لا تخافوا على لبنان... فالبلد "شيخ الشباب" و"قبضاي" و"بومبا"...
حاكم شاب "يجدّد شباب" إقطاعه واستعباده للبشر والحجر على حدّ سواء
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
في حزيران عام 2000، توفّي الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، واستلم نجله الرئيس المخلوع بشار الأسد الرئاسة السورية بدلاً منه، بالأهازيج والتصفيق والزغاريد، وبكثير من أبيات الشعر التي "انهمرت" على مسامع الناس، مُدخِلَةً في لاوعيهم قبل وعيهم أن "هذا الشّبل من ذاك الأسد".
وقد دخل الفنانون على خط عمليات "تبييض الطناجر" الكثيرة في تلك الفترة، بمواويل تؤكد أن لا خوف على سوريا وشعبها، طالما أن هناك أسداً يحميها من جيل الى جيل.
"ربيع دمشق"
وزادت "موجات" التفاؤل و"التخيّلات الزهرية"، مع تأكيد البعض أن الرئيس السوري الجديد (بشار الأسد) شاب على مشارف الـ 35 عاماً (في حزيران 2000)، وأنه صاحب خبرة دراسية وعملية في بريطانيا، وأنه الشاب الذي سيُدخل سوريا في منظومة العالم بقواعد جديدة، والرجل الذي سيأخذ على عاتقه مهمة تحديثها، ونقل شعبها من عصور الخوف من السلطة السورية، ومن سلوكيات استخباراتها... الى عصر جديد مختلف كلياً.
كما تكثّفت الأحاديث في الصالونات والأروقة السياسية وحتى العلمية والثقافية، الشرق أوسطية والعالمية آنذاك، عن "ربيع دمشق" الذي سيُزهر قريباً (في ذلك الوقت)، والذي سينقل المنطقة الى حقبة جديدة، نظراً للمكانة الاستراتيجية المهمّة جداً التي تتمتّع بها سوريا في الشرق الأوسط.
"مفقودات"
وأما النتائج، فقد أتت مُعاكِسَة تماماً لكل "التخيّلات" السابقة. فسوريا مَضَت من خوف الى تخويف أكبر، والى درجة بات يمكن فيها للتذمّر من شحّ كميات الخبز أو القمح في منطقة معيّنة، أن يتسبّب بإخفاء المتذمّر، وبإخراجه من الوجود، من أساسه.
كما أن "ربيع دمشق" الموعود انقلب خريفاً أكثر كآبة من أيام شتاء قارس البرودة، الى درجة أن الخريف السوري تمدّد الى لبنان بمزيد من التشدّد بين عامَي 2000 و2005، الى أن اضطّر الجيش السوري لإنهاء احتلاله (لبنان) تحت ضغط أميركي وفرنسي ودولي هائل.
وأما على مستوى تحقيق الانفتاح، والإصلاحات، والحريات، والديموقراطية، وتطوير سوريا، فكلّها عناوين بقيَت ضمن عالم "المفقودات" السورية الضائعة، الى أن اندلعت الحرب السورية في ربيع عام 2011، وانتهت بإخراج بشار الأسد من سوريا بطريقة لم يَكُن يرغب بها طبعاً.
"تجميع الزعران"
ولكن ما سبق ذكره عن شاب سوري (بشار الأسد 2000) سيغيّر، ويُصلح، ويطوّر بلده، هو نموذج "طبق الأصل" عن الأجيال السياسية الشابّة في العالم العربي عموماً، وفي لبنان ضمناً.
ففي بلدنا، تخرج بعض الوجوه الشابة بين موسم انتخابي نيابي وآخر، من عوالم التوريث السياسي، ومن "البيوتات السياسية" التي أكل الدهر عليها وشرب، والتي من المُفتَرَض أن الزمن نفسه لفظ فشلها، وفسادها، وإقطاعها، وسوء سياساتها وحكمها... لتقدّم نفسها بصورة جيل جديد، سيغيّر، ويُصلح، ويطوّر، طالبةً اقتراع الناس لها.
وهذه الوجوه الشابة تنسخ الأب والجدّ وأب الجدّ وجدّ الجدّ وما قبلهم... حتى بأسلوب ونوعية الكلام والعبارات في أحيان كثيرة، وبـ "تجميع الزعران" من حاملي العصي وكل أنواع الآلات الحادة والأسلحة... من حولها، وبجمع "الزقّيفي" و"الزحّيفي" الذين تحمرّ أياديهم من شدّة التصفيق، وتُبَحّ حناجرهم من شدة الصراخ والعويل "تبييضاً للطناجر" مع "المحروس"، أي مع "النسخة الجديدة" من "الموروث السياسي" القديم نفسه، بمُلصَق جديد، وبتاريخ صلاحية جديدة.
150 عاماً...
وأما نتيجة هذا الشباب المتجدّد في السلطة ومجلس النواب، فتكون مزيداً من استزلام واستعباد البشر، وممارسة المزيد من الإقطاع على المستويات كافة، وصولاً الى حدّ التحكم بصحو ونوم الناس، وبأدقّ تفاصيل حياتهم اليومية، التي تتحول من تدهور الى آخر، أشدّ خطراً.
نعم. هذا هو نموذج الحاكم الشاب في بلداننا، سواء كان رئيساً، أو نائباً، أو وزيراً، أو زعمياً... حاكم شاب "يجدّد شباب" إقطاعه، واستعباده للبشر والحجر على حدّ سواء، ولو لفظ أنفاسه الأخيرة من أعلى كرسي سلطته، بعمر 150 عاماً.