أبناء المنطقة الذين ينظرون بريبة إلى تحركات القوات الدولية، خصوصا عندما تتم خارج إطار التنسيق مع الجيش اللبناني. إلا أن بري في المقابل، ومن موقعه كرجل دولة محوري في مرحلة ما بعد حرب 2006 والحرب الأخيرة، يتعاطى مع قرار مجلس الأمن 1701 باعتباره الركيزة الأساسية التي ستحول دون اندلاع حرب شاملة جديدة مع إسرائيل، ويعتبر أن وجود اليونيفيل في الجنوب يشكل مظلة سياسية وأمنية دولية ضرورية لحماية لبنان».

ورأى المصدر «أن الحادثة الأخيرة في صديقين كشفت مجددا عن الخلل البنيوي القائم في علاقة القوات الدولية مع المجتمع المحلي، وهو خلل لا ينبع من رفض مطلق لوجود هذه القوات، بل من شعور متكرر بأن التنسيق مع الجيش اللبناني يتم تجاوزه أو التراخي فيه، ما يثير ريبة الأهالي، لاسيما في المناطق الحساسة أمنيا. ويبدو أن هذه المعضلة المتكررة تدفع نحو طرح تساؤلات جدية حول آليات العمل الميداني لقوات الطوارئ الدولية، في وقت يستعد فيه مجلس الأمن لمناقشة تجديد ولايتها».



وفي هذا السياق، شدد المصدر الديبلوماسي على «أن تصريح بري لا يجب فهمه كغطاء أعمى لتحركات اليونيفيل، بل كتحذير ضمني من مغبة استمرار الاحتكاك الشعبي معها، لما لذلك من تداعيات سلبية على الموقف اللبناني في المحافل الدولية. إذ إن تكرار الاعتراضات يهدد بإضعاف موقع لبنان التفاوضي أمام المجتمع الدولي، ويمنح إسرائيل مادة دعائية لتصويرالجنوب كمنطقة خارجة عن سيطرة الدولة، ما قد تستغله في أي مواجهة مستقبلية لتبرير تصعيدها».

كما أشار المصدر إلى «أن موقع بلدة صديقين الاستراتيجي، وقربها من مناطق مراقبة على الخط الأزرق، يجعل من أي توتر فيها حدثا قابلا للاشتعال بسرعة، ويضاعف من أهمية احترام قواعد التنسيق الصارمة مع الجيش». وأكد «أن تدخل الجيش اللبناني السريع في الحادثة الأخيرة ساهم في نزع فتيل التوتر ومنع تفاقم الأمور، ما يؤكد مجددا أن الجيش هو الضامن الوحيد للتوازن بين متطلبات الاستقرار المحلي والتزامات لبنان الدولية».

وختم المصدر بالإشارة إلى «أن موقف بري يمثل محاولة دقيقة لخلق توازن بين الظل الشعبي في الجنوب، الذي يحمل هواجس مشروعة تجاه الوجود الدولي، والمظلة السياسية التي يمثلها القرار 1701 كخط دفاع أول عن الاستقرار اللبناني».

ولفت إلى «أن الحل الأمثل يكمن في تفعيل قنوات التواصل بين اليونيفيل والمجتمعات المحلية، وتعزيز التنسيق مع الجيش، بما يمنع التصادم ويحول دون فتح أبواب الجنوب أمام توترات إضافية، خصوصا في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة».