لبنان خارج الصراع: إجراءات أمنية مشددة ونأي بالنفس
اجتماع بعبدا شدّد على ضرورة تأمين الجبهة الداخلية
ندى أندراوس - المدن
على وقع تصاعد التوتر الإقليمي بين إسرائيل وإيران، عقد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اجتماعاً أمنياً موسعاً في قصر بعبدا، شارك فيه قادة الأجهزة الأمنية ووزراء معنيون، للبحث في التدابير الواجب اتخاذها لضمان استقرار لبنان ومنع انزلاقه إلى دائرة النار. الاجتماع، الذي وصفته مصادر مواكبة لأجواء رئيس الجمهورية لـ"المدن" بأنه "حاسم ودقيق"، انقسم إلى شقين: عمليات ميدانية وسياسي، وسط تشديد على موقف لبناني واضح: لبنان غير معني بالصراع القائم، ولن يُستخدم كساحة لتصفية حسابات إقليمية.
حماية المطار وتأمين الجبهة الجنوبية
في الشق الأول، بحث الاجتماع في ملف سلامة مطار رفيق الحريري الدولي، بعد تكاثر عمليات اختراق الأجواء اللبنانية بواسطة صواريخ ومسيرات، وازدياد القلق على حركة الملاحة الجوية. وأفادت مصادر أمنية رفيعة لـ"المدن" أن الإجراءات المتخذة في هذا الإطار شملت تكثيف المراقبة الجوية وتفعيل الجهوزية العسكرية في محيط المطار، مع التشديد على قدرة لبنان على اتخاذ قرار إغلاق الأجواء إن دعت الحاجة، في حال بلغ التصعيد الإيراني – الإسرائيلي مراحل خطرة. كما مُنح وزير الأشغال صلاحيات كاملة للتصرف وفق مقتضيات الوضع الميداني.
أما جنوبًا، فقد أوضحت المصادر نفسها أن وحدات من الجيش اللبناني باشرت منذ فجر السبت تسيير دوريات مكثفة على كامل رقعة جنوب الليطاني، مشيرة إلى أن نحو سبعة آلاف جندي في حال تأهب قصوى، وأن هذه الإجراءات ليست تعبيرًا عن خشية آنية، بل هي تدابير احترازية لمنع إستغلال الأراضي اللبنانية من قبل أي جهة أو فصيل.
وبحسب أجواء الاجتماع الأمني، أعطى رئيس الجمهورية توجيهات صريحة بوجوب رفع منسوب التيقّظ في محيط المخيمات الفلسطينية وفي مواقع وجود فصائل كحماس والجهاد الإسلامي ومجموعات إسلامية تدور في فلك محور الممانعة، منعًا لتحوّل أي من هذه المواقع إلى نقطة إشعال للصراع، أو لإدخال لبنان عنوة في معركة لا تخصه.
إتصالات لاحتواء أي ردود فعل
على خطٍّ موازٍ، عُرِض في الاجتماع مسار الاتصالات الجارية مع القوى اللبنانية والفصائل الفلسطينية المرتبطة بمحور الممانعة. ووفق مصادر مواكبة لأجواء بعبدا، فإن هذه الاتصالات بدأت منذ اليوم الأول لتصاعد التوتر، ويديرها جهاز الأمن العام ومخابرات الجيش، وقد شملت جميع الجهات التي قد تكون معنية أو متأثرة بالتطورات.
وأكدت المصادر أن المؤشرات حتى اللحظة مطمئنة، وأن القوى المذكورة تتفهّم خصوصية الوضع اللبناني ودقّته، وتبدي التزامًا بعدم التصرف بشكل أحادي قد يورّط لبنان.
وقد نقلت أوساط حكومية مطّلعة أن حزب الله أبلغ جهات رسمية بوضوح أنه "ملتزم بالكامل باتفاق 27 تشرين الثاني، ولا يخطّط لأي تحرّك عسكري في الوقت الراهن."
رغم ذلك، أعربت مصادر أمنية رفيعة لـ"المدن" عن تخوّفها من محاولات اختراق من "طابور خامس" أو جهات خارجة عن السيطرة، قد تستغلّ التوتر لتنفيذ عمليات أو إطلاق صواريخ من الجنوب، خاصة في ظلّ الاستنفار الإسرائيلي المكثّف على طول الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
موقف حاسم ورسائل إلى المجتمع الدولي
منذ اللحظة الأولى، أكّد رئيس الجمهورية، كما نقلت مصادر مطّلعة، أن لبنان غير معنيّ بالصراع القائم بين إسرائيل وإيران، ولا يمكنه تحمّل تبعات أيّ حرب جديدة على أرضه. وذكّر بأنّ لبنان قد دفع ثمنًا باهظًا في صراعات الآخرين، ولا يملك اليوم ترف المغامرة أو الانزلاق إلى مواجهة جديدة.
وفي السياق، بدأ الرئيس عون من روما، حيث كان في زيارة خارجية، اتصالاتٍ مع المسؤولين الأميركيين والفرنسيين، وأبلغهم أنّ لبنان يقوم بكل ما يلزم لضبط الوضع على أراضيه، ولا يرضى بأن تُستخدم أراضيه ذريعة لتصعيد إسرائيلي أو ساحة لتفريغ شحنات التوتر في المنطقة.
وفي هذا السياق، أتى اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره اللبناني السبت، حيث أكّد الرئيس الفرنسي على "التزام فرنسا الثابت بدعم لبنان، وضمان أمنه، واستقراره، وسيادته."
اجتماع بعبدا شدّد كذلك على ضرورة تأمين الجبهة الداخلية، فصدرت تعليمات بتعزيز جهوزية المستشفيات، وتأمين مخزونٍ كافٍ من الأدوية تحسّبًا لأيّ طارئ أو عدوانٍ مفاجئ، مع التذكير بأنّ لبنان الرسمي يقوم بما عليه من واجبات لحماية أمنه، ويطلب من المجتمع الدولي تحمّل مسؤوليته في ردع أيّ اعتداءٍ إسرائيليّ محتمل.
هكذا، بدا المشهد في بعبدا ترجمة دقيقة لمعادلةٍ واضحة: الجهوزية الأمنية كاملة، القرار السياسي موحَّد، والموقف الوطني لا لبس فيه: لبنان خارج الصراع.