الحكومة الإلكترونية أولوية لإعادة بناء الدولة
الحرب مفتوحة ضدّ المكننة
د. فؤاد زمكحل - الجمهورية
تُعدّ الحكومة الإلكترونية، أو ما يُسمّى بالـ E-Government من أبرز ركائز إعادة هيكلة الإدارة العامة، وإعادة بناء الدولة الإنمائية في لبنان، في ظلّ التحدّيات السياسية والإقتصادية والإنمائية. فهي ليست مجرّد مشروع عصري، بل ضرورة ملحّة تهدف إلى تسريع المعاملات، تحسين الإنتاجية، تعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد من خلال تقليص الإحتكاك المباشر بين المواطن والإدارة. كما تُسهم في جذب الإستثمارات، وتشكّل مطلباً أساسياً من الجهات الدولية الداعمة للبنان.
فما هي أهمية الـE-Government لإعادة بناء الدولة والإدارة الرشيدة، الحديثة، المنتجة والفعّالة؟
إنّ الحكومة الإلكترونية من أهم أولويات إعادة الهيكلة الداخلية، لأنّها مثالية لمكافحة الفساد، تعزيز الشفافية، والمراقبة الدقيقة في كل المعاملات، وهي تُظهر مسؤولية الجميع في الصواب أو الخطأ، بواسطة أدوات إلكترونية والهواتف المحمولة، وتسمح بالقيام بأي معاملة بثوانٍ.
فالحكومة الإلكترونية، تبدأ بتسريع وتسهيل المعاملات، تتركّز على الإنتاجية والكفاءة، وتستخدم الذكاء الإصطناعي، لشراء الوقت، وتحسين الإنماء، وجذب الإستثمارات، لأنّ الوقت أصبح اليوم إستثماراً، والخدمة هي «طُعم» للمستثمر.
الحكومة الإلكترونية، تُنمّي الإقتصاد وتجذب جزءاً كبيراً من الإستثمارات، بدليل أنّ الدول العظمى والنامية طوّرت استثماراتها بفضل الحكومات الإلكترونية لديها، التي جذبت المزيد من المستثمرين والرياديِّين والمبتكرين، لأنّها تختصر الوقت الإداري، الذي يُستخدم لتطوير الاعمال، والأفكار الخلّاقة والريادية. من هنا إنّ الحكومة الإلكترونية باتت من أهم وأشد متطلّبات الدول المانحة وصندوق النقد والبنك الدوليَّين وسائر البلدان التي تقف إلى جانب لبنان.
إنّ الحكومة الإلكترونية كانت في السابق، خياراً أو رفاهية، لكنّها أصبحت اليوم مطلباً أساسياً وحاجة ملحّة وضرورية للبلدان النامية أو التي تطمح إلى الإنماء وإعادة الهيكلة ودعم إقتصادها وزيادة حركتها والتبادل التجاري والإستثماري لديها، فمن جهة تتماشى مع كل المتطلّبات الدولية، لمكافحة الفساد، والإمتثال، وتعزيز الشفافية، ومن جهة أخرى، تُحسّن الإنتاجية، وتُخفّف الوقت الضائع وتخفّض التكاليف، حيال الدولة والمواطن، وتدعم الإقتصاد وتواكب التغيّرات الدولية.
نذكّر بأسف، بأنّه عندما بدأ الحديث عن المكننة سابقاً، بالأهداف عينها، كان الردّ صادماً، والحرب مفتوحة ضدّ هذه المبادرات، وخصوصاً من قِبل المدافعين عن الإقتصاد الأسود وملوك التهريب والترويج.
فاليوم عندما نتحدّث عن الحكومة الإلكترونية، لا شك في أنّنا نتحدّث عن إعادة بناء الإقتصاد الأبيض والشفّاف، في وجه الإقتصاد الأسود والسوق الموازية التي كسبت الأرض في السنوات الأخيرة، جرّاء إقتصاد الكاش المؤذي والخطر، الذي هرّب المستثمرين والرياديِّين والمبتكرين، وجذب المبيّضين والمهرّبين والمروّجين.
في المحصّلة، إنّ لبنان اليوم على مفترق طرق، إمّا بناء دولة حقيقية، شفّافة، حديثة وفعّالة، وإمّا طمر الرأس في التراب كالنعامة، واستكمال السياسة التي أوصلت البلدان كما هي حال لبنان، إلى القائمة الرمادية في FATF والقائمة السوداء الأوروبية، فيصبح بلد المافيات، عوضاً عن بلد الحرف، ومنصّة الحضارات والإقتصاد والتبادل التجاري الإقليمي والدولي.