مؤتمر نيويورك: شروط على السّلطة وتغيير في إسرائيل
توجّس من موقف واشنطن السلبي واتّصالات من أجل ترويض ردّ فعلها
وليد شُقَير - اساس ميديا
توالت التحضيرات الأوروبية – العربية لعقد مؤتمر “حماية حلّ الدولتين” والاعتراف بالدولة الفلسطينية في نيويورك، على وقع المجازر ضدّ الغزّيّين. أدّى استمرار إسرائيل في حملة الإبادة إلى زيادة عدد الدول المؤيّدة لمسار الاعتراف. وعلى الرغم من أنّ معظم أوروبا استفاق على أنّ الغطاء الغربي لـ”حقّ إسرائيل بالدفاع عن النفس” منذ 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، بات فضيحة أخلاقية، تستمرّ المقتلة تحت غطاء “إنسانيّ”. فما سُمّي بـ”فِخاخ الموت” أصبح الوسيلة: قتل الفلسطينيين بالعشرات كلّ يوم، عند توجّههم إلى مراكز توزيع المساعدات الإنسانية التي ابتدعتها الإدارة الترامبيّة، عبر “مؤسّسة غزّة الإنسانية”.
الأسئلة عمّا بعد الاعتراف المنتظر بدولة فلسطين في المؤتمر الذي ترأسه السعودية وفرنسا بعد 7 أيّام في كنف الأمم المتّحدة في نيويورك، ويستمرّ حتّى 20 الجاري، لا تقتصر على مدى العزلة الدولية لإسرائيل إزاء انحياز أكثريّة دولية ساحقة متوقّعة لهذا الخيار.
لا تكترث تل أبيب لذلك في ظلّ حكم اليمين المتطرّف، واطمئنانه إلى التأييد الأميركي الأعمى. وتهيّئ لتصعيد إجراءاتها العدائيّة ضدّ الشعب الفلسطيني في الضفّة الغربية، لا غزّة وحدها، على الرغم من أنّ خريطة الطريق المعدّة للمؤتمر تشمل الاعتراف بإسرائيل مقابل إجراءات ملموسة وعمليّة نحو قيام دولة فلسطين.
اتّصالات “لترويض” الموقف الأميركيّ
تتعلّق الأسئلة الرديفة بماهيّة ردّة فعل أميركا على هذا المؤتمر، وسط قلق بعض الأوساط الإسرائيلية من صمت إدارة دونالد ترامب إزاء انعقاده، وبما ستفعله بعد المؤتمر الدولُ المؤيّدة لقيام دولة فلسطين حيال استمرار الدولة العبرية في تصفية القضيّة.
لا يخفي مصدر دبلوماسي عربي رفيع لـ”أساس” التوجّس من موقف واشنطن السلبي حيال نتائج المؤتمر. فالإدارات الأميركية المتعاقبة سبق أن رفعت الفيتو بوجه محاولات الجامعة العربية وغيرها لتحقيق العضويّة الكاملة لفلسطين في المنظّمة الدولية، وهدّدت أكثر من مرّة بوقف تمويلها الأمم المتّحدة في حال الاعتراف بدولة فلسطين.
يقول المصدر الدبلوماسي العربي لـ”أساس” إنّ “اتّصالات تجري مع واشنطن من أجل ترويض ردّ فعلها”. ويلاحظ المصدر أنّه “لم يخرج عن إدارة ترامب موقف سلبي عنيف حتّى اللحظة”. وهو ما يقلق المستوى السياسي الإسرائيلي أيضاً، وفق “يديعوت أحرونوت”.
من المعلوم أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيلتقي نظيره الأميركي في قمّة مجموعة الدول السبع في كندا، في 15 حزيران، قبل يومين من مؤتمر نيويورك، وسيتطرّقان إلى موضوع المؤتمر. واتّصالات السعودية مع واشنطن متواصلة، استكمالاً لمداولات ترامب ووليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان خلال زيارته الرياض الشهر الماضي. الأخير سبق أن أبلغ ترامب أنّ تحقيق رؤيته لعام 2025 المسمّاة “السلام نحو الازدهار” في المنطقة لا تنجح من دون مسار واضح لحلّ الدولتين. وتشترط خريطة الطريق المفترضة لقيام دولة فلسطين إبعاد “حماس”، وإصلاحات بنيوية للسلطة الفلسطينية بحيث لا يقتصر الأمر على الاعتراف بالدولة. ويشير المصدر الدبلوماسي العربي إلى أنّ “المؤتمر محطّة لمسار أوسع وأكثر شمولية من الاعتراف بالدولة”. ويربط مراقبون بين خريطة الطريق تلك وبين التطوّرات في المنطقة، بما فيها مساعي التوصّل إلى اتّفاق أميركي – إيراني.
