نمط خطير جديد من المواجهة بعد غارات الضاحية

نمط خطير جديد من المواجهة بعد غارات الضاحية

image

نمط خطير جديد من المواجهة بعد غارات الضاحية
 التوقيت متصل بالمشهد الداخلي السياسي الأمني في لبنان


 
"النهار"
بدأ غداة الغارات المدمرة التي شنتها إسرائيل على الضاحية الجنوبية لبيروت في ليلة عيد الأضحى أن معطيات تصعيدية بالغة الخطورة طرأت على الواقع اللبناني والمواجهة المفتوحة على خلفية تداعيات الإطاحة باتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل المعلن منذ تشرين الثاني الماضي بما يثير مخاوف عميقة على المدى المنظور. ذلك أنه لم يكن خافياً القلق الذي تصاعد بقوة على موسم الاصطياف في ظل توقيت الهجوم الإسرائيلي الأعنف والأوسع والأشد تدميراً في أحياء الضاحية وهو الهجوم الرابع منذ إعلان وقف النار. وهو توقيت متعمد تماماً في ظل الالتباس والغموض وربما الفراغ الديبلوماسي الأميركي منذ صعدت إلى الواجهة إجراءات المناقلات والتغييرات التي تجريها إدارة ترامب في صفوف ديبلوماسيين وموفدين تسلموا ملفات الشرق الأوسط ومن بينهم مورغان أرتاغوس وكانوا يصنفون من الصقور المنحازين بقوة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. 

كما أن التوقيت متصل بالمشهد الداخلي السياسي الأمني في لبنان الذي شهد في الفترة الأخيرة تخفيفاً للاندفاعات المتعلقة بملف نزع سلاح حزب الله عبر التحركات السياسية الداخلية وربما لم يرق هذا الامر إسرائيل ودول أخرى وتركت أميركا لإسرائيل إطلاق ما تشاء من رسائل تجاه لبنان عبر الساحة المفتوحة والتهويل باستمرارها ما دام لبنان لا ينزع سلاح الحزب. ولكن التداعيات الجديدة التي برزت إلى واجهة التطور الميداني الأخير تمثلت في رفع نبرة لبنان الرسمي والجيش اللبناني إن عبر لوم الولايات المتحدة الأميركية ضمناً وإن عبر التحذير الذي أطلقه الجيش للمرة الأولى باحتمال تجميد تعاونه مع اللجنة المعنية بالرقابة على وقف النار بعدما كشف إفشال إسرائيل لمسعاه لتجنب الغارات الإسرائيلية على الضاحية.

ولذا سادت أجواء قاتمة في الساعات الأخيرة، إذ لم تظهر رهانات كبيرة على تحرك أميركي فعال من شأنه لجم الاختراقات الإسرائيلية واحتمالات المضي في عمليات أخرى ولو أن النبرة الرسمية العلنية لا تزال تركز على المسؤولية الأميركية في لجم إسرائيل.

وجاء اول وأبرز رد فعل خارجي على الغارات من فرنسا التي نددت بالغارات الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية لبيروت، داعية إسرائيل إلى "الانسحاب بأسرع وقت من كل الأراضي اللبنانية"، وذلك في بيان لوزارة الخارجية. وقالت الخارجية الفرنسية: "تدعو باريس كل الأطراف إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار". وشددت على أن "فرنسا تؤكد مجددا أن آلية المراقبة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، قائمة لمساعدة الأطراف على مواجهة التهديدات ومنع أي تصعيد من شأنه أن يضر بأمن واستقرار لبنان وإسرائيل". وأكدت أن "تفكيك المواقع العسكرية غير المصرح بها على الأراضي اللبنانية من مسؤولية القوات المسلحة اللبنانية بشكل أساسي" مدعومة من قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل).

وغداة الغارات، أصدرت لجنة إعادة الإعمار في منطقة بيروت إحصاءً أوليًا يرصد الأضرار التي خلّفتها الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية. وطالت الاعتداءات عدداً من الأحياء السكنية، مخلّفة دماراً واسعاً في الأبنية والمؤسسات، وأضراراً جسيمة في الممتلكات، حيث دُمّرت 9 أبنية تدميراً كلياً، وتضرّر جراء العدوان 71 مبنى، و50 سيارة و177 مؤسسة.

في غضون ذلك كشف مسؤول عسكري لبناني أن إسرائيل حالت دون قيام الجيش بتفتيش موقع في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل قصفه ليل الخميس. وقال: "أرسل الإسرائيليون خلال النهار رسالة مفادها أن هناك هدفا في الضاحية الجنوبية لبيروت يستفسرون عنه (للاشتباه) بأنه قد يحتوي أسلحة". وأضاف: "استطلع الجيش اللبناني المكان الذي كان مشروع أبنية مدمرة، ورد الجيش عبر الميكانيزم (آلية وقف إطلاق النار ولجنة الإشراف على تطبيقه) بأن المكان لا يحتوي على شيء".   
وفي حين أشار الى أن الإسرائيليين لم يبعثوا بأي رسالة عبر لجنة الإشراف بشأن المواقع التي يعتزمون استهدافها خلال الليل، أوضح "عندما انتشر بيان أفيخاي أدرعي، حاول الجيش (اللبناني) أن يتجه إلى أول موقع أشار إليه لكن ضربات إسرائيلية تحذيرية حالت دون أن يكمل الجيش اللبناني مهمته". وتضم اللجنة لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وقوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان (يونيفيل)، وتتولى مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار الساري بين اسرائيل وحزب الله منذ أواخر تشرين الثاني.

في هذا السياق، كشفت قيادة الجيش في بيان أصدرته أمس أنها، "فور إعلان العدو الإسرائيلي عن تهديداته، باشرت التنسيق مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية لمنع وقوع الاعتداء، فيما توجهت دوريات إلى عدد من المواقع للكشف عليها بالرغم من رفض العدو للاقتراح". وأضافت في بيانها "تعيد قيادة الجيش تأكيد التزامها بتنفيذ القرار ١٧٠١ واتفاقية وقف الأعمال العدائية، وتلفت إلى أن إمعان العدو الإسرائيلي في خرق الاتفاقية ورفضه التجاوب مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، ما هو إلا إضعاف لدور اللجنة والجيش، ومن شأنه أن يدفع المؤسسة العسكرية إلى تجميد التعاون مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية في ما خص الكشف على المواقع".


في المقابل، أفاد مصدر أمني إسرائيلي لمحطة "الحدث"، بأن الجيش اللبناني لم يُقدم على أي خطوة تجاه "مستودع تصنيع" تابع لحزب الله في الضاحية الجنوبية، رغم تبلّغه معلومات عنه. وأضاف المصدر، "الجانب الأميركي أوصل رسالتنا إلى الجيش اللبناني ومكتب رئاسة الجمهورية بشأن المستودع"، مشيراً إلى أن "واشنطن أبلغت بشكل رسمي السلطات اللبنانية عن وجود هذا المستودع". وأشار إلى أن "الدولة اللبنانية لا تقوم بالكثير تجاه سلاح حزب الله شمال نهر الليطاني". وتابع: "يبدو أن الجيش اللبناني لم يتمكّن من التحرك تجاه المستودع بعد إبلاغه بالأمر".

ومضت إسرائيل في تصعيد تهديداتها، وأطلق وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس سلسلة تهديدات مباشرة ضد لبنان، في تصريحات وصفت بأنها الأشد منذ تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية، معتبراً أن "الهدوء في بيروت مرتبط مباشرةً بأمن إسرائيل"، ومتوعدًا بمزيد من العمليات العسكرية إذا لم تُنفّذ المطالب الإسرائيلية المتعلقة بسلاح الحزب. أضاف كاتس: "لن يكون هناك هدوء في بيروت ولا نظام ولا استقرار في لبنان من دون أمن لإسرائيل"، معتبراً أن "على لبنان أن يحترم الاتفاقيات، وإذا لم يفعل ما هو مطلوب منه، سنواصل العمل وبقوة كبيرة". وتابع: "على الحكومة اللبنانية نزع سلاح الحزب ومنعه من إنتاج الطائرات المسيّرة التي تهدد مواطني إسرائيل"، مشيرًا إلى أن "العودة إلى واقع ما قبل 7 تشرين الأول غير واردة إطلاقاً، ونحن سنمنع ذلك بكل الوسائل". وفي لهجة تصعيدية لافتة، وجّه كاتس رسالة مباشرة إلى رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، قائلاً: "إذا لم تفعلوا المطلوب، سنواصل العمل بكل قوة".

وأعلن الجيش الإسرائيلي ان الغارات على الضاحية أمس الاول استهدفت شققاً أقام فيها حزب الله ضمن بيئة مدنية منشآت لإنتاج المسيّرات، مشيراً الى ان الغارة على الضاحية الجنوبية لبيروت هي الأكثر أهمية.

في السياق، نشر المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي مشاهد للغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ليل أمس. وأشار عبر "إكس" إلى أن الجيش الاسرائيلي استهدف "مواقع إنتاج وتخزين طائرات مسيرة تحت الأرض، وورشة لتصنيعها في الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان".

أما في الأصداء الداخلية للغارات، فأصدر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بياناً اعتبر فيه أن "ليس من البطولة بشيء تسمية العدو عدوا ومهاجمته لفظيا، لأن هذا الأمر من البديهيات التي يفعلها أي مواطن لبناني، إنما البطولة في اتخاذ المسؤولين الخطوات العملية اللازمة لتجنُّب شر هذا العدو. وليس من المقبول بأي شكل من الأشكال ان يبقى المواطن اللبناني معرضا لخطر العدوان في كل يوم وساعة ولحظة. لقد أصبح واضحا ان لبنان بحاجة لمساعدة أصدقائه العرب والأوروبيين والأميركيين من أجل إيقاف العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على لبنان، وإخراج إسرائيل من النقاط التي ما زالت تحتلها، ولكن يعرف القاصي والداني ان أصدقاء لبنان هؤلاء ليسوا مستعدّين لمساعدة دولة لا تمتلك حصرية السلاح واستطرادا قرار الحرب والسلم".

وأضاف: "من جهة أخرى فاتفاق الطائف والقرارات الدولية 1559 و 1680 و1701 واتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقعت عليه الحكومة التي كان يملك فيها "حزب الله" الأكثرية الوزارية في 27 تشرين الثاني 2024، بالإضافة إلى إرادة الغالبية العظمى من اللبنانيين، تلتقي كلها على مطالبة الدولة اللبنانية بتفكيك التنظيمات العسكرية غير الشرعية وجمع السلاح كل السلاح داخل الدولة فقط لا غير، لكي تقوم دولة فعلية في لبنان. ولذلك، وبوجود هذه الأسباب الموجبة كلها لا شيء يبرِّر إطلاقا تأخُّر الدولة عن القيام بواجباتها درءاً للمخاطر التي يواجهها لبنان واللبنانيون".