هل من تنسيق لبنانيّ – أميركيّ بمواجهة التّصعيد الإسرائيليّ؟
الضربات الإسرائيلية لا علاقة لها بمزاعم إسرائيل قيام “الحزب” بتطوير إنتاج مسيّرات
ملاك عقيل - اساس ميديا
لا شيء جديداً في سلوكيّات إسرائيل الإجرامية باستثناء توقيت غاراتها، الأعنف على الضاحية الجنوبية منذ توقيع قرار وقف إطلاق النار، عشيّة عيد الأضحى، وهو ما يرتقي إلى مستوى جريمة ضدّ الإنسانية، وجريمة حرب موصوفة. إضافة إلى محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “تنفيس” أزمته المُستفحلة في الداخل باحتمال سقوط حكومته جدّيّاً، وذلك عبر ضرب الجهود الدولية المبذولة، خصوصاً الأميركية، من أجل معالجة ملفّ السلاح، بعيداً عن لغة التسخين الميداني.
هذا الأمر، أشار إليه رئيس الجمهورية جوزف عون في بيانه بشكل واضح، عقب حدوث الغارات ليل أمس، لافتاً إلى أنّ “العدوان بمنزلة رسالة يوجّهها مرتكب هذه الفظاعات إلى الولايات المتّحدة الأميركية، وسياساتها، ومبادراتها أوّلاً، عبر صندوق بريد بيروت، ودماء أبريائها ومدنيّيها. وهو ما لن يرضخ له لبنان”.
لم يتأخّر الرئيس نبيه برّي في ملاقاة بعبدا، في خطوة لافتة، إذ اعتبر أنّ “الموقف من الاستباحة الإسرائيلية متطابق ومتبنٍّ لموقف رئيس الجمهورية بكلّ المضامين الوطنية والسيادية، التي يجب أن تكون جامعة لكلّ اللبنانيين في مواجهة العدوانية الإسرائيلية”.
تلا ذلك الموقفُ الأبرز وغير المسبوق منذ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار الذي تمثّل في تلويح قيادة الجيش بـ”تجميد التعاون مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية Mechanism، في ما خصّ الكشف على المواقع، وذلك بسبب إمعان العدوّ الإسرائيلي في خرق الاتّفاق، ورفضه التجاوب مع “اللجنة”، وهو ما يُشكّل إضعافاً لدور الجيش واللجنة معاً”، كما جاء في بيان قيادة الجيش أمس.
دعم أميركيّ للجيش
وفق معلومات موثوقة لـ “أساس”، “كلّ المسؤولين الأميركيين في زياراتهم لبيروت، إضافة إلى الطاقم الأميركي العامل في لجنة المراقبة، وعلى رأسه الجنرال مايكل جيفرز سابقاً، والجنرال مايكل جي ليني راهناً، وطاقم السفارة الأميركية، يعكسون جميعاً موقفاً أميركياً داعماً للجيش وإشادة بدوره، مع تفهّم لطبيعة العمل في الجنوب وخارجه. وهذا يدلّ بوضوح على التعارض في المقاربة بين الأميركيّين والإسرائيليّين حول آليّة العمل لتنفيذ هدف نزع السلاح الذي تسعى إليه واشنطن وتل أبيب معاً”.
ذهب البعض أبعد من ذلك، بالإشارة إلى أنّه في مقابل تأكيد الرئيس عون أنّ “هذه الضربات تستهدف الأميركيين”، فهي تستهدف أيضاً مواقف رئيس الجمهورية نفسه، الذي ذَكَره وزير الدفاع الإسرائيلي أمس بالاسم، وذلك في سياق الضغط الذي سبقته زيارة وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي، التي قوبلت بارتياح من جانب لبنان الرسمي، وإصرار الرئاسة الأولى على سلوك درب الحوار لتنفيذ بند حصريّة السلاح بيد الدولة، وعلم إسرائيل بمدى التعاون العسكري جنوباً بين لبنان وواشنطن.
غرفة عمليّات مشتركة
فعليّاً، منذ إطلاق الناطق باسم العدوّ تحذيراته، مساء الخميس، إلى أهالي الضاحية بإخلاء المباني المستهدَفة ومحيطها، استنفرت غرفة العمليات المشتركة بين بعبدا وقيادة الجيش وعين التينة ولجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية، فيما بقيت المخاوف الرسمية قائمة من استئناف الجيش الإسرائيلي عدوانه على لبنان، في ظلّ موقف دولي لا يتبنّى لغة التهديد بإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل اتّفاق 27 تشرين الثاني.
تُوّج التصعيد الإسرائيلي بتصريحات وزير الدفاع إسرائيل كاتس، صباح أمس، الذي خاطب للمرّة الأولى الرئيس عون قائلاً: “إذا لم تفعلوا المطلوب، فسنواصل العمل بقوّة”، ودعا الحكومة إلى “نزع سلاح “الحزب” ومنعه من إنتاج المسيّرات”، مهدّداً بأنّه “لن يكون هناك هدوء واستقرار في لبنان من دون أمن إسرائيل”.