سقوط “الأكثريّة الأخلاقيّة” واحتقار الأمم المتّحدة
تستبق تل أبيب مؤتمر “حماية حلّ الدولتين”، بتمهيدها لإقامة “الدولة اليهودية الإسرائيلية” في الضفّة الغربية على ما قال وزير الحرب إسرائيل كاتس. لم تحتقر تل أبيب الأمم المتّحدة التي تحتضن المؤتمر، كما فعلت قبل وخلال حرب غزّة المستمرّة. لكنّها لم تستطع الحؤول دون انعقاد المؤتمر الذي قرّرته الجمعية العمومية في أيلول 2024.
لم تعد القيادة الإسرائيلية تحظى بما سمّته عام 2012 “الأكثريّة الأخلاقية”، أي تأييد الدول “الكبرى الديمقراطية”، بمواجهة تصويت أكثريّة 147 دولة من أصل 193 على قبول فلسطين عضواً مراقباً. آنذاك ابتدعت “الأكثريّة الأخلاقية”، بعد إقرارها باستحالة ثني الدول عن التصويت لمصلحة عضويّة مراقب لفلسطين.
الرّدّ على مؤتمر نيويورك في الضّفّة؟
حلّ مكان الرياء الدبلوماسي لعقود حيال قيام دولة فلسطينية، وضوح في العمل لاقتلاع الشعب الفلسطيني. الردّ على اندفاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع السعودية، بعد إعلانه نيّته الاعتراف بدولة فلسطين نتيجة التزامه خلال زيارته الرياض رئاسة بلاده مع السعودية مؤتمر نيويورك، جاء على لسان الوزير إسرائيل كاتس. وجّه الأخير رسالة إليه أثناء اقتحام منطقة قرب مدينة جنين في الضفّة مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، قال فيها: “أنتم تعترفون بدولة فلسطينية على الورق، والورق سيُلقى إلى سلّة التاريخ. والاستيطان في الضفّة الغربية سيتعزّز”. يُعدّ كاتس وسموتريتش ونتنياهو لضمّ المنطقة “جيم” من الضفّة التي تشمل المستوطنات الإسرائيلية كافّة، و60 في المئة من مساحتها.
مؤشّر اشتراك المغرب وهولندا في الإعداد للمؤتمر
بالموازاة تراكمت الاستعدادات لمؤتمر “حماية حلّ الدولتين” طوال الأشهر الماضية دوليّاً وسياسيّاً في دول غربية منحازة تاريخيّاً لإسرائيل، على وقع “أفعالها المشينة” في القطاع، وفق وصف ماكرون. ومنذ أطلقت السعودية “التحالف الدولي لأجل حلّ الدولتين، احتضنت فرنسا ونيويورك معظم الاستعدادات، بعد تبنّي قمّة القاهرة العربية الاستثنائية ثمّ قمّة بغداد التحالف الدولي لأجل حلّ الدولتين.
اللافت أنّ المملكة المغربية انضمّت في أيّار الماضي للاستعدادات، فرأست الاجتماع التحضيري الخامس لمؤتمر نيويورك مع هولندا، بعدما كانت امتنعت عن التصويت في نيسان العام الماضي على قرار للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة بتبنّي حلّ الدولتين. وشكّل انضمامها إلى الدول الأوروبية التي أعلنت نيّتها الاعتراف بدولة فلسطين مؤشّراً ذا مغزى، باعتبارها داعمة بقوّة لإسرائيل.
إنّ تولّي المغرب إعطاء زخم لمؤتمر نيويورك له أثر مزدوج نظراً إلى دور المملكة على المستوى الإفريقي من جهة، وإلى وجود جالية يهودية من أصل مغربي في إسرائيل من جهة ثانية. لا يزال جزء وازن من هذه الجالية على ولائه للمملكة المغربية ويمكن أن يلعب دوراً في تغيير الخريطة السياسية الإسرائيلية الداخلية، إذا كان إنجاح الحلول السياسية للقضيّة الفلسطينية يحتاج إلى تغيير في رجال الحكم في تل أبيب.