بن سلمان وماكرون في نيويورك؟
بتأكيد مطّلعين، لا يمكن، أيضاً، فصل الضربة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية عن “النفضة” التي تشهدها الإدارة الأميركية عبر الإطاحة ببعض الموظّفين الذين يتحدّثون بلغة مصالح إسرائيل مباشرة داخل البيت الأبيض والخارجية الأميركية، وعلى رأسهم مورغان أورتاغوس، والتي دُشّنت بإقالة مستشار الأمن القومي مايكل والتز، إضافة إلى المناقلات الدبلوماسية الأميركية المرتبطة بالمسؤولين عن ملفّات الشرق الأوسط، خصوصاً سوريا ولبنان.
أبعد من هذا المعطى الأميركي الداخليّ، تنظر إسرائيل بكثير من الارتياب إلى نتائج مؤتمر نيويورك المتعلّق بحلّ الدولتين في 17 حزيران الجاري والذي يستمرّ حتى العشرين منه، مع رصد لبنانيّ لمستوى التمثيل الدبوماسي الدولي في هذا المؤتمر، الذي تتقاطع المعطيات عند مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان فيه. في المقابل، لم تحدّد حتى الآن بعض الدول الأساسية مستوى مشاركتها في المؤتمر – الكابوس بالنسبة لإسرائيل، ولم يُعرف هل يرفع لبنان مستوى مشاركته في المؤتمر إلى أكثر من وزير الخارجية.
الجيش اللّبنانيّ يُصعّد
على خطّ موازٍ، وفي ضوء الاعتداءات الإسرائيلية عشيّة عيد الأضحى على الضاحية وعين قانا في الجنوب، يمكن الحديث عن تبدّل نوعيّ في المقاربة الميدانية للجيش، بمؤازرة من لجنة المراقبة. فقد شهد يوم الخميس، بالتنسيق مع الأميركيين، محاولات لتفادي تنفيذ إسرائيل لتهديداتها. أوّلاً، من خلال توجّه قوّة من الجيش خلال النهار إلى منطقة المريجة، حيث تمّ الكشف على مبنى مدمّر تبيّن أنّه لا يحتوي على أسلحة. وفي المساء من خلال الكشف على أبنية حدّدتها إسرائيل لقصفها، لكنّ العدوّ قام باستهداف عناصر الجيش بضربات تحذيرية، فانسحبوا.
أشار بيان الجيش أمس إلى “رفض إسرائيل اقتراح الكشف على المواقع، بعد إعلان العدوّ تهديداته، فتوجّهت دوريّات من الجيش إلى عدد من المواقع للكشف عليها من أجل منع وقوع الاعتداء، بالتنسيق مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية”.
تهديد الأميركيين في لبنان؟
تقول مصادر حزبية مطّلعة لـ “أساس” إنّ “الضربات الإسرائيلية لا علاقة لها بمزاعم إسرائيل قيام “الحزب” بتطوير إنتاج مسيّرات استعداداً للحرب المقبلة، في الوقت الذي تشهد فيه قيادة “اليونيفيل” ولجنة المراقبة ومسؤولون دوليّون على تعاون “الحزب”، وعدم دخول طلقة رصاص واحدة جنوب الليطاني منذ بدء تطبيق الاتّفاق، وعدم قيامه بترميم بنيته التحتية العسكرية. فيما ملفّ حصر السلاح مرتبط بقرار سياسي بإنجازه عبر الحوار”.
تضيف المصادر: “لن يكون أمراً مقبولاً لنتنياهو أن يرصد توجّه آلاف الجنوبيين إلى قراهم عشيّة العيد في تحدٍّ واضح لإسرائيل، مع مخاوف أمنيّة إسرائيلية من تغلغل شخصيّات حزبية بينهم إلى مواقع أماميّة، واستمرار مطار بيروت في استقبال عشرات الطائرات يوميّاً، حتّى في ظلّ تنفيذ الغارات الإسرائيلية، فيما مطار بن غوريون معرّض بأيّ لحظة للإقفال، بينما المطلوب إسرائيليّاً اختناق لبنان وإبقاؤه في دائرة من عدم الاستقرار.
في المقابل، ترى واشنطن بأنّه مهما تكن نتائج الضربات الإسرائيلية، على المستوى التكتيّ، فإنّها لا تقارن بالضرر الاستراتيجي الذي يُمكن أن يتعرّض له الفريق الأميركي العامل في لبنان، بالتزامن مع الورشة المستمرّة لبناء أكبر سفارة أميركية في الشرق الأوسط في منطقة عوكر”